الأحد 12/مايو/2024

حيكت بسرية.. قرارات رئاسية تقوض استقلال القضاء

حيكت بسرية.. قرارات رئاسية تقوض استقلال القضاء

في توقيتٍ حساسٍ، وعبر ثلاثة قرارات بقانون حيكت بسرية، وضع رئيس السلطة محمود عباس، ما تبقى من استقلال القضاء في مهب الريح، مكرسًا الهيمنة والتفرد؛ بدعوى الإصلاح.

القرارات الثلاثة التي أصدرها عباس هي؛ القرار بقانون رقم (40) لسنة 2020 بشأن تعديل قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، والقرار بقانون رقم (39) لسنة 2020 بشأن تشكيل المحاكم النظامية، والقرار بقانون رقم (41) لسنة 2020 بشأن المحاكم الإدارية.

ونشرت هذه القرارات الاثنين الماضي (11 يناير 2021) في العدد الممتاز من الوقائع الفلسطينية رقم (22)، على أن يعمل بها من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية.

غياب النقاش المجتمعي
وبخلاف ما يفترض، جاءت القرارات رغم خطورتها وحساسيتها، دون إتاحة الفرصة لمؤسسات المجتمع ولا لغيرها من الجهات مثل نقابة المحامين لنقاشها قبل نشرها في الجريدة الرسمية ودخولها حيز التطبيق، في استمرار لنهج إصدار قرارات بقانون مع استمرار تغييب المجلس التشريعي، وفق الخبراء.

كما جاءت هذه القرارات التي وصفتها جهات حقوقية بأنها تكرس هيمنة رئاسة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، مستبقة الحوار الوطني الشامل المنتظر بعد اتفاق حماس وفتح والفصائل على إجراء الانتخابات الفلسطينية.

تكريس للهيمنة
ويصف النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، حسن خريشة، قرارات رئيس السلطة محمود عباس الأخيرة، المتعلقة بالسلطة القضائية، بـ”الخطيرة” والتي تمس استقلالية القضاء الفلسطيني.

وأوضح خريشة، في حديثٍ صحفيٍّ خاصٍّ لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“، أن الفلسطينيين دائماً يطمحون بوجود قضاء مستقل وقادر على جلب الحقوق، إلّا أن القرارات التي أصدرها محمود عباس تؤدي إلى عكس ذلك الطموح.

وبيّن خريشة أن ما أقدم عليه عباس، يهدف لتطويع استقلالية القضاء الفلسطيني ورهنه طوع السلطة التنفيذية، وتحقيق الهيمنة والإقصاء وسيطرة للشخص الواحد على جميع السلطات.

تعديلات وقحة
من جانبه، وصف الحقوقيوأستاذ القانون د. عصام عابدين التعديلات بأنها “وقحة، وغير دستورية، وتمت فيالغرف السوداء، وستقضي على ما تبقى من قضاء فلسطيني”.

وأكد عابدين، في سلسلة تعليقات على صفحته على فيسبوك تابعها “المركز الفلسطيني للإعلام” أن “هذه التعديلات تكرس تبعيةالقضاء للرئيس الفلسطيني، وهيمنة رئيس المجلس القضائي على المجلس والقضاةوالقضاء، وتحطيم إمكانية البناء المؤسسي للمجلس القضائي كدرع حامٍ لاستقلالالقضاة والقضاء وحماية الحقوق والحريات”.

وقال: “إذا كان الرئيسالفلسطيني معنيًّا بالإصلاح القضائي، لا بالهيمنة على القضاء والسلطات كافة،فإن الخطوة الأولى للإصلاح القضائي تكمن في إقالة مستشاره القانوني الذيدمَّر القضاء بالأحقاد الشخصية والأحلاف، وإلغاء القرارات بقانون التي صدرتوأجهزت على القضاء”.

وطالب بإعادة القضاة المعزولين ظلماً إلىالقضاء، واحترام الدستور والقانون وعدم التدخل في الشأن القضائي؛ فنزاهةالانتخابات مرتبطة باستقلال القضاء، والقضاء النزيه والمستقل هو الضامنوالحامي للحقوق وكرامة الناس.

تكريس للتبعية
رفض بالإجماع للقرارات، عبرت عنه المؤسسات الحقوقية والقانونية الفاعلة، ومعها شخصيات قانونية وسياسية وزانة، محذرة من أن القرارات تسهم في تقويض استقلالية السلطة القضائية وزعزعة الثقة فيها، وليس إصلاحها.

وفي بيان مشترك عدّ الائتلاف الأهلي لإصلاح القضاء وحمايته، والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان “ديوان المظالم”، أن هذه القرارات تنسف أي جهد لإصلاح القضاء وتجعله تابعا للسلطة التنفيذية.

ووفق البيان؛ فإن القرار بقانون المعدل لقانون السلطة القضائية، والقوانين الجديدة بشأن تشكيل المحاكم النظامية والمحاكم الإدارية، انطوت على نصوص تشريعية من شأنها المساس جوهريا باستقلال القاضي الفرد، وجرّدت القضاة من أهم ضمانات استقلالهم.

ونبه إلى أن القرار الجديد أهدر مبدأ عدم قابلية عزل القضاة الذي أحاطهم به القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 وتعديلاته، وقانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، كي يضطلعوا بمسؤولياتهم الدستورية في حماية حقوق الإنسان وصون حرياته.

وتسمح تعديلات عباس بعزل القضاة وإحالتهم للتقاعد أو الاستيداع، بموجب إجراءات لا توفر ضمانات كافية ضد التعسف في استخدام السلطة من المجالس القضائية.

وأشارت الجهتان إلى أن هذه القرارات بقوانين تضمنت من الأحكام ما يحمل الموازنة العامة أعباءً مالية إضافية من أموال دافعي الضرائب، هي في غنى عنها الآن، لا سيما وسط الظروف الاقتصادية الصعبة.

وأكدت أنها تؤسس لقضاء إداري غير مستقل وتابع للسلطة التنفيذية، على نحو يهدد حقوق الأفراد وحرياتهم، ويظهر ذلك جليا في انفراد رئيس الدولة في أول تعيين لرئيس ونائب رئيس المحكمة الإدارية وقضاتها، وانفراده في تعيين نائب رئيس المحكمة الإدارية العليا وقضاتها، على نحو يذكرنا بتشكيل “المحكمة الدستورية العليا” قبل أربع سنوات والتي أثار أداؤها شكوكا كبيرة حول استقلالها.

دلالة التوقيت
وتوقف الائتلاف عند دلالة التوقيت (قرب إجراء الانتخابات العامة لأول مرة منذ خمسة عشر عاماً)، محذرا من أن يؤدي ذلك إلى عرقلة حقيقية للحوار الوطني الفلسطيني وتعكير للأجواء الإيجابية في هذا السياق على نحو قد يتعطل معه هذا الاستحقاق الشعبي والوطني والدستوري.

وبوضوحٍ طالب البيان بالإلغاء الفوري للقرارات بقوانين الثلاثة ووقف جميع آثارها، وأن يكون أي تعديل على قانون السلطة القضائية و/ أو إصدار أي قوانين جديدة تعنى بتنظيم شؤون القضاء من صلاحية المجلس التشريعي المنتخب، ووفقاً للإجراءات المقررة في القانون الأساسي.

مؤسسة الحق عبرت هي الأخرى عن خيبة أملها العميقة إزاء تجاهل رئاسة السلطة لمطالب المجتمع المدني بجميع مكوناته بعدم تعديل قانون السلطة القضائية.

وأكدت خطورة صدور القرارات بقانون الأخيرة وانعكاساتها السلبية على النظام السياسي الفلسطيني برمته.

تقويض الاستقلالية
“المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان” أكد أن التدخل في شؤون السلطة القضائية من رئيس السلطة بدعوى إصلاحها وسط ظروف سياسية معقدة يتطلع فيها الجميع لإنهاء الانقسام وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية المستحقة منذ العام 2010، يساهم في تقويض استقلاليتها وزعزعة الثقة فيها وليس إصلاحها.

ويطرح إصدار القانون المعدل -وفق المركز الحقوقي- تساؤلات حول الهدف الحقيقي من التسرع في إصدار مثل هذه القوانين في هذا الوقت، بدلاً من ترك مهمة التشريع والإصلاح القضائي للهيئات المنتخبة من الشعب الفلسطيني.

المثير للاستهجان، وفق المؤسسات الحقوقية، أن قانون السلطة القضائية لسنة 2002 يعد وفق أغلب خبراء القانون من أفضل القوانين في المنطقة، وتعديله يتعارض مع فكرة “الضرورة القصوى”، وهي الشرط اللازم في المادة 43 من القانون الأساسي لإعطاء الرئيس حق إصدار قرارات بقانون.

غلفت بالسرية
ورأت نقابة المحامين، أن ظاهر هذه القرارات إحكام قبضة السلطة التنفيذية على الشأن القضائي خارج إطار مبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ سيادة القانون.

ودعت إلى ضرورة إنهاء عمل مجلس القضاء الانتقالي وعودة مجلس القضاء الأعلى الطبيعي للانعقاد وفقاً لأحكام قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 2002 والصادر عن المجلس التشريعي الأول.

وأشارت إلى أن هذه القرارات غلفت بالسرية المطلقة في جميع مراحل إعدادها، عدا عن حالة انعكاس تضارب المصالح التي جاءت بها بعض النصوص التي تنتهك مبدأ المساواة أمام القانون والقضاء وتتضمن صياغة مؤسسة على مقاس المتناحرين على رئاسة مجلس القضاء الأعلى والمحكمة العليا والمحكمة الإدارية العليا.

وبقدر دعوتها لإلغاء هذه القرارات، فإن الجهات الحقوقية دعت القضاة وجميع الجهات للعمل المشترك للتصدي لكل محاولات المسّ باستقلال وهيبة القضاء الفلسطيني.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات