صائب عريقات.. كورونا تُغيب السياسي المخضرم

يغيبُ اليوم أحد الساسة الفلسطينيين المخضرمين.. إنه الدكتور صائب عريقات عضو اللجنة المركزية لحركة فتح أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صاحب لقب “كبير المفاوضين الفلسطينيين”.

غيبه الموت اليوم الثلاثاء، في مستشفى “هداسا” بالقدس المحتلة، بعد تفاقم وضعه الصحي إثر إصابته بفيروس “كورونا” في التاسع من أكتوبر الماضي.

من هو صائب عريقات؟

صائب محمد صالح عريقات وُلد في 28 أبريل/ نيسان 1955 في بلدة أبو ديس شرق القدس المحتلة.

سافر وهو في سن السابعة عشرة إلى سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة، ثم حصل على الشهادة الجامعية من جامعة سان فرانسيسكو الأمريكية، وسافر لجامعة برادفورد البريطانية وحصل منها على درجة الدكتوراه في دراسات السلام.

وبعد نيله درجة الدكتوراه حصل على الجنسية الأميركية، ثم عمل محاضرا للعلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية في نابلس كبرى الجامعات الفلسطينية وأعرقها، وعمل محاضرا في جامعات أمريكية، كما عمل صحفيا في جريدة القدس الفلسطينية 12 عاما.

كان عريقات وجها بارزًا لفلسطين على شاشات التلفزة الغربية، كان يدعو بلا كلل أو ملل لحل الدولتين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

تزوج في 3 سبتمبر 1981 من قريبته نعمة عريقات، ولهما 4 أبناء.

خضع عريقات في 12 أكتوبر 2017 لعملية زراعة رئة في مستشفى إينوفا فيرفاكس في فرجينيا الأمريكية.

في 9 أكتوبر 2020، أُعلن عن إصابته بمرض فيروس كورونا 2019، وفي 18 أكتوبر 2020 نُقل إلى مستشفى هداسا عين كارم الإسرائيلي في القدس لتلقي العلاج بعد أن ساءت حالته الصحية، إلى أن أعلن عن وفاته اليوم.

صائب عريقات السياسي

كان أول وزير للحكم المحلي في أول حكومة تشكلها السلطة  الفلسطينية بقيادة الراحل ياسر عرفات.

كما كان نائبا لرئيس الوفد الفلسطيني إلى مؤتمر مدريد عام 1991 وما تلاه من مباحثات في واشنطن خلال عامي 1992 و1993، وعُيِّن رئيسا للوفد الفلسطيني المفاوض عام 1994.

وفي 1995 أضحى كبير المفاوضين الفلسطينيين، وانتخب للمجلس التشريعي الفلسطيني ممثلا عن أريحا عام 1996.

وكان أحد الموالين المقربين من ياسر عرفات إبان اجتماعات كامب ديفيد عام 2000 والمفاوضات التي أعقبتها في طابا عام 2001، واحتفظ بمقعده في المجلس التشريعي بالانتخابات البرلمانية في 2006 التي كسبتها حركة حماس.

وفي عام 2009 انتخب عضوا باللجنة المركزية في حركة فتح، وهي أعلى هيئة قيادية في الحركة، ثم اختير بالتوافق في نهاية 2009 عضواً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

كما انتخب مؤخرا أمينا لسر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

كان عريقات يرى أن الحياة مفاوضات، ولإيمانه المطلق بجدواها منحها بعدا إسلاميا وتاريخيا في كتابه الثاني “بين علي وروجر”، وهو عبارة عن دراسة مقارنة بين عناصر التفاوض السبع التي حددها عالم المفاوضات الأمريكي روجر فيشر، وعناصر التفاوض الاثنا عشر عند سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أي دراسة مقارنة بين السلوك التفاوضي الغربي والسلوك التفاوضي العربي – الإسلامي.

وأصدر “عريقات” مجموعة من الكتب في المجال السياسي، أبرزها، “الحياة مفاوضات” الصادر عام 2008، و”عناصر التفاوض بين علي وروجر فيشر” الصادر في عام 2014، و”دبلوماسية الحصار” الصادر عام 2018.

ومؤخرًا أصدر كتابًا بعنوان “رؤية عريقات”، كشف فيه عن رؤيته لسُبل إفشال الخطة الأمريكية المعروفة بـ”صفقة القرن”.

وثائق المفاوضات

ظل وجوده في منصب رئيس دائرة المفاوضات، والممسك الوحيد بهذا الملف منذ قدوم السلطة، محط انتقاد كبير، حتى أن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وقياديها البارز الأسير مروان البرغوثي ردد مرارا وتكرارا: “ألا يوجد غير صائب عريقات ليفاوض”.

وكانت قناة الجزيرة الفضائية كشفت عام 2011م، عن سلسلة وثائق عن المفاوضات سربت من مكتب عريقات، عن كيفية إدارتها وحجم التنازلات المقدمة، ومستوى الصلف الصهيوني في التعامل مع المفاوض الفلسطيني، وهي الوثائق التي أدت لاستقالة عريقات من منصبه، ولكنه سرعان ما تراجع عنها.

ومن العبارات التي وردت في إحدى تلك المحاضر المسربة على لسان عريقات “إسرائيل تريد حل الدولتين ولكنها غير واثقة، إنهم يرجون حدوث ذلكَ أكثر مما تعتقد، وأحيانًا تفوق رغبتهم هذه رغبة الفلسطينيين، فما تحويه هذه الأوراق يمنحهم أكبر أورشليم في التاريخ اليهودي، مع عودة عدد رمزي من اللاجئين، ودولة منزوعة السلاح.. ما الذي كان بإمكاني تقديمه أكثر من هذا؟”.

مواقع متقدمة

ووسط حالة حادة من الخلافات حول من يتولى موقع  نائب رئيس السلطة الفلسطينية عباس بين أعضاء مركزية فتح، فإن المؤشرات كانت تشير إلى رغبة عباس في تقديم عريقات لمواقع هامة خلال المرحلة المقبلة.

وكانت تسريبات صحفية ذكرت مؤخرا أن هناك توجه لدى عباس بتمهيد الطريق لعريقات، ليكون نائبا للرئيس ومن ثم رئيسا للسلطة بعد أن ولاه أمانة سر اللجنة التنفيذية، وليبقى عريقات من أكثر الشخصيات التي لا زالت تحتفظ بأسرار عمليات التفاوض عبر عقدين من الزمن، إلى جانب أسرار الكثير من إدارة السلطة الفلسطينية كونه الشخص الأكثر قربا واطّلاعا، كما يصفه كثيرون.