الثلاثاء 21/مايو/2024

قانون التقاعد المعدل… حماية الوزراء على حساب الفقراء!

قانون التقاعد المعدل… حماية الوزراء على حساب الفقراء!

أثار قراران صدرا بقانون معدل لقانون التقاعد العام رقم 12 لسنة 2020 ونشرا بتاريخ 20/4/2020 في صحيفة الوقائع العدد 166 غضبا عارما بين المواطنين، حيث جاءا ليرفعا امتيازات الوزراء ومن هم بدرجة وزير ويعفيهم من رسوم التقاعد في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن التضامن والتقشف وعجز الموازنة بسبب جائحة كورونا ويعيش المواطن حالة من التدهور الاقتصادي.

سرقة علنية
يقول الناشط يوسف عبيد لمراسلنا: “إنه في الوقت الذي يتم فيه خصم بدل يومي عمل لصندوق “وقفة عز” لمصلحة الفئات الهشة بسبب جائحة كورونا يصدر قراران بقانون يعفيان من هم بدرجة وزير سابقين وحاليين من اقتطاعات ورسوم التقاعد وبأثر رجعي، ما يعني أن كل وزير سيزيد دخله بالمتوسط 3000 شيقل، وسيسترد كل الاقتطاعات السابقة”.

ويؤكد الباحث في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان إسلام التميمي لمراسلنا أن الهيئة وانطلاقاً من الدور المسند إليها  في القانون الأساسي المعدل، وفي المرسوم الرئاسي رقم (59) لسنة 1994 في حماية وتعزيز منظومة حقوق الإنسان في فلسطين، فإنها ترى أن هذين القرارين بقانون، بما يتضمنانه من منح امتيازات مالية (وغير مالية) إضافية لفئة من كبار موظفي الدولة، تحديدا من هم بدرجة وزير من رؤساء الهيئات والمؤسسات العامة ومن في حكمهم، من شأنها تحميل الموازنة مزيدا من الأعباء، والمساس بالوضع المالي لهيئة التقاعد الفلسطينية، في الوقت الذي تعاني فيه الموازنة العامة أزمة مالية خانقة وعجزاً خطيراً نتيجة لإجراءات القرصنة الإسرائيلية وأيضا نتيجة للآثار الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا”.

وتساءل المعلم الحكومي خالد المحاريق لمراسلنا عن الازدواجية في التعامل بين فئات الموظفين، حيث إن معلما يخدم ثلاثين عاما، وبالكاد يحصل على 52% من راتبه يكون محروما من الدرجات خلال الخدمة في حين “بجرّة قلم” تعطى الامتيازات لكبار الموظفين بما يستزف عشرات الملايين.

أطاح بفكرة التضامن
ويؤكد الإعلامي الحقوقي ماجد العاروري أن “تعديل قانون التقاعد فيما يتعلق بتقاعد من هم بدرجة وزير أطاح بكل ما ورد بخطاب رئيس الوزراء، وأطاح بفكرة التضامن المجتمعي، وأطاح بصندوق التقاعد الموجود لحماية المسنين بعد أن فشل فايروس كورونا بالإطاحة بهم، وأطاح بفكرة إصدار قرارات بقانون، وأطاح بمصداقية السلطة الفلسطينية بصورة تامة، ولا يمكن إصلاح هذه الخطيئة إلا بإلغاء القرار بقانون فوراً والإعلان عن إجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية، فمجمل ما سيتم الاستيلاء عليه لمصلحة فئة محددة بالحكم قد يعادل كل ما جمعته الصناديق للعاطلين عن العمل، أي أننا أمام فضيحة من العيار الثقيل لكنها للأسف مقوننة في هذه المرة”.

وأضاف أن تقديرات أولية غير رسمية تشير إلى أن المبالغ التي ستسترد من اقتطاعات من هم بدرجة وزير في حال تنفيذ ما ورد في تعديلات قانون التقاعد ومعاشات الوزراء والنواب تقدر بحوالي 25 مليون شيكل (التأكيد يتم فقط من وزارة المالية حول الأثر المالي للقرار)، أي ما يعادل ثلثي ما جمع في صندوق “وقفة عز”.

وقال: “فعليه من الضروري أن يخرج لنا رئيس هيئة التقاعد وأن يقدم لنا كل المعلومات اللازمة حول الأثر المترتب على صندوق التقاعد في حال تطبيق القرار، ومن هم الأشخاص الذين سيستفيدون من تمديد سن التقاعد في القرار بقانون، وما هي تواريخ تقاعدهم؟ أعتقد أن ما جرى كافٍ لإعادة فتح ملف من هم بدرجة “وزير” وكيف تمكنت فئات واسعة من العيش برغد على حساب دافع الضرائب الفلسطيني”.

وأشار المواطن علي داود إلى أن الحكومة تعالج الأزمة بتخبط، ومثل هذه القوانين لن يتقبلها الناس وتجعل من قدرتهم على تحمل إجراءات الطوارئ ضعيفة، فالناس لن تتقبل أنه بجرة قلم يتلقى مئات الأشخاص مزايا ودرجات دون وجه حق.

الفساد المحض
الخبير الاقتصادي أسامة نوفل، قال: إنّ ما تقوم به السلطة من إقرار قوانين تعمل على زيادة كبار موظفي الدولة، هو فساد محض، في إطار حديثها عن حالة تقشف في النواحي التنموية في قطاعات العمل المختلفة.

وأشار نوفل في حديثه لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أنّ تقارير الهيئات المستقلة والحقوقية لعام 2019 كشفت عن أزمة كبيرة تتمثل في تضخم رواتب كبار الموظفين في السلطة بالرغم من أن أعدادهم قليلة، في سياق أزمة مالية خانقة تمر بها السلطة دون الالتفات إلى القطاعات الأخرى.

وأوضح الخبير الاقتصادي أنّ تلك المؤسسات طالبت السلطة الفلسطينية بإعادة النظر في قانون هذه الرواتب، “إلا أنّها ضربت بهذه التقارير عرض الحائط، وواصلت إقرار القوانين التي ترفع من هذه الرواتب بعيداً عن أي شعور بالمسؤولية تجاه الأزمة الخانقة التي تمر بها مؤسسات السلطة”، وفق قوله.

ونبه نوفل إلى خطورة هذه القرارات الجديدة التي تتسبب في إهدار المال العام وأموال صندوق التقاعد، مبيناً أنّ التعديل الذي طرأ ينص على إعفاء فئة كبار الموظفين “من هم بدرجة وزير ومن في حكمهم” من أقساطهم التقاعدية، وإعادة الاشتراكات المالية لهم، والمقدرة بملايين الشواقل، وهذا يعني بالضرورة تفريغ صندوق التقاعد من الأموال، وهذا يعود بالضرر على صغار الموظفين.

وعبّر الخبير الاقتصادي عن أسفه من إهمال السلطة لأعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني الذي تم حلّه بقرار من رئيس السلطة، والإبقاء على تجميد رواتبهم ومستحقاتهم المالية.

وأعلن رئيس السلطة في 22 ديسمبر 2018، حلّ المجلس التشريعي الفلسطيني وإحالة نوابه للتقاعد، ذلك الإجراء الذي تبعه قطع رواتب نواب حركة حماس في الضفة الغربية، حيث كان قد سبقه قطع رواتب نوابها في غزة منذ الانقسام.

حالة تناقض
النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي حسن خريشة، أكّد أنّ القانون الأساسي الفلسطيني يمنح لرئيس السلطة الصلاحية بإصدار المراسيم والقوانين فقط في الحالات الطارئة والعاجلة والضرورية، مبيناً أنّ “قانون رفع رواتب الوزراء ومن في حكمهم ليس قانوناً طارئاً ولا ضرورياً، في ظل أزمة مالية خانقة تتحدث عنها السلطة”.

وأوضح خريشة لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أنّ إقرار الرئيس لهذا القانون يكشف عن حالة تناقض كبيرة بين واقع السلطة وتصريحاتها بوجود أزمة مالية خانقة، وأضاف: “الأصل أن تصرف هذه الأموال وتجيّر لمصلحة الأسر الفقيرة في ظل أزمة كورونا وحالة الطوارئ القائمة في البلاد”.

وطالب النائب الفلسطيني، رئيس السلطة بالالتزام بالقانون الأساسي وعدم تمكين فئة من التفرد بالمال العام، لافتاً أنّ مثل هذا القرار سيوسع من فجوة الثقة القائمة بين السلطة والمواطن.

واستنكر خريشة، سماح القانون بتمديد عمر التقاعد للوزراء وكبار الموظفين في السلطة حتى 65 عاماً بدلاً من 60 عاما، متسائلاً باستهجان: “كيف هذا، نستغني عن الطبيب والمعلم وغيره من الكوادر العاملة والفاعلة، ولا نستغني عن الوزير؟!”.

تساؤلات مشروعة
الكاتب محمد هريني طرح عدة تساؤلات: “ما هي العبرة من تمديد عمل موظف لخمس سنوات بعد تجاوزه السن القانونية؟ وإعادة كافة اشتراكات التقاعد ومنحه راتباً تقاعدياً من الخزينة العامة على حساب دافعي الضرائب؟”.

ومضى يتساءل: “هل هذا مؤشر على أي إجراءات تنوي السلطة اتخاذها يؤثر على بقائها أو وجودها، رؤساء المؤسسات والهيئات يستردون الملايين مما دفع لصندوق التقاعد مع احتفاظهم بتقاعد كامل كوزير من المال العام؟!”.

وأضاف: إنّ “أسوأ ما في هذا القرار بقانون أنه جاء في ظروف حالة الطوارئ، والحكومة تعاني من أزمة ماليه خانقة وفق ما أفصحت عنه، وفي ظل عدم مقدرة الحكومة على دفع رواتب موظفيها، وتصرف جزءا من الراتب وتزيد رواتب من يحمل درجة وزير، في الوقت الذي يتم الحديث عن خصم غير مسترد من رواتب الموظفين.

واختتم قوله: “في بلادي فقط الفقراء محكومون بالسياسة وبالقانون وبالوباء، وفقط هم الأغنياء الذين يتفردون بالتشريع والتعديل!”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات