الجمعة 10/مايو/2024

القدس مقابل الصحراء

علي بادي

القدس مقابل الصحراء.. عبارة تحاكي مقولة النفط مقابل الغذاء، التي كانت عنوانا لإحدى أكبر  مآسي بلادنا العربية قبل عقدين من الزمن والتي أشرفت عليها آنذاك الولايات المتحدة الأمريكية، واستهدفت ضرب مقومات القوة والنهوض بالعراق الشقيق، وانتهت باحتلاله في أبريل 2003 م وإسقاط النظام والدولة العراقية.  اليوم وبشكل مستنسخ وممجوج تشرف الولايات المتحدة الأمريكية على مأساة أخرى، تتعلق بتصفية القضية الفلسطينية من خلال زيادة وتوسيع حجم التطبيع العربي الرسمي مع الكيان الصهيوني من دون تحقيق الحقوق الفلسطينية الشرعية والتاريخية وعلى رأسها قضية القدس باعتبارها وقفا مقدسا للمسلمين عامة في مشارق الأرض ومغاربها .

مبادرة ترامب التي أعلن عنها في السنة الأولى من حكمه، كان محورها وجوهرها هو القدس، التي صدر بشأنها قرار أمريكي في نوفمبر 2017، يقضي بالاعتراف بها عاصمة للكيان الغاصب، ويقضي بنقل مقرات التمثيل الدبلوماسي الأمريكية والأجنبية إليها.  المشكل أن المغرب الذي يبدأ اليوم صفحة ومأساة جديدة مع الصهاينة بالتطبيع الكامل، هو نفسه الدولة المسلمة التي تترأس لجنة القدس المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي سابقا، منظمة التعاون الإسلامي حاليا، وذلك منذ أكثر من أربعة عقود، والتي أنشئت بهدف الحفاظ على القدس وصيانتها من كل الأخطار المحدقة بها. وهذا ما يعني أن قرار اليوم الذي تم بإشراف إدارة ترامب، يعني التفريط في القدس. فما هو المقابل إذن؟! 
المغرب يواجه منذ أكثر من أربعة عقود مشكلا في الجزء الجنوبي منه والمتعلق بالصحراء المتنازع عليها بين جبهة البوليزاريو والمغرب. وهو النزاع الذي كلف المغرب الكثير، إن على المستوى المادي الاقتصادي، أو على المستوى السياسي.

 والأكثر من ذلك أن هذا المشكل أصبح أحد أهم أدوات ابتزاز المغرب وأجهزته الحاكمة، وهو نهج سارت عليه واستغلته الكثير من دول العالم، بما فيها بعض بلدان الاتحاد الأوروبي، التي لم تجد أحسن من ملف الصحراء للضغط على الرباط وانتزاع بعض المكاسب السياسية والاقتصادية منها من قبيل استغلال سواحل المغرب للصيد.   إن إعلان ترامب اليوم عن اتفاق الطرفين على تطبيع كامل للعلاقات بينهما، وفي نفس الوقت إصداره لمرسوم يقضي بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، لهو أكبر دليل على أن جانبي الاتفاق هما القدس وحقوق الشعب الفلسطيني، مقابل الصحراء. وبالتالي فإن قبول المغرب وإقدامه على خطوة التطبيع الرسمي مع دولة الاحتلال والتي لم تكن كل جوانبه محظورة من قبل، خاصة العلاقات الاقتصادية، جاء بهدف تحقيق بعض الدعم والاعتراف بأحقيته ومشروعية موقفه في ملف نزاع الصحراء

كان مفهوما وواضحا منذ شهرين تقريبا أن خطوة الإمارات بفتح قنصلية لها في مدينة العيون كبرى حواضر الصحراء، كانت خطوة في هذا الاتجاه ومهمة إسرائيلية بأمر وتفويض أمريكي. كما أن إعلان المغرب التطبيع مع الصهاينة ومن قبله الإمارات والبحرين والسودان، ما هو سوى خطوات تمهيدية أساسية أمام المفاجأة المنتظرة الكبرى المتمثلة في إعلان مماثل مع دولة عربية مركزية أخرى، لن تكون سوى السعودية.

بعد هذا الانكشاف العظيم وتهاوي الأنظمة العربية في مسلسل التطبيع، يبقى الرهان منوطا بالشعوب لمواجهة التطبيع وإسقاط أجنداته وتفاصيله. وفي واقع أمتنا الكثير من البشائر التي تنبئ بذلك، ليس فقط ما يرتبط بالشعب الفلسطيني المرابط المجاهد، ومقاومته الباسلة. وإنما كذلك ما يتعلق بشعوب أمتنا من المحيط إلى المحيط، وقواها الحية وفي مقدمتها الشباب الذي يطفح غيرة وحبا لفلسطين.  
ألم تتغنى جماهير الرجاء البيضاوي بأغنية الحبيبة يا فلسطين التي تقول كلماتها: يا اللي عليك القلب حزين  وهاذي سنين تدمع العين  الحبيبة يا فلسطين  آه يا وين العرب نائمين  آه يا زينة البلدان  قاومي ربي يحميك  من ظلم الإخوة العديان  واليهود اللي طامعين فيك . ما نسمح فيك يا غزة  رغم أنك علي بعيدة  يا رفح ورام الله أمتنا رآها مريضة   مرضوها بالمشاكل وفساد الحكومات.  إن شباب الأمة هو عمادها ومستقبلها المنشود، وإذا كان بهذه القوة والحماسة التي تعكسها كلمات الأغنية السابقة، فإن مصير المشاريع التطبيعية المشبوهة هو السقوط والزوال.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات