عاجل

الجمعة 03/مايو/2024

فلسطين: تداعيات الكورونا في ظل الاحتلال الإسرائيلي

فلسطين: تداعيات الكورونا في ظل الاحتلال الإسرائيلي

ملخص:

يضع الانتشار العالمي لوباء كورونا (كوفيد 19) الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال الإسرائيلي أمام تحديات ومخاطر كبيرة. فبلدان العالم جندت كافة إمكاناتها الصحية والاقتصادية والتعبوية، ووضعت كل منها ميزانيات هائلة في مواجهة الوباء. أما السلطة الفلسطينية فهي تعاني من ضعف مروعٍ في الإمكانات، ومن تحكّم الاحتلال بالمنافذ البرية والبحرية والجوية، وبالصادرات والواردات، كما يعاني قطاع غزة من حصار خانق يمنع عنه أبسط احتياجاته وحقوقه الإنسانية. وبالرغم من تفشي الوباء ومخاطره على الشعب الفلسطيني، فإن الاعتبارات الأمنية تظل هي الحاكمة والحاسمة لدى الاحتلال الإسرائيلي، وليس الاعتبارات الإنسانية وغيرها.

لم يصل انتشار الوباء في الوسط الفلسطيني حتى هذه اللحظة إلى حالة حرجة، وما زال الفلسطينيون يتدبرون أمورهم ضمن إمكاناتهم المتاحة؛ غير أن احتمالات تفشي الوباء تبقى قائمة؛ وبمعدلات خطيرة متسارعة (لا قدر الله) خصوصاً في المناطق المكتظة في قطاع غزة. وهو ما يستدعي مزيداً من الدعم للشعب الفلسطيني، ومزيداً من الضغوط على الاحتلال الإسرائيلي.

مقدمة:

إذا كانت دول العالم المستقلة وذات السيادة على أراضيها تخوض معركة صحية وسياسية واقتصادية واجتماعية شرسة ومرهقة لمواجهة مخاطر تفشي وباء الكورونا، فإن المجتمع الفلسطيني يصارع تفشي الكورونا ضمن قيود الاحتلال الإسرائيلي، حيث يعلو الاعتبار الأمني الإسرائيلي بكافة أشكاله على الاعتبار الإنساني في التعامل مع مواجهة الفلسطينيين للوباء.

أولاً: الواقع القائم في فلسطين:

أ. الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة:

طبقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية المعتمدة على بيانات مكتبها في الأراضي المحتلة، فإن آخر المعطيات عن مدى تفشي وباء الكورونا هي على النحو التالي:

جدول 1: تفشي وباء الكورونا في الأراضي الفلسطينية المحتلة 1967 خلال الفترة 2020/3/5 و 2020/4/3 [1]

ويدل الجدول على الظواهر التالية:

1. على الرغم من أن عدد سكان الضفة الغربية الخاضعة للاحتلال يعادل حوالي 1.5 ضعف عدد سكان قطاع غزة، إلا أن عدد الإصابات في مناطق الاحتلال في الضفة الغربية تعادل أكثر من 13 ضعفاً لعدد الحالات في غزة، على الرغم من أن الكثافة السكانية في القطاع أعلى منها في الضفة الغربية بحوالي عشرة أضعاف، كما أن الهرم السكاني في الجانبين ليس متبايناً بشكل له دلالة إحصائية، وهو ما يعني أن المتغير الفارق بين المنطقتين هو متغير الاحتلال، كما سنبين ذلك كمياً.

2. عند المقارنة بين البنية التحتية للقطاع الصحي في الضفة الغربية حيث الاحتلال المباشر، نجد أن عدد الأسرَّة المزودة بجهاز التنفس الصناعي في القطاع الحكومي (السلطة الفلسطينية) يشكل 27.23% من إجمالي الأسرَّة، بينما نجد النسبة في قطاع غزة 72.41%، على الرغم من أن الظروف الاقتصادية للحكومة الفلسطينية أفضل منها في غزة.

3. يلاحظ أن المناطق الفلسطينية بشكل عام التي فيها حالات أكبر هي المناطق التي فيها احتكاك أكثر بالمجتمع الإسرائيلي والمستوطنين، ففي قطاع غزة حيث الاحتكاك قليل للغاية وصل مجموع الحالات إلى 12 فقط وهو ما يعادل 7% من مجموع الحالات، بينما 93% في الضفة الغربية. وهو أمر لا يتسق مع فارق العدد الكلي بين السكان في المنطقتين، كذلك فإن أكبر تجمع استيطاني في الضفة هو في القدس الشرقية، وفيها أكثر من خمسة أضعاف عدد الحالات في قطاع غزة، وهو ما يعزز العلاقة بين زيادة الإصابات وبين القرب من التجمعات الإسرائيلية.

ب. الوضع داخل الخط الأخضر (1948) “إسرائيل”:
يمكن توضيح انتشار الكورونا في المجتمع الإسرائيلي من خلال الجدول التالي:

جدول 2: مؤشرات تفشي الكورونا في “إسرائيل” حتى 2020/4/6 [2]

بمراجعة إيقاع انتشار الوباء في المجتمع الإسرائيلي، يتضح أن التصاعد الواضح في الأعداد بدأ بعد منتصف آذار/ مارس من العام الحالي، ويلاحظ من تحليل البيانات المتوفرة ما يلي:

• معدل الوفيات يتقارب مع معدلات الوفيات الأوروبية.
• أن هناك علاقة بين ارتفاع معدلات الإصابة وبين التجمعات السكانية للمتدينين خصوصاً “الحرديم”. [3]

ج. دور الاحتلال في ارتفاع نسب الإصابات في الضفة الغربية مقارنة بقطاع غزة:

لا بدّ من رصد السياسات الإسرائيلية في التعاطي مع ظاهرة الكورونا في الضفة الغربية، خصوصاً أن الضفة مقسمة إلى ثلاث مناطق (أ، وب، وج) وتخضع المنطقة ج، التي تشكل أكثر من 60%، لسلطات الاحتلال إدارياً وعسكرياً، بينما تتقاسم السلطة الفلسطينية الصلاحيات مع الاحتلال في المنطقة ب، وتنفرد بالسلطة في المنطقة أ، وهو ما يعني أن الحركة والتنقل والتجمعات مرتبط في كل المناطق بالطرف الإسرائيلي، وهو ما يظهر في المؤشرات التالية التي رصدها مكتب منظمة الصحة العالمية: [4]

1. القيود الإسرائيلية على الحركة لكل من المرضى والطواقم الطبية:

‌أ. عسر الوصول للمرافق الصحية الفلسطينية بسبب الإجراءات الإسرائيلية:

يشير تقرير منظمة الصحة العالمية لسنة 2018 إلى أن معدل العمر في أراضي 1967 هو 73.9 سنة مقابل 82.5 في “إسرائيل”، كما أن نسبة وفيات الرضع في الضفة والقطاع ستة أضعاف النسبة في “إسرائيل”  (20.9 مقابل 3.6 لكل ألف مولود)، أما معدل وفيات الأمهات بعد الولادة أو في أثناء الحمل فهو 9 أضعاف (27 في الألف في الضفة وغزة مقابل 3 في “إسرائيل”). وتعلل منظمة الصحة السبب الرئيسي في هذه الفوارق الكبيرة “بصعوبة توفر الخدمات الطبية أو صعوبة الوصول لها”.

ولتوضيح ذلك، نشير إلى أن 9.4% من سكان الضفة هم خلف جدار الفصل العنصري الذي أقامته “إسرائيل”، وهو ما يعيق وصول المرافق الصحية الفلسطينية لهؤلاء السكان، فإذا أضفنا لذلك أن أكثر من 60% من الضفة الغربية تخضع للسلطة المدنية والعسكرية الإسرائيلية، فإن صورة التنقل للطواقم الصحية الفلسطينية تزداد قتامة، كما أن هناك حوالي 300 ألف فلسطيني في القدس الشرقية تعدُّهم “إسرائيل” مجرد “مقيم دائم”، وهو ما يعرضه للتمييز ضده في أولويات الرعاية الصحية من قبل المرافق الإسرائيلية.

‌ب. مشكلة الحصول على تصاريح الانتقال للعلاج:

هناك أكثر من 100 شكل من أشكال التصاريح الإسرائيلية للحصول على إذن بالانتقال للعلاج، تشمل القيود على حركة المريض أو المرافقين له أو الكوادر الطبية، وتواجه وزارة الصحة الفلسطينية حواجز كبيرة أمام ضمان وصول الرعاية الصحية في الوقت المناسب، فلو أخذنا المنطقة ج التي تسيطر عليها “إسرائيل” فإن 35% (114 ألف نسمة) من سكان المنطقة يعتمدون على العيادات الصحية المتنقلة. ومع نهاية سنة 2018، كان هناك 15 عيادة صحية متنقلة تعمل في المنطقة ج، علماً أن إجمالي سكان المنطقة يصل إلى حوالي 300 ألف، أي أن كل عيادة متنقلة واحدة تخدم 20 ألف مواطن فلسطيني، مع الأخذ في الاعتبار أن حركة العيادة المتنقلة ليست متاحة دائماً، طبقاً للإجراءات الأمنية الإسرائيلية.

وفي قطاع غزة، يواجه الفلسطينيون قيوداً شديدة في الدخول والخروج منذ بدء الحصار براً وبحراً وجواً في سنة 2007، فالخروج للأفراد من غزة يمر عبر معبرين هما معبر بيت حانون/ إيريز شمالاً، ومع

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات