الخميس 09/مايو/2024

غزة رغم الحصار تصنع الانتصار

ا.د. منصور عزيز الزنداني*

حقيقة يعرفها العالم كله وهي أن قطاع غزة وأبناءه يعيشون تحت حالة حصار ظالم بري وبحري وجوي يصاحبه حصار سياسي واقتصادي وعسكري وأمني وعلمي وتكنلوجي حصار هدفه الإذلال والموت معاً.

إن هذا الحصار المعلن الذي تعرفه حكومات كل دول العالم اتخذه الكيان الصهيوني منذ (15) سنة وبالتحديد من العام 2007م وهو العام الذي تحرر فيه القطاع وطُرد فيه الاستعمار الاستيطاني الصهيوني من أرض غزة.

وبحسب ما هو معلوم للجميع فإن هذا الحصار قد شمل منع دخول أكثر من خمسة آلاف سلعة إلى مدينة غزة ومحيطها أو المتاجرة بها وتبدأ تلك السلع من الحديد والإسمنت وتنتهي بحليب الأطفال والأسبرين والشاش الطبي والدواء والماء وكل المنتجات الصناعية والطبية والزراعية والغذائية والحيوانية حتى القلم والكتاب بل وكل ما يتخيله أو يحتاجه إنسان القرن الواحد والعشرون بما في ذلك حتى الملابس، لأن تلك السلع بزعم الكيان الصهيوني تمثل دعما للإرهاب والمجهود الحربي للمقاومة الفلسطينية ؟! علما بأن هذا الحصار قد نفد ولا يزال قائماً حتى اليوم من الحكومات الصهيونية المتتابعة في “تل أبيب” والأمم المتحدة ومجلس الأمن لم يتقدموا حتى خطوة واحدة وبشكل عملي لفك هذا الحصار المقيت المميت.

وبالإضافة إلى ذلك فإن دول العالم بما فيها الدول العربية والإسلامية جميعا قد شاركوا بشكل أو بآخر في هذا الحصار واستسلموا لسياسة دولة العدوان إرضاءً لغرور العنصرية الصهيونية العالمية؛ لأنهم لم يعملوا على فك هذ الحصار اللعين الذي جعل من غزة سجنا كبيرا لأكثر من مليونين ونصف مليون من النساء والأطفال والرجال والشباب والمسنين وكل ذلك لأن قطاع غزة وأبناءه قد انتصروا على الكيان الصهيوني وأخرجوه مهزوما ومطرودا وبلا رجعة من أرضهم التي كانت تمثل لعدوهم منطقة استراتيجية أمنية وعسكرية هامة على الحدود الفلسطينية المصرية وكانت الأنفاق هي الوسيلة الوحيدة التي ساعدت أبناء غزة من الفناء والموت البطيء وذلك بتهريب السلع الضرورية عبرها.
 
 ولم تكتف “تل أبيب” بذلك الحصار بل لقد شنت حروبا عديدة على قطاع غزة وذلك عام 2007 وعام 2008 م وعام 2014 وأخيرا العدوان الذي نشاهده اليوم والذي ابتدأ منذ عشرة أيام ومع ذلك لم يحقق العدو أي نصر يذكر بسب صمود أبناء الشعب الفلسطيني أمام سياسة القتل والتدمير بالقوة الغاشمة لشعب محاصر لسنوات عديدة.

وكان كل هدف تلك الحروب الصهيونية كسر إرادة الشعب الفلسطيني واستسلامهم لسياسته العنصرية وهزيمة مقاومته الباسلة المشكلة من كافة المنظمات الفلسطينية.

ولا تختلف حرب القدس وغزة اليوم عن تلك الحروب السابقة من حيث أهدافها للطرفين الفلسطيني والصهيوني. والاختلاف الوحيد يظهر في مسار ونتائج المعركة المشتعلة الآن، والتي شارك فيها أبناء الشعب الفلسطيني، كما شاركت فيها كل أذرع قوات الجيش الصهيوني وتجمعات المستوطنين والحركات الدينية الإسرائيلية المتطرفة والتي تنادي علنا بضرورة قتل العرب لتعيش “إسرائيل”.

وبالرغم من تلك الحروب العديدة وخمسة عشر عاما من الحصار وبقدرات محدودة جدا إلا أن المقاومة استطاعت توظيف ما تملك من قدرات محدودة وبمهنية عالية في الحرب ومن خلال ذلك وجهت ضربة عسكرية قوية ومزلزلة لدولة الاحتلال باعتراف بعض قادة الفكر الصهيوني وبعض ضباط جيشهم ووزراء حكومتهم العنصرية الذين لا يزالون يوجهون نداءاتهم لرئيس حكومتهم معترفين بأن معركتهم ضد القطاع بأنها الأكثر غباءً والأكثر فشلا وأن المقاومة الفلسطينية لن تهزم وقد حققت نصرا كبيرا على “إسرائيل” .

لقد استطاعت المقاومة الفلسطينية إدارة المعركة سياسيًّا وعسكريًّا ومخابراتيًّا واقتصاديًّا من خلال صمودها في مواجهة الآلة الحربية المتطورة لعدوان الجيش الصهيوني الغاشم. وقد مثل ذلك الصمود صدمة قوية لقادة العدو الذي أصابهم بالذعر وسلبهم رشدهم وهيبتهم بل وأفشل احتفالاتهم بحالات التطبيع ورغبتهم الخبيثة بتدمير غزة وتهويد القدس.
 
الكيان الصهيوني اليوم بتصرفاته الهستيرية إلى حد الجنون يدرك أكثر من غيره مرارة الهزيمة التي يريد أن يخفيها من خلال قيامه بحرب شاملة مستخدما كل قدراته الأمنية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية وبطريقة التدمير الشامل لمدينة غزة، مستهدفا المباني المدنية والشقق السكنية والمدارس والجامعات والمستشفيات والمقرات المدنية لحكومة القطاع من خلال قوة عسكرية حمقاء هي الأقوى في المنطقة.

 وعلاوة على ذلك، فإن الحكومة الصهيونية لم تتردد بطلب الدعم من حلفائها التقليديين بإمدادها بمزيد من السلاح الأكثر فتكا ودقة وهو الطلب الذي سارعت الولايات المتحدة إلى الاستجابة إليه حيث اتخذت قرارا سريعا لإمداد الكيان الصهيوني بالسلاح المتطور الأشد فتكا وتدميرا وخاصة الذخيرة والقنابل فائقة التدمير وصواريخ متعددة الأغراض وهذا ما حصل في اليوم التاسع من الحرب ومثل واشنطن عمل بعض حلفاء “تل أبيب” بهدف إنقاذ العدو الصهيوني من هزيمة محققة وبهدف كسر إرادة الشعب الفلسطيني الصلبة التي فاجأت الجميع.

قريبا ستتوقف هذه الحرب المجنونة ولكن على الجميع أن يدرك أن معادلة السلام في المنطقة قد تغيرت بإرادة فلسطينية، وأن الحرب لم تعد جزءا من الاستعراض العسكري الذي مارسه الكيان الصهيوني على جيوش بعض الدول العربية، والحق الفلسطيني أصبح أكثر وضوحا، والمستوطنون الآن يطالبون حكومتهم بإرجاعهم إلى أوطانهم الأصلية، والشعوب العربية أيضا أدركت أكثر حجم المؤامرة الإقليمية والدولية على الشعب الفلسطيني، وتطبيع بعض الدول العربية إلى مزبلة التاريخ، والقرار الفلسطيني تحرر من النفوذ الذي كانت تمارسه بعض الدول الإقليمية.

لقد حسم الشعب الفلسطيني ومقاومته المعركة باعتراف عدوهم وما تبقى ليس إلا من باب مكابرة العدو لأنه لم يألف طعم الهزيمة لأكثر من خمسة وسبعين عاما.
  
اليوم أقوى دولة في الشرق الأوسط مدججة بسلاح عسكري متطور هُزمت أمام بضعة آلاف من عناصر المقاومة الفلسطينية وبدعم من شعبها المحاصر لسنين طويلة. ولكي تتضح لنا حقيقة النصر المبارك للشعب الفلسطيني فإن مقاومته الصامدة تعلنها مرارا أنها لن توقف الحرب إلا بشروطها هي وليس بشروط الدولة الصهيونية رغم أن الدول العربية وخاصة المطبعة والمرشحة للتطبيع مع العدو الصهيوني والتي تشارك إلى جانب أمريكا في الوساطة لم تقدم للمقاومة طلقة بندقية واحدة أو حتى قرص دواء أو غذاء باستثناء ما تقدمه جمهورية مصر العربية من تسهيلات طبية لمعالجة الحالات الحرجة من الجرحى الفلسطينيين الذين نقلوا إلى المستشفيات المصرية وكذلك ما قدّم من مواد طبية للمستشفيات المنهكة في قطاع غزة .

أستاذ العلاقات الدولية- جامعة صنعاء- عضو مجلس النواب اليمني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

هل أوقفت واشنطن تزويد إسرائيل بالأسلحة؟

هل أوقفت واشنطن تزويد إسرائيل بالأسلحة؟

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام بتصريح علني لافت، خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن الراعي الأول لحرب الاحتلال الدامية على قطاع غزة، يعلن فيه أن بلاده لن...