الأربعاء 01/مايو/2024

ورقة علمية: الاقتصاد السياسي لمبيعات السلاح الإسرائيلي

ورقة علمية: الاقتصاد السياسي لمبيعات السلاح الإسرائيلي
مقدمة:

إذا كان “علم الاقتصاد السياسي” معنياً كما طرحه كل من آدم سميث Adam Smith وديفيد ريكاردو David Ricardo وكارل ماركس Karl Marx خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بالتأثير المتبادل بين الاقتصاد والسياسة، فإن تجارة السلاح تمثل أحد تجليات هذا التأثير المتبادل الأكثر وضوحاً، فهذه التجارة تشتمل على البعد الاقتصادي من خلال البيع والشراء والربح والمنافسة وكل آليات السوق المعروفة، كما أن دوافعها السياسية من دوافع أيديولوجية أو جيو-استراتيجية على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي لا تقل أهمية عن دوافعها الاقتصادية. وقد تدفع العوامل الاقتصادية بالعوامل السياسية جانباً أحياناً، لكنها قد تخضع لها في أحيان أخرى، طبقاً لوزن اعتبارات كل منهما من منظور صانع القرار في الدولة، وينطبق هذا التحليل على كل من البائع للسلاح والمشتري له.

ولما كانت “إسرائيل” من بين الدول التي تحقق توسعاً ومكانة متزايدة بين دول تجارة السلاح، فان دراسة الكيفية التي تعمل بها “إسرائيل” في هذا الجانب تكشف عن توظيف هذه التجارة لأغراض تجمع بين الاقتصاد والسياسة أحياناً، لكنها تضطر لتغليب أحد البعدين على الآخر في أحيان أخرى، ويتبادل البعدان السياسي والاقتصادي المواقع في أولويات السلوك الإسرائيلي في هذا الميدان، وهو ما سنعمل على توضيحه.

بدايات التصنيع العسكري الإسرائيلي:

بدأ التفكير الصهيوني في إنشاء صناعات عسكرية في مطلع العشرينيات من القرن العشرين، من خلال “وُرش” صغيرة سرية مخفية عن عيون سلطات الانتداب البريطاني في تلك الأيام في فلسطين، على الرغم من كل المساندة البريطانية للحركة الصهيونية. وكانت هذه الورش تقوم بصناعة القنابل اليدوية والمسدسات، ثم تمّ الإعلان الرسمي عن إنشاء مؤسسة الإنتاج الصناعي الحربي سنة 1933، والتي تطورت تدريجياً وبمساعدات غربية مختلفة، وأضحت الآن هي الأكبر في هذا المجال في “إسرائيل”. وبدأ التوظيف السياسي لتجارة السلاح الإسرائيلي في فترة مبكرة على يد أول رئيس وزراء لـ”إسرائيل” ديفيد بن جوريون David Ben-Gurion الذي رأى أن حصول “إسرائيل” على الشرعية الدولية بحاجة لتوسيع قاعدة العلاقات مع الدول البعيدة، خصوصاً المستعمرات التي تسعى للاستقلال وتهريب السلاح لها لضمان تبادل الاعتراف الديبلوماسي المتبادل عند الاستقلال، شريطة أن لا يؤثر ذلك على علاقات “إسرائيل” بالدول الاستعمارية بشكل استراتيجي، وكانت أولى البدايات الواضحة في هذا المجال مع دولة ميانمار (بورما سابقاً) سنة 1954، وهو ما مهد لأول زيارة رسمية لـ”إسرائيل” من قبل رئيس أجنبي (وهو الرئيس با يو Ba U رئيس بورما) سنة 1955. واستمر التطور في هذا المجال إلى أن بلغت مبيعات السلاح الإسرائيلي في الثمانينيات من القرن العشرين 25% من مجموع الصادرات الإسرائيلية، كما أن هذه المبيعات وصلت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى نحو 130 دولة حالياً. [1]

ومن الضروري التنويه هنا إلى ثلاث مسائل نراها مهمة في هذا المجال: [2]

1. أن “إسرائيل” رفضت توقيع اتفاقية تجارة السلاح التي صادقت عليها 82 دولة سنة 2012، وأصبحت نافذة المفعول في سنة 2014، وكان المبرر الإسرائيلي لعدم التوقيع هو أن هذه الاتفاقية تربط تجارة السلاح بشرط الالتزام بحقوق الإنسان، وهو ما رأته “إسرائيل” قيداً على تعاملاتها، فهي تريد فصل موضوع حقوق الإنسان عن مبيعات السلاح. وعند محاولة مجموعة حقوقية وباحثين أكاديميين التعرف على الدور الإسرائيلي في توفير السلاح لعمليات التطهير العرقي في عدد من الدول، رفضت الحكومة الإسرائيلية السماح لهم بالاطلاع على ملفات تجارة السلاح بما فيها الأسلحة الخفيفة بحجة “الدواعي الأمنية”. وعند نقل الموضوع إلى المحكمة العليا الإسرائيلية وقفت المحكمة إلى جانب المبررات الحكومية الإسرائيلية. وقد ظهرت هذه الممارسات في موقف المحكمة من تقرير حول تهريب السلاح من “إسرائيل”إلى جماعات السنهال Sinhala في سريلانكا سنة 2009، والتي تصل بعض التقديرات إلى أنها أدت لمصرع نحو 75 ألف فرد، ومع نهايتها تمّ تعيين رئيس الأركان للجيش السريلانكي سفيراً لبلاده في “إسرائيل”. [3]

2. لا بد من التنبيه أيضاً إلى تعامل “إسرائيل” مع شركات الأمن الخاصة التي سبق أن تناولنا علاقاتها مع “إسرائيل” في بحث سابق، خصوصاً أن هذه الشركات تقوم بشراء ونقل الأسلحة لصالح “إسرائيل” لا سيّما في العمليات السرية. [4]

3. يلاحظ في “إسرائيل” أن 20% فقط من بنود ميزانية الدفاع، والتي تشتمل على تجارة السلاح، هي التي يجري نقاشها من قبل وزارة المالية والكنيست Knesset الإسرائيلي، بينما لا تتم مناقشة الـ 80% من البنود المتبقية. وفي سنة 2007، تمّ إنشاء دائرة رقابة لمبيعات الأسلحة الإسرائيلية تابعة لوزارة “الدفاع”، لكن عدد موظفيها كان قليل جداً، مما يجعل وجود هذه الهيئة لا يعدو أن يكون واجهة دعائية سياسية. فعلى سبيل المثال في سنة 2012 كان عدد موظفي الدائرة 3 موظفين فقط، بينما كان في “إسرائيل” 6784 ممن يعملون في مجال مبيعات السلاح للخارج، وأصدروا مجتمعين 19 ألف رخصة تسويق، و8716 رخصة تصدير سلاح. وطبقاً للبيانات التي قدمتها وزارة الدفاع الإسرائيلية للمحكمة العليا بعد إثارة جماعات حقوق الإنسان موضوع مبيعات السلاح، يتبين أن “إسرائيل” اصدرت 400 ألف رخصة تصدير وتسويق سنة 2013، وتقدر هيئات حقوق الإنسان أن “إسرائيل” باعت أسلحة لـ 130 دولة، معظمها مارس انتهاكات لحقوق الإنسان أو مارس عمليات التطهير العرقي، كما جرى في البلقان والعديد من الدول الديكتاتورية في أمريكا اللاتينية. [5] فكيف لدائرة بهذا العدد القليل جداً من المراقبين أن يقوموا بمراقبة كل هذا العدد الهائل من عمليات بيع السلاح؟

من جانب آخر لا بد من التوقف عند تكنولوجيا التجسس Spyware،  وتبرز في هذا المجال شركة أن أس أوNSO Group Technologies ؛ هي الحروف الأولى من أسماء مؤسسيها نيف كارمي Niv Carmi، وعمري لافي Omri Lavie ، وشاليف هوليو Shalev Hulio، مع التنبيه إلى أن الثاني والثالث تخرجا من الوحدة 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، [6] وهي شركة تكنولوجيا إسرائيلية تاسست سنة 2010، وتسمح برامج التجسس التي تنتجها والتي يطلق عليها بيجاسوس Pegasus بالمراقبة عن بُعد للهواتف الذكية، ويعمل بها ما يقرب من 500 شخص اعتباراً من سنة 2017، ومقرها في هرتسليا، بالقرب من تل أبيب.

وتدعي أن أس أو أنها تزود الحكومات بتكنولوجيا تساعدها في مكافحة الإرهاب والجريمة. وأشارت بعض الدراسات أنه تم استخدام برامج هذه الشركة الإسرائيلية في هجمات تجسسية ضد نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين في دول مختلفة، كما تم استخدامها في التجسس الحكومي ضد باكستان، ولعبت دوراً في قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في تشرين الأول/ أكتوبر 2019. وقد واجهت الشركة الإسرائيلية مشكلات قضائية مع كل من شركة الواتسآب WhatsApp والشركة الأم فيسبوك Facebook على أساس مخالفة الشركة الإسرائيلية قانون الاحتيال وإساءة استخدام الكمبيوتر الأمريكي سي أف آي آي Computer Fraud and Abuse Act (CFAA). [7] وقد وصلت مبيعات هذه الشركة لعدد من الدول العربية مثل الإمارات العربية المتحدة والمغرب والبحرين والسعودية، [8] كما تصاعدت قيمة مبيعاتها من 40 مليون دولار سنة 2013 إلى 125 مليون سنة 2018. [9]

المكانة الاقتصادية الإسرائيلية في تجارة السلاح العالمية:

يقسم الباحثون دول إنتاج ومبيعات السلاح إلى خمسة مستويات من حيث الكم والكيف، وتقع “إسرائيل” في المستوى الثالث من هذا القياس، وتشكل نسبة المبيعات الإسرائيلية من السلاح لسنة 2018 ما يساوي 3.1% من إجمالي مبيعات العالم، الأمر الذي يضعها في المرتبة الثامنة عالمياً طيلة الفترة 2014-2018. وبالمقارنة مع فترات سابقة يتبين أنها حققت زيادة عن نسبة مبيعاتها خلال الفترة 2009-2013 بمقدار 1%، أو ما يساوي زيادة في قيمة المردود المالي بنسبة 60% بين 2009 و2018، مما يضعها في المرتبة الأولى عالمياً من حيث نسبة الزيادة في المبيعات خلال الفترة ذاتها، متفوقة بذلك على الدول العشر الأولى عالمياً. ويلاحظ أن أهم المشترين للسلاح من “إسرائيل” هي ثلاث دول: الهند (46% من مبيعات “إسرائيل” العسكرية)، وأذربيجان (17%)، وفييتنام (8.5%)، أي أن الدول الثلاث تمثل ما مجموعه 71.5% من المبيعات الإسرائيلية. [10]

وإذا حسبنا نسبة مبيعات السلاح إلى إجمالي الناتج المحلي، يتبين أن “إسرائيل” تحتل المرتبة الأولى عالمياً، فقد بلغت هذه النسبة في “إسرائيل” 1%، بينما ألمانيا 0.88%، وروسيا 0.49%، والولايات المتحدة 0.17%، وفرنسا 0.17%، وبريطانيا 0.16%. [11]

ولو نظرنا في جدول رقم 1، سنجد أنه خلال السنوات التسع من بداية سنة 2010 إلى نهاية 2018، شكلت مبيعات السلاح الإسرائيلي التي تم تنفيذها ما قيمته 18.21% من حجم إجمالي العجز التجاري الإسرائيلي، وهو ما يعني أن العجز التجاري كان يمكن أن يرتفع بمعدل 18.21% لولا إسهام مبيعات السلاح، وهو ما يدل على أهمية اقتصادية واضحة، إذ بلغ إجمالي مبيعاتها (بما في ذلك طلبات الشراء) خلال السنتين 2017 و2018، ما مجموعه 16.4 مليار دولار، [12] وهو ما وضعها في المرتبة الثامنة عالمياً، كما ارتفع نصيبها من المبيعات العالمية من 2.1% خلال الفترة من 2009-2013 إلى 3.1% خلال الفترة من 2014-2018، [13] وعند المقارنة بين مبيعاتها خلال الفترة 2010-2014 مع مبيعاتها في الفترة 2015-2019 يتبين زيادة قدرها 77%.

جدول رقم 1: العلاقة بين حجم العجز التجاري الإسرائيلي ومبيعاتها المحققة (دون الطلبات) من السلاح [14]

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يُفرج عن النائب أحمد عطون

الاحتلال يُفرج عن النائب أحمد عطون

القدس- المركز الفلسطيني أفرجت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الأربعاء، عن عضو المجلس التشريعي الفلسطيني أحمد عطون، وجددت إبعاده عن مدينة القدس...