حماس: مقاربة جيوستراتيجية
لا يكاد الجدل حول حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يهدأ حتى يثور، و لا يكاد يخبو حتى يضطرم أواره مرة أخرى، وهذا شأن حركات التغيير التي تظهر في لحظات الإنعطافات التاريخية الكبرى. نعم، هي حركة تغيير مفصلية عابرة للجغرافيا، و إن زعمت غير ذلك (و قد صدقت). فهي على المستوى العملياتي لا تتجاوز الجغرافيا الفلسطينية.
ولكنها على المستوى الإستراتيجي الأوسع تخترق الآفاق و تجوب الأصقاع : فقد أحيا الله بجهادها نفوساً ميتة، و أيقظ بفكرها عقولاُ غافلة، و بعث بثباتها معاني العزة و الشموخ في الأمة، و جدد بمنهجها مفاهيم الرباط و المجالدة، حتى غدت مصدر الهام و تعبئة لا ينازعها في ذلك أحد. و لن تدرك السر حتى تعلم مقدمات التأسيس و منهجيات البناء التي حددت الغايات و صاغت الرؤية و رسمت معالم الطريق. فالفضل لله أولاً و آخراً، ثم لحركة الإحياء الإسلامي : فلولا الحركة الإسلامية لما كانت حماس، أو لكانت شيئاً آخر، و لولا حسن البنا لما كان أحمد ياسين و صلاح شحادة و إسماعيل هنية و خالد مشعل، أو لكانوا شيئاً آخر.
قدمت حماس أنموذجاً في الجهادين العسكري و السياسي، إمتزج بإنموذجها الفكري و الأخلاقي ، فتولد عن هذا المزيج مثال فريد تعانق فيه الواقعية السياسية و السمو الأخلاقي ، و هذا عزيز جداً في الواقع العربي السقيم.
ولست أزعم للحركة البرء من الخطأ و السلامة من النقص، فليس ذلك لأحد بعد الأنبياء و الرسل، و لكنّ خطأها مغمور في بحر صوابها و نقصها مطمور في فضاء كمالاتها.
وحسبك أن تدرك حدة المعركة التي تخوضها و إكراهات الواقع الذي يطوقها كي تعفيها من المحاكمات الجائرة و التخريجات الرّثة التي لا تصدر عن منصف و لا يقول بها من له أدنى دراية بقواعد إدارة الصراع.
ولست أرمي منتقدي حماس جميعهم بسوء الطوية، فهناك نفر من الأخيار يصدرون في نقدهم عن نصح للحركة و حدب عليها. و ثمة طائفة أخرى قد إستحوذت عليها السخائم واستبد بها الغيظ و ركبتها الخصومة الفكرية و السياسية فطفقت ترمي الحركة بكل نقيصة و تنفي عنها كل فضيلة و تلصق بها كل فعل ذميم.
ليس لهذه الطائفة قدم صدق في جهاد العدو الصهيوني، و لا في مقارعة الإستبداد الداخلي، و لا في دفع الضراء عن الأمة،بل جلّ بضاعتها تبجيل الطغيان و تبرير القهر و تكريس حالة الإنسحاب من الشأن العام، و لا يعنيها بعد ذلك أن تُعطَل الشرائع و يُهدم العدل و تُقمع الحريات و تفشو الوثنية السياسية. و أما الفئة الثالثة فهم عامة المسلمين الذين ربما إرتابت قلوبهم و نالت منهم حملات الإرجاف تلك، و إلى هؤلاء ينبغي أن يتجه الخطاب …..
•ليست حماس حركة وعظية تسبح في فضاءات المثالية، بل هي حركة جهاد و مقاومة تعمل في بيئة جيوسياسية شديدة الخصومة ، بالغة العداء تروم إستئصالها بعد أن أحاطت بها و رمتها عن قوس واحدة.
•فينبغي، و الحال كما ذكرنا، أن تحاكم خياراتها لا إلى المثاليات الباردة، بل إلى إكراهات الواقع و شح البدائل و منطق موازين القوى كما تقررها الحسابات الجيوستراتيجية ، لا كما يخالها القاعدون على الأرائك.
•قيادة مشاريع التغيير الكبرى تقتضي المناورة تحقيقاً للغايات و تحصيلاً للمصالح العليا، دون إهدار للمبادئ و لا تفريط في القيم الجوهرية. و ليس في تجربة حماس الجهادية و هديها السياسي ما يخرق هذه القاعدة، و لعل خروجها من دمشق ينهض دليلاً على إنتصارها للمبدأ و إنحيازها للحق إذا تعذر التوفيق بين المصلحة و القيمة.
•إدارة المصالح العليا تحددها موازين القوى و معادلات القوة، و الهدي النبوي في قيادة مشروع التغيير يقدم لنا نماذج للإقتداء، فقد صالح النبي (صلى الله عليه و آله) قريشاً في الحديبية متجاوزاً بذلك حالة التحفظ التي أبداها الصحابة، و كاد أن يصالح غطفان في معركة الخندق على ثلث ثمار المدينة، و لولا رفض السعدين ( سعد إبن معاذ و سعد إبن عبادة) لأنجزت الصفقة، و أثنى على عتبة بن ربيعة في بدر و كان من رؤوس الكفر، و حاصر الطائف شهراً (بعد حنين) ثم تركها و إنصرف، فجاءته طائعة دون قتال. فعلينا أن نفقه معادلات إدارة الصراع هذه كي لا نشتط في التثريب على حماس و هي تواجه الإكراهات و تفاضل بين الخيارات .
•من معايير التقييم “إستقلال القرار السيادي” فأيما كيان فقد الهيمنة على قراره السيادي أو ضعفت قبضته على مفاصل ذلك القرار ، فقد بدأت نهايته و فقدَ غاية وجوده. و لا يجادل منصف أن خيارات الحركة الإستراتيجية بيدها حصراً، و أن قرارها السيادي ليس موضوعاً للمقايضات، فهي تهيمن هيمنة تامة على المساحات السيادية.
•أما الإسناد الإيراني لحماس، و الذي يتخذه الشائنون ذريعة للقدح و مدخلاً للطعن، فليس فيه مقدح شرعي و لا نقيصة أخلاقية :
1. فحماس ليست حليفاً لإيران في مشروعها الطائفي أو إصطفافاتها الإقليمية.
2. تلتزم الحركة إلتزاماً وثيقاً بمرجعيتها السنية على الصعيدين العقدي و المفاهيمي، و تعبر عن ذلك دون تردد و لا مواربة.
3. تنحاز الحركة الى قضايا الأمة و تنتصر للحق و العدل، و إن تعارض ذلك مع المسار الإيراني ، و آية ذلك موقفها من الثورة السورية.
4. شكر طهران على دعمها ضرورة سياسية و إلتزام أخلاقي، و ليس أكثر من ذلك.
5. ليس في العلاقة مع إيران ( على النحو الذي تقدم) ما يصادم مقررات الشريعة وليس فيها ما يجانب تقاليد التحالفات السياسية.
و الله الهادي إلى سواء السبيل
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
رغم القمع والتهديدات.. جامعات العالم تواصل طوفانها المناصر لفلسطين
عواصم – المركز الفلسطيني للإعلام هكذا تحولت جامعة "كولومبيا" التي قادت شرارة "طوفان الجامعات" المناصر لفلسطين حول العالم كـ "الشوكة" في حلق النظام...
“هيومن رايتس ووتش”: الردود على المظاهرات الطلابية الداعمة لفلسطين صادمة
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت منظمة حقوق الإنسان الدولية "هيومن رايتس ووتش"، الاثنين، أن "الرد على المظاهرات الطلابية الداعمة لفلسطين...
مشاهد جديدة لتفجير كتائب القسام نفقا في قوة إسرائيلية
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام بثت قناة الجزيرة مشاهد حصرية حديثة لعناصر من كتائب عز الدين القسام في أحد الأنفاق بغزة وهم يقومون بتفخيخ نفق قبل دخول...
جيش الاحتلال يعترف بمقتل ضابطين وإصابة جندي بجراح خطيرة في “كمين نتساريم”
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الاثنين، مقتل ضابطين وإصابة جندي آخر بجروح خطيرة في كمين ممر...
منظمة إنقاذ الطفولة: خان يونس أصبحت “مدينة أشباح”
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام قالت منظمة "إنقاذ الطفولة الدولية"، الاثنين، إن "مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، ثاني أكبر مدينة في القطاع، والتي...
“حزب الله” يعلن استهداف جنود إسرائيليين بمستوطنة المطلة
بيروت – المركز الفلسطيني للإعلام أعلن "حزب الله" الاثنين، أنه استهدف مواضع لجنود إسرائيليين في مستوطنة المطلة شمال إسرائيل، وإصابتها بشكل مباشر....
هنية: كل ما يؤدي لحماية المنطقة من الاختراق الصهيوني جهدٌ حيويٌ مهمٌ
استقبل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، اليوم الإثنين، في مكتبه في إسطنبول وفداً جزائرياً ضم رؤساء مجموعات برلمانية عن المجلس الشعبي...