الإثنين 06/مايو/2024

الحدود الذكيّة.. بين هاجس الاحتلال الأمني وحساباته السياسية

الحدود الذكيّة.. بين هاجس الاحتلال الأمني وحساباته السياسية

فتيل الانفجار على حدود قطاع غزة قصير مع تواصل حصار غزة وتردّي الأحوال الإنسانية والاقتصادية في ظل جائحة كورونا وممارسة الاحتلال عدوانًا متكررًا.

وأوشك الجيش الإسرائيلي إكمال بناء جدار عازل تحت الأرض على حدود غزة بطول 60 كم بعد ثلاث سنوات من العمل، أنجز منها قرابة 59 كم لمكافحة ما يزعم الاحتلال حول وجود أنفاق للمقاومة وتكرار عمليات التسلل.

وكشف جيش الاحتلال قبل أيام أنه بصدد إقامة مشروع أسماه “الحدود الذكيّة” بطول 6 كم على حدود غزة، لتحسين القدرات الدفاعية اعتمادًا على جدار افتراضي مدعوم بتقنيات تكنولوجية وإلكترونية مثل مجسات جوية وأرضية، لاستشعار إطلاق الصواريخ واعتراضها.

وتحدثت “إسرائيل” أن مشروع “الحدود الذكية” هدفه تعزيز قدراتها الدفاعية، وردع خصومها، وتحقيق تفوق، لأن الحروب بالأساس دفاعية، والحفاظ على منظومة دفاع متكاملة بدءًا من الجندي على الأرض وحتى الطائرة تضمن موقف دفاعي قوي.

وتستخدم المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية على كامل حدودها مع الدول العربية من حولها وسائل تكنولوجية عسكرية لإحكام المراقبة ومحاربة أعمال المقاومة، والقيام بأعمال استخبارية وأمنية دائمة في أوقات الحروب والهدوء.

تكنولوجيا الحدود

وحدها العصافير من تتجوّل في المنطقة الحدودية لغزة، أما المارّة والمزارعون فيتعرضون لإطلاق نار يوميًّا، بينما تنفّذ آليات الاحتلال عمليات توغّل متكررة لعشرات الأمتار للحفاظ على جغرافيا المكان وفق الرؤية العسكرية والأمنية للاحتلال.

وأعلن الاحتلال أنَّ مشروع “الحدود الذكيّة” سيستخدم دوريات رصد مكونة من عشرات الطائرات المسيرة، والروبوتات على الأرض، التي يتم التحكم بها من خلال غرف عمليات الجيش الإسرائيلي.

وتعدّ “إسرائيل” واحدة من أكثر دول العالم تقدّمًا في صناعة التقنيات والوسائل الأمنية والعسكرية في مجال الروبوتات والوسائل القتالية المتطوّرة مثل طائرات بدون طيار، والمجسات، وأجهزة التصنّت التي تصدر منها لكثير من دول العالم.

ويؤكد المحلل العسكري اللواء يوسف شرقاوي أن مشروع “الحدود الذكية” من دون سيطرة ميدانية أمنية وعسكرية كاملة على حدود غزة سيكون بدون فائدة عملية للجيش الإسرائيلي.

ويضيف “للمركز الفلسطيني للإعلام“: “استخدام الوسائل التكنولوجية والتقنية العسكرية نموذج قائم للاحتلال على حدود جنوب لبنان وغزة، وكافة خطوط التماس”.

وتروّج “إسرائيل” لبيع منتجات صناعتها العسكرية والأمنية التكنولوجية في السنوات الماضية من خلال عقود واتفاقيات مع دول عدة؛ منها الصين ودول عربية أبرمت معها اتفاقيات تطبيع، كان آخرها الإمارات العربية المتحدة.

ويرجع المحلل شرقاوي زيادة الاعتماد على التكنولوجيا العسكرية في الجيش الإسرائيلي إلى ثغرة في الطاقة البشرية للجيش الذي عجز عن تثبيت جنود يقاتلون على الحدود، مقابل رجال المقاومة بغزة وجنوب لبنان الذي تحلّوا بالإرادة وجسارة الأداء الميداني.

وتتمتع “إسرائيل” بدعم عسكري ومالي كبير لمؤسستها الأمنية والعسكرية من الولايات المتحدة الأمريكية التي تزودها بمقاتلات حربية إف 35 وإف 16 ووسائل أخرى، ومليارات الدولارات لضمان تفوقها العسكري في الإقليم.

وتشكل أنفاق المقاومة الهجومية والدفاعية كابوساً دائماً لدى الجيش الإسرائيلي تكبّد منها خسائر في الدم، وضربات مباغتة أجبرته على تسخير كل إمكاناته للحد من بقائها.

ويؤكد محمد مصلح، الخبير في الشئون الإسرائيلية، أن الاحتلال دائم التفكير في طرح مشاريع لإحكام سيطرته الأمنية والعسكرية على الحدود، وقد طرح سابقاً مشروع إقامة قناة مائية شرق غزة؛ لكنه لم ينجزه، وعاد لتجسيد نظرية الجدار.

ويضيف “للمركز الفلسطيني للإعلام“: “الحدود الذكية مشروع مرتبط بفشل نظام القبة الحديدية مقابل قذائف المقاومة وحتى البالونات الحارقة التي على بساطتها تكلفهم الكثير لوقفها، إضافة لعجزهم عن حماية الحدود من خطر الاختراق”.

مشروع “الحدود الذكية” كغيره لن يمنع الوسائل المقاومة البدائية من إزعاج الاحتلال، فالهجوم بسكين، أو إطلاق بالون، أو الإصرار على اجتياز الحدود، من الصعب إبطاله بالكامل وتكلفته عالية للجيش الإسرائيلي.

محاولة للبقاء

الاستعداد المبكّر للقتال، وامتلاك وسائل عسكرية متطوّرة رافق “إسرائيل” من قبل عام 1948م ومشروعها النووي بدأ مبكراً عام 1952م، وعلاقتها الخاصّة مع أمريكا والغرب منحتها طوال 7 عقود وسائل متطوّرة للحفاظ على بقائها.

الحكومة في عهد “نتنياهو” تحاول الحفاظ على أصوات ودعم اليمين والمستوطنين، وتبادر بطرح مشاريع تستفيد منها سياسيًّا لذا تضخّم احتمالات الخطر على الحدود نحو خصومها وتعزز الاستيطان.

وتعتمد “إسرائيل” ككيان غريب وسط إقليم عربي وإسلامي على قدراتها العسكرية والاقتصادية، والحفاظ على حالة صراع خاضت فيها عدة حروب 1948م-2014م وعشرات الجولات ومحطات العدوان مع جيرانها.

ويشير اللواء شرقاوي أن “إسرائيل” تثبت مجسات، وتستخدم وسائل تقنية متطورة من قديم الزمان في هضبة الجولان قبل عام 1973، لكن استمرار خطر أنفاق المقاومة يهدد جبهتهم الداخلية، وهم يحاولون ابتداع وسائل لإبطالها بأي ثمن.

التركيز على حدود غزة وحدود لبنان مرتبط دوماً بحسابات عسكرية إسرائيلية وتطورات محتملة مع إيران، لذا يحاول الجيش تمتين قدراته على حدوده تحسبناً لانفجار الموقف مع إيران والوقوع في مسألة تزامن التصعيد على الجبهات.

يقول الخبير في الشئون الإسرائيلية محمد مصلح إن حكومة الاحتلال تحت حكم “نتنياهو” تحاول توجيه الرأي العام بعد اهتزاز الثقة بأدائها السياسي.

ويضيف: “سمعنا مؤخراً عن إقامة مستوطنات شرق حدود غزة وفي النقب لكسب ود المستوطنين، يحاولون إيجاد انطباع أمني حكومي أنهم مهتمون بالمستوطنات على حدود غزة”.

ولم تغادر “إسرائيل” حسب رؤية المحلل مصلح عقلية “الجيتو” المغلق، لذا تحافظ منذ سنوات طويلة على نظرية تحصين أرضها بالجدر والمناطق العازلة.

وتحاول “إسرائيل” حرف البوصلة عن أزماتها السياسية في ظل تعاقب الانتخابات وخلافات الأحزاب في الحكومة، وأزمة كورونا، نحو هاجس أمني يخدم حساباتها السياسية والأمنية في عهد “نتنياهو”.

ويتابع: “رغم التطبيع لا يزال هاجس الأمن مسيطر، وتحاول خلق عمق استراتيجي وربطه بمجال حيوي استراتيجي، وحماية جغرافيتها السياسية من خطر إيران الذي تدعيه كما كان عمقها سابقاً في سيناء وشرق الأردن ونقل المعركة خارج حدودها.

مشروع “الحدود الذكيّة” على حدود غزة وصفة قديمة وقائمة لوسائل قتالية تكنولوجية جربها الجيش وأثبتت فشلها أمام مقاومة غزة التي تتحلى بقدرات ووسائل بدائية عجز الجيش عن مكافحتها، لأن قوة غزة المحاصرة ومقاومتها تكمن في ضعفها وبدائيتها.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يقصف مناطق متفرقة جنوب لبنان

الاحتلال يقصف مناطق متفرقة جنوب لبنان

بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام شن طيران الاحتلال الإسرائيلي -اليوم الاثنين- غارات على عدة بلدات جنوب لبنان، بالتزامن مع قصف مدفعي. وقالت "الوكالة...