حركة فتح والخروج عن الإجماع الوطني
في زحمة الأحداث والتفاصيل وتقادم الزمن، يغيب عن الإنسان أحياناً تنشيط الذاكرة، واستحضار الماضي القريب، للوقوف على الخلاصات المساعدة في التفسير، فالتجربة سمة إيجابية نستفيد منها ونبني عليها.
وفي هذا السياق، وعند الوقوف على تفسير ما سُمي اصطلاحاً بـ “الإنقسام الفلسطيني” الذي جرى تداوله منذ العام 2007، نرى من الأهمية بمكان استحضار بعض المسائل لإعادة تحديد مفهوم هذا المصطلح، بالإجابة على السؤال؛ هل حقيقة يوجد انقسام بين حركتي “فتح” و”حماس”؟
قد يبدو السؤال غريباً بعد 14 عاماً، ولكني أجده ضروريًّا، لإعادة ضبط معنى ومفهوم (الانقسام الفلسطيني)، وذلك لما له من آثار عميقة على الوجدان والعقل الجمعي الفلسطيني الذي تم استهدافه إعلاميًّا لحرف نظره عن حقيقة الأشياء في ظل زحمة وتشابك الأحداث وضبابيّتها أحياناً. ومن النقاط الهامة الواجب التذكير بها في هذا المقام:
أولاً: وقوع ما سُمّي بـ “الانقسام”، جاء عَقِب تمرّد الأجهزة الأمنية على الحكومة الفلسطينية التي شكلتها حركة “حماس” المنتخبة والفائزة بأغلبية مطلقة في المجلس التشريعي لعام 2007. وهنا يمكن القول بإيجاز؛ بأنه لولا تمرّد الأجهزة الأمنية لما حصلت تلك الأزمة، ولو قبلت حركة “فتح” بنتائج الانتخابات الديموقراطية، ولم تحرّض الأجهزة الأمنية لما وقع ما وقع. بمعنى آخر؛ إنّ رفض أحد الأطراف الانصياع لإرادة الشعب عبر صناديق الاقتراع ومحاولة الانقلاب على تلك الإرداة هو أساس المشكلة. أي أن الإشكال في حقيقته هو بين حركة “فتح” وإرادة الشعب الفلسطيني، وليس انقساماً بين حركتي “فتح” و”حماس”.
ثانياً: بالعودة إلى وثيقة الوفاق الوطني (27/6/2006)، التي شكّلت أساساً مفترضاً لرسم العلاقة المستقبلية بين حركتي “فتح” و”حماس” وكافة الفصائل الوطنية الأخرى تحت سقف منظمة التحرير الفلسطينية. فهذه الوثيقة ومفاعيلها تم تعطيلها بالكامل عقب فوز حركة “حماس” في أول استحقاق انتخابي تمثيلي (المجس التشريعي 2007)، ما يفيد بأن حركة “فتح” وبعض الدول النافذة كانت تريد من تلك الوثيقة في حينه، إدخال حركة “حماس” إلى الملعب السياسي بحجم محدود أو هامشي يمكن التحكّم فيه وفق لعبة الأغلبية والأقلية، ولكن عندما حازت الحركة على الأغلبية المطلقة انتخابياً، وتحوّلت إلى قوة موازية إن لم نقل متفوّقة، تم كسر معادلة التنافس الديموقراطي والتخلي عنها سريعاً، لصالح فكرة التمرد الأمني. وهذا مؤشّر مهم التذكير به حتى لا ننسى طبيعة سلوك حركة “فتح”، لا سيّما خروجها عن الإجماع الوطني الذي عبّرت عنه وثيقة الوفاق. وهنا يبرز الإشكال مجدداً في مخالفة حركة “فتح” للإرادة الوطنية، وليس مجر انقسام بينها وبين حركة “حماس”.
ثالثاً: شهدت السنوات الـ 14 الماضية العديد من محطات ما أُطلق على تسميته مسار المصالحة الوطنية، فقد جرت عشرات بل مئات اللقاءات بين حركتي “فتح” و”حماس” بشكل مباشر وعبر وسطاء، وأسفرت عن توقيع اتفاقيات عدّة لم ترَ النور أو كان نصيبها الفشل (اتفاق مكة 2007، الورقة المصرية 2009، اتفاق القاهرة 2011، اتفاق الدوحة 2012، اتفاق الشاطئ 2014، اتفاق القاهرة 2017، اجتماع الأمناء العامين 2020).
ومن الجدير بالذكر والتذكير أن تلك المحطات اتسمت بملامح أهمها؛ أنه كلما شعرت حركة “فتح” بأزمة مع الاحتلال أو الأمريكان أو بأزمة داخلية اتجهت للحوار مع حركة “حماس” في سبيل الوحدة الوطنية، وبعد أن تنتهي أزمتها المفترضة تعود “فتح” إلى سابق عهدها في كل مرّة. في المقابل كانت حركة “حماس” قد بدأت حواراتها مع حركة “فتح” بسقف سياسي انطلق من تحديد الرؤية السياسية وإعادة بناء المجلس الوطني على أسس سياسية وديموقراطية جديدة تمثل كل الشعب الفلسطيني، وانتهى بها المطاف للحديث عن الوحدة الوطنية من مدخل المجلس التشريعي أولاً ودون ضمانات وغموض في المرجعيات السياسية الحاكمة. وعلى الرغم من حجم التنازلات التي قدمتها حركة “حماس” مرّة تلو المرّة، لا سيّما تخليها عن الحكومة (السلطة التنفيذية) في اتفاق الشاطئ 2014، إلا أن ذلك لم يشفع لها ولا لقطار المصالحة بالوصول إلى مبتغاه.
رابعاً: بعد لقاء الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في بيروت ورام الله (2/9/2020)، ارتفع مستوى التفاؤل المعزَّز بمواقف وطنية موحّدة في مواجهة صفقة القرن والاحتلال، وأُعلن عن تشكيل لجنة وطنية للمقاومة الشاملة، في انتظار صدور المراسيم الرئاسية للبدء بالتحضير للانتخابات الفلسطينية، لإعادة بناء الرؤية والبيت القيادي..، ولكن ودون سابق إنذار صُدم الجميع بإعلان حركة “فتح” (السلطة الفلسطينية) عن عودة العلاقات والتنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، عودة إلى مربع الاحتلال الذي لم يُغيّر بدوره أياً من مواقفه ولم يتراجع عن سياساته الاستيطانية والتهويدية..!!
اكتشف الفلسطينيون مجدداً أو بعضهم أن حركة “فتح” لم تكن تسعى للمصالحة أو للوحدة الوطنية، بقدر ما كانت تستخدم هذا المسار لتغطية عمق فشلها في مسار التسوية السياسية، ولتقطيع الوقت أملاً في فوز جو بايدن في السباق الرئاسي الأمريكي، ليمنحها جرعة من الأكسجين لتستعيد شيئاً من حيويتها لاستكمال مسار حياتها المُفضّل وفق مقولة الراحل صائب عريقات؛ “الحياة مفاوضات”.
وفقاً لما سبق، وبالوقوف على الخط البياني لمسار ما سُمي اصطلاحاً بـ “الانقسام الفلسطيني” منذ العام 2007، يتضح أنه لا انقسام حقيقي مباشر بين حركتي “فتح” و”حماس”، لأنهما أصلاً لم تنطلقا من برنامج أو هيكل مشترك حتى نقول إنهما انقسمتا، فهما منذ البدء كان لكل منهما برنامجه واستراتيجيته المختلفة عن الآخر في مواجهة الاحتلال. بل من الواضح بالتجربة أن المشكلة محصورة في سلوك حركة “فتح” المتناقض مع الإجماع الوطني، والإرادة الشعبية للفلسطينيين، وإلا لماذا كل هذا العزوف والمماطلة في إجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني الذي من المفترض أن يمثل كل الشعب الفلسطيني، ويحدد مساراته المستقبلية؟!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
إضراب في 10 جامعات في كاليفورنيا دفاعا عن حق الاحتجاج من أجل فلسطين
واشنطن - المركز الفلسطيني للإعلام صوّت 48 ألف عامل، في 10 جامعات تتبع "نظام جامعة كاليفورنيا" ومختبر لورانس بيركلي الوطني في ولاية كاليفورنيا...
القسام يجهز على 15 جنديًّا صهيونيًّا بكمين شرق رفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أجهزت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، على 15 جنديًّا صهيونيًّا في كمين نوعي شرق رفح، جنوب قطاع غزة. وقالت...
الاحتلال يعتقل عمالا من غزة في برطعة وينفذ مداهمات في الضفة
الضفة الغربية - المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم السبت، مجموعة من عمال غزة، في حين نفذت حملة دهم في أرجاء متفرقة...
أوقاف غزة: الاحتلال دمر 600 مسجد وسرق 1000 جثمان
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة، مساء الجمعة، بتدمير قوات الاحتلال الإسرائيلي 604 مساجد بشكل كلي و200 تضررت...
ارتقاء قائد من كتيبة جنين بقصف للاحتلال
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية مساء اليوم الجمعة عن ارتقاء شهيد وثمانية إصابات، حيث وصلت إصابة بحالة مستقرة وصلت إلى...
جيش الاحتلال يقتحم المسجد الإبراهيمي ويمنع أذان المغرب
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجمعة، المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، وأخرج موظفي...
حماس: الرصيف المائي ليس بديلًا عن فتح المعابر البرية لغزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة المقاومة الإسلامية حماس اليوم الجمعة، رفضها لوجود أي تواجد عسكري على الأراضي الفلسطينية، وعلى أن الرصيف...