الإثنين 06/مايو/2024

جمعية إلعاد.. رأس حربة الاحتلال لتهويد القدس

جمعية إلعاد.. رأس حربة الاحتلال لتهويد القدس

اتخذت الحركة الصهيونية منذ نشأتها من مدينة القدس أساسًا ومنطلقًا لعملها، وربطت بين المدينة المقدسة ومصير اليهود مستندة إلى أساطير توراتية وذرائع تاريخية واهية.

وبالانتقال من الطرح الفكري إلى الحيز العملي، نجد أن الاحتلال يعمل على تهويد القدس من خلال سياسات الإحلال والمحو التي تتبناها الصهيونية (حكومات وجمعيات استيطانية).

وبحسب الأستاذ الدكتور مروان فريد جرار في دراسته التي حملت عنوان “الجمعيات الاستيطانية الصهيونية في مدينة القدس- جمعية إلعاد أنموذجًا”، فإن ذلك يتم من خلال أربعة محاور هي:

المحور الديموغرافي “من خلال تبني خطط قومية استيطانية كبرى، وتنفيذها بواسطة جلب المستوطنين اليهود وتوطينهم في القدس وقلب التركيب الديموغرافي فيها”.

المحور الرمزي “الذي يعمل على المحو الرمزي للسكان الأصليين، من خلال اعتبار الحيز المحتل حيزًا خاليًا، واعتبار الأراضي المحتلة جرداء”.

المحور القانوني “من خلال شرعنة وجود المقدسيين على أسس من الوقتية والعرضية مقابل فئة المواطنين الدائمين”.
 
المحور الأمني– الجسدي “من خلال اعتبار الجسد الفلسطيني في القدس مصدرًا للخطر والفوضى الديموغرافية والأمنية، ما يوجب مواجهته بالإبعاد والإزالة عن الحيز من أجل الحفاظ على السلامة العامة للجماعة”. 

ومع أنه ومنذ احتلال مدينة القدس عام 1967 كان الاستيطان فيها مسؤولية “الحكومات الإسرائيلية”، فإن هناك دورًا بارزًا لعدد من المؤسسات والحركات والجمعيات غير الحكومية -ومنها إلعاد- في عمليات التهويد التي من خلالها اخترقت الأحياء العربية وزرعت بؤرًا استيطانية وسطها بعد سلب ممتلكات الفلسطينيين.

التأسيس والتسمية
لا يمكن الحديث عن تأسيس “جمعية إلعاد” بمعزل عن الظروف التي رافقت نشأتها، فلم يكن ظهور جمعية استيطانية لتهويد القدس محض صدفة، بل جاء نتيجةً لتنامي قوة التيارات الدينية المتطرفة في “إسرائيل” خلال حقبة سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم، وما صاحبه من بروز للمدارس الدينية التلمودية التي أفرزت جمعيات استيطانية مثل “إلعاد” التي تأسست في أيلول/ سبتمبر 1986.

وكلمة “إلعاد” اختصارًا للجملة العبرية “إل عير دافيد”، وتعني بالعربية: “نحو مدينة داود”، اعتمادًا على النصوص التوراتية، والادعاء بأن القدس هي مدينة النبي داود عليه السلام، حيث أقام فيها “عاصمة دينية وروحانية للشعب اليهودي” قبل 3 آلاف عام، وفقًا لما أوردته الجمعية على موقعها الإلكتروني.

مؤسس الجمعية
أسس الجمعية المستوطن “دافيد باري” المولود عام 1953 لعائلة يهودية ذات أصول بولندية، وقد “اشتهر” إعلاميًّا عام 2010 عندما وثقت عدسات الكاميرات دهسه بسيارة “سوبارو” طفلا فلسطينيا في مواجهات شهدتها بلدة سلوان في القدس.

وخلال خدمته العسكرية الأولى في صفوف جيش الاحتلال بين عامي 1973- 1979 انتسب “باري” لوحدة “ساييرت متكال”، وهي الوحدة المسؤولة عن تنفيذ عمليات خاصة، وتعمل تحت أمر وقيادة قسم الاستخبارات في الجيش.

وفي عام 1988 عاد “باري” للخدمة الاحتياطية في جيش الاحتلال، بعدما طلب منه قائد “منطقة الوسط” آنذاك إيهود باراك تولي مسؤولية نائب قائد وحدة “الدوفدفان”، وهي وحدة نخبوية أخرى في جيش الاحتلال، تختص بجمع المعلومات الاستخبارية وتنفيذ العمليات المعقدة للاعتقالات والاغتيالات.

وفي حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“، قال مدير مركز القدس لدراسات الشأن الفلسطيني والصهيوني عماد أبو عواد: إن “باري” وبعدما أنهى الفترة الأولى من خدمته العسكرية في صفوف جيش الاحتلال ذهب للدراسة في الجمعيات الدينية الاستيطانية المتطرفة مثل “بني عكيفا” و”عطيرت كوهنيم” والتي تركز عملها على تشجيع الهجرة إلى القدس وربط اليهود بالقدس”.

وبعد خروجه من جيش الاحتلال عام 1990 تطوّع “باري” للتعليم الديني في إحدى مدارس “عطيرت كوهنيم” والموجودة داخل البلدة القديمة للقدس.

وبعد ذلك تفرّغ “باري” لتأسيس جمعيته “إلعاد”؛ من أجل تسريع عملية الاستيطان في سلوان خصوصًا، وكان العمل الأساسي الذي أشرفت عليه “إلعاد” آنذاك هو إدارة الموقع الأثري شمال سلوان المسمى “مدينة داود”.

وفي إطار احتفالات دولة الاحتلال بذكرى تأسيسها التاسعة والستين والذكرى الخمسين لاحتلالها مدينة القدس في أيار/ مايو 2017 منح “باري” “جائزة الإنجاز على مساهمته المميزة للمجتمع”؛ تقديرًا لجهوده في إدارة وتطوير هذه الجمعية ونشاطاتها.

وعن ذلك قال حكام هذه الجائزة: إن “باري” “بادر وأقام وقاد العمل المبارك الذي حول مدينة داود لموقع أثري وتربوي وسياحي وطني وعالمي من الدرجة الأولى، وقد مُنِحَ هذه الجائزة في ذكرى 50 عامًا لتوحيد القدس، تقديرًا لمساهمته للوطن في تأسيس هذا المشروع الوطني”.

وأوضح عواد: “أن لـ”إلعاد” مجلس جماهيري يضم شخصيات بارزة مثل: إيلي فيزل الحاصل على جائزة نوبل للسلام، وشيفتي شفيت وهو رئيس سابق لجهاز الموساد، حيث تسعى “إلعاد” إلى جلب شخصيات ذات تأثير كبير لعضوية مجلسها الجماهيري بهدف جذب أعداد كبيرة من النشطاء والناس”.
 
الأهداف
تحدد “إلعاد” أهدافها بالجملة التالية “تعزيز العلاقة اليهودية في القدس عبر الأجيال، من خلال الجولات، والإرشاد، والإسكان، وإصدار مواد ترويجية”.

وعن ذلك يقول عواد: “إلعاد تهدف إلى تهويد مدينة القدس، وجعلها المركز الروحي لكل اليهود، وربطهم بالمدينة المقدسة من خلال عدة اتجاهات: اتجاه ديني، اتجاه سياحي، اتجاه إسكان والذي يستهدف اليهود المتدينين، ونحن نلاحظ أن أغلب سكان القدس من اليهود المتدينين، وأغلب السياح من اليهود غير المتدينين”.

وأضاف: “تعمل إلعاد على طمس هوية القدس العربية والإسلامية، وإظهار المعالم اليهودية فقط سواء كانت سياحية أو غير سياحية، وجذب اليهود من كل أنحاء العالم إلى مدينة القدس”. 

وأكد أن “إلعاد” تقوم على الكثير من المشاريع التهويدية في مدينة القدس بهدف جذب الزوار اليهود الذين يعتمدون على الأيديولوجية الدينية، ومع قناعتهم أن الأيديولوجية الدينية لا تجذب كل اليهود، ومع حرصهم على جلب كل اليهود على أساس عرقي، وهو ما يتطلب مراعاة أن غالبية اليهود في الأساس غير متدينين، أنشأت الجمعية مشاريع سياحية”.

تعتمد “إلعاد” مسارين أساسيين لتحقيق أهدافها، أولًا: الاستيلاء على العقارات الفلسطينية في القدس، وطرد أصحابها منها، وتسريب ملكيتها لمصلحة إقامة بؤر استيطانية في قلب الأحياء الفلسطينية وإسكانها بالمستوطنين، في محاولة لتحقيق غالبية سكانية يهودية.

وثانيًا: السيطرة على المواقع التاريخية الأثرية، وخلق رواية صهيونية حولها، وكل ما يتصل بذلك من عمليات الدعاية المحلية والعالمية والإرشاد السياحي.

أنشطتها
تموّل “إلعاد” -التي تنشط في بلدة سلوان- الحفريات الإسرائيلية في عدد من المناطق، وتسيطر على أراضي الفلسطينيين ومنازلهم إما بالمال أو بالتحايل القانوني.

وتشرف “إلعاد” على نحو 70 بؤرة استيطانٍ في سلوان تقع أغلبها في منطقة وادي حلوة، وهي أقرب منطقة للأقصى، وتبذل من أجل زيادة هذه البؤر الاستيطانية تحايلات قانونية ومالية ضخمة.

وتسيطر “إلعاد” على إدارة ثلاث مناطق أثرية على الأقل، أو ما يُسمى لدى الاحتلال “الحدائق القومية”، وهي منطقة الآثار فيما يُسمى “مدينة داود” أو بالعبرية “عير دافيد”، ومنطقة القصور الأموية، ومنطقة “موقف جفعاتي”، وكلها تقع على بعد أمتار قليلة جنوبي المسجد الأقصى. 

وعن النشاطات الحالية لـ”إلعاد” قال عواد: “من أبرز نشاطاتها حاليًّا الحفريات في الجهة الغربية من المسجد الأقصى، زاعمين أنهم من خلالها بدؤوا في اكتشاف مدينة القدس القديمة”.

وأضاف: “هذا المشروع حصل على المرتبة الأولى فيما عرف بـ”أوسكار الأنفاق” من بين 170 مشروعًا تنافست علي الجائزة”.

وتابع أنها “تعمل على تهويد المدينة المقدسة، بوسائل وطرق مختلفة؛ منها: تهجير العرب من خلال المضايقات التي تفتعلها، وشراء الكثير من الأراضي، كما تنفذ الكثير من المشاريع التي تهدف من خلالها لصبغ مدينة القدس بصبغة يهودية، من خلال المشاريع السياحية أو الحفريات أو من خلال الرحل السياحية وتكثيفها كثيرًا نحو القدس، وتشجيع التجارة والمراكز التجارية في مدينة القدس، والضغط على الحكومة الإسرائيلية واليمين الإسرائيلي لفرض السيادة اليهودية الكاملة على المدينة المقدسة”.

التمويــل
تُوصَف “إلعاد” بأنها واحدة من أغنى الجمعيات غير الحكومية في “إسرائيل”، وبحسب تقرير لصحيفة هآرتس في آذار/ مارس 2016، فإن الجمعية تلقت بين عامي 2006 و2013 نحو 450 مليون شيقل (حوالي 125 مليون دولار).

ويشير التقرير ذاته إلى أن الجهات الضريبية الإسرائيلية تغضّ الطرف عن ميزانيات “إلعاد” ومصادر تمويلها، وأن الأخيرة تقدّم تقارير مالية تحوي مصادر مجهولة الهوية، بعكس ما يفرضه القانون.

فمن الـ 450 مليون شيقل المذكورة أعلاه، هناك 275 مليون شيقل لا يُعرف بالضبط مصدرها، لكونها تُحَوّل للجمعية من شركات مسجّلة في المناطق المصنفة عالميًّا مناطق “ملاذ ضريبي”، ويمكن حسب قوانينها تسجيل الجمعيات والشركات بلا ملاحقات ضريبية تذكر، مثل جزر البهاما.

وعند سؤالنا عواد عن مصادر تمويل “إلعاد” أجاب: “إن “إلعاد” تتلقى سنويًّا ما بين 70 و80 مليون شيقل، 70٪ من هذه الأموال تأتى من التبرعات، و30٪ من ميزانية الحكومة”.

ومن أبرز الشخصيات الداعمة لـ”إلعاد” الملياردير اليهودي الروسي المتنفذ رومان أبراموفيتش -مالك نادي تشيلسي الإنجليزي لكرة القدم-؛ فقد كشف تحقيق صحفي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أن إبراموفيتش يسيطر على شركات تبرعت بـ 100 مليون دولار لـ “إلعاد”، وجاء نحو نصف هذه التبرعات بين عامي 2005 و2018 من شركات مسجلة في الجزر العذراء.

التعاون الحكومي مع “إلعاد”
تُعدّ “إلعاد” الشريك لسلطات الاحتلال وذراعها التنفيذية في عشرات المشاريع الاستيطانية، وبالأخص الضخمة منها.

ويتخذ التعاون بين “إلعاد” والجهات الرسمية الإسرائيلية أشكالًا مختلفة؛ بدءًا من تلقي تمويلات من جهات رسمية، أو التغاضي عن تجاوزاتها القانونية، أو تنسيق جولات لطلاب المدارس وجنود الاحتلال بإشرافها لبث روايتها الاستيطانية، وصولًا إلى التعاون الكامل وتوكيلها بإدارة المواقع الأثرية بلا رقيب أو حسيب.

ويبرز بشكل أساسي ضمن هذا الإطار من التعاون، العلاقات التي تربط “إلعاد” بسلطة الآثار الإسرائيلية، وسلطة الحدائق والطبيعة، وشركة تطوير الحي اليهودي، التي تبدو ظاهرة للعيان خاصة في إدارة المواقع الأثرية جنوبي المسجد الأقصى المبارك، بما يشمل القصور الأموية، والآثار الموجودة شمالي سلوان (موقف جفعاتي، وعير دفيد)، والأنفاق المحفورة أسفل سلوان وصولًا للبلدة القديمة.

كما أن سلطة الآثار الإسرائيلية سمحت لـ”إلعاد” بإجراء حفريات أثرية في مناطق مختلفة من القدس، بلا إشراف مباشر منها، ودون نشر اتفاقيات أو مناقصات واضحة بهذا الخصوص، وبتمويل ضخم جدًّا يصل من الوزارات الإسرائيلية المختلفة، في مخالفة واضحة للقوانين الإسرائيلية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يقصف مناطق متفرقة جنوب لبنان

الاحتلال يقصف مناطق متفرقة جنوب لبنان

بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام شن طيران الاحتلال الإسرائيلي -اليوم الاثنين- غارات على عدة بلدات جنوب لبنان، بالتزامن مع قصف مدفعي. وقالت "الوكالة...