الثلاثاء 15/أكتوبر/2024

علّمني الإمام الشهيد أحمد ياسين (1936-2004)

مبروك الهاني

تمرّ الذكرى السادسة عشرة لاستشهاد الإمام الشيخ أحمد ياسين، الذي اغتالته يدُ الغدر الصهيونية، وهو عائدٌ من صلاة الفجر، على كرسيّه المتحرّك، يوم الإثنين 22 آذار/ مارس 2004م، ليرتقي إلى الله شهيداً، وينال شرف أسمى الأماني التي عاش لأجلها، فكانت حياته وجهاده معالم للبطولة والصمود والتضحية يهتدي بها طلاّب الحريّة والمجد، وركناً شديداً يأوي إليه أربابُ السياسة في كلّ زمان ومكان، ومنارة يستظل في رحابها أهلُ الدعوة والفكر والتربية، فكان بحقّ مجدّد الدعوة في فلسطين وملهم الأجيال في عالمنا العربي والإسلامي.

ففي الذكرى السنوية السادسة عشرة لاستشهاده، نقف أمام محطّات فاصلة وعناوين مهمّة في مسيرته وحياته، نستلهم منها القيم والمبادئ الكبرى التي أسّس بها دعوته وحركته المباركة، ونأخذ جملة من أقواله وأفعاله، نستخلص منها دروس الإخلاص والتفاني والتجرّد، التي بنيت عليها مسيرته الربانية المستمرة، والتي تحملها اليوم الأجيالُ من أبناء الأمَّة في فلسطين والأمّة، في كل الميادين والمجالات، فهو إنْ مضى شهيداً، فإنَّ مبادئه وأفكاره وأقواله وجهاده وتضحياته، تبقى حيّة تنبض بالمقاومة والعمل لفلسطين حتى تحقيق تحرير الأرض والمقدسات والعودة إليها.

1.في محطات الحصار والاعتقال والمحن: تحضر معاني الصبر والصمود عند الإمام الشهيد، وتبرز شيم الرّجال في إظهار العزيمة والبطولة والإرادة، ليدّلنا عن السرّ في ذلك: “السر يكمن في الإرادة، وإيمان الإنسان بالمبدأ الذي يسير عليه؛ فالدنيوي يقول: لو أن الدنيا ذهبت مني فقد خسرت كلَّ شيء، لكن الإنسان المؤمن الذي يؤمن بأنه ذاهب إلى جنة عرضها السماوات والأرض يريد أن ينتقل من دنيا فانية إلى الراحة والطمأنينة والاستقرار عند رب العالمين؛ فهو ينتظر هذا اليوم، ويستبسل ويقاتل من أجل الفوز في هذا اليوم، ويثبت في الميدان حتى آخر رمق في حياته”.

ويتحدّث عن شعبه البطل الذي يرابط على أرضه ويقاوم عدوّه، فيقول: “لم يوجد شعب محتل في العالم كانت قدرته بقدرة الجيوش المحتلة، لكن الشعوب لأنها صاحبة حق فبإمكانياتها البسيطة تستنزف العدو وتجعله يركع لمطالبها ولا يستطيع أن يدير حرباً طويلة الأمد وبالتالي سيتنازل”.

وهو المؤمن بقوّة الله المستمدة من الحقّ في الدفاع عن الأرض والمقدسات: “نحن في مركز قوة وليس في مركز ضعف”. ولا يهابُ تهديد قادة الكيان بالحصار أو الاغتيال إذ يقول: “إن التهديدات الإسرائيلية بتصفية قياديي حماس “تعبير عن حالة الفشل والإفلاس التي تعيشها” إسرائيل، فالإسرائيليون ليسوا بحاجة إلى مبرّر لارتكاب المجازر ولا يحتاجون إلى مبررات للاستمرار في القتل والتدمير فالعدو الإسرائيلي لا يعيش إلا على القتل والدماء”.

ويرى الإمام الشهيد أنَّ المؤمنين في وقت الأزمات والمحن “يستمدون زادهم من ربهم أولاً، ومن دينهم ثانياً، ومن دعم أهلهم وإخوانهم ثالثًا وينتظرون النصر”، وهو المؤمن بقدرات شعبه ومكامن قوّته وقدرته على قهر الاحتلال وردّ العدوان وتحقيق الانتصار بإذن الله؛ “لقد أثبت شعبنا على مدار التاريخ أنه الأقوى شكيمة والأصلب إرادة بين شعوب العالم قاطبة”.

2.في محطات الإعداد والتخطيط ومجابهة وردّ العدوان: كان رحمه الله صاحب رؤية واضحة وهدف محدّد: “أمَّا نحنُ فقضيتنا قضية تحرير، قضية شعب وقضية وطن”. ويقف على قاعدة صلبة: “لا يمكن بأيّ شكل من الأشكال أن نعترف بإسرائيل وهي تغتصب أرضنا وحقوقنا ووطننا وتاريخنا”.

 وتبرز جليّاً القيمُ والمثل العليا التي تشكّل القاعدة الصلبة والانطلاقة الواعية لحركته، يقول: “إنَّنا طلاب شهادة لسنا نحرص على هذه الحياة، هذه الحياة تافهة رخيصة، نحن نسعى إلى الحياة الأبدية”. ويرى أنَّ طريق المقاومة “تزيد المؤمنين صلابة، كالنار عندما يوضع عليها الذهب تزيده لمعانًا”.

ويؤكّد الشهيد أحمد ياسين أنَّ حياته كلّها للعمل والتأثير في الناس وخدمتهم لا للتنظير، فيقول: “أنا كرَّست حياتي للعمل وليس للكتابة، فإن تعلَّمت آية أو حديث قمت وعلَّمته للناس”.
وكان يفصح ببيانه المعهود وبراعة تعبيره: “نحن لا نريد فقط أن يوقف الاحتلال عدوانه على شعبنا: نعم نحن نريد ذلك، لكننا نريد أيضا أن يزول الاحتلال تماما عن أرضنا وأن تزال المستوطنات وأن يطلق سراح الأسرى”. 

 لقد آمن الإمام الشهيد أنَّه، “في ظل عدم توازن القوى لا يمكن للعمل السياسي أن يسير، عندما تختل موازين الصراع لا بد من وجود العمل العسكري الذي يضرّ بمصالح العدو ويجعله يركع”. وهو الذي يشدّد على أنَّ “المسار السياسي وحده لا يمكن أن يكون حلاًّ كافياً في ظل عدم توافق القوى بين الشعب الفلسطيني والصهيوني الذي تدعمه أمريكا، لذا يتوجب وجود قوة فلسطينية مرافقة قوية ترغم العدو على التنازل”.

وهو إلى ذلك يؤمن أنَّ: “المقاومة قامت من أجل أن تعطي وتقدّم لا أن تأخذ”، ويؤكّد في مسيرته قولاً وفعلاً أنَّ هناك فرقاً: “بين مَن يعملون من أجل الدنيا ومَن يعملون من أجل المبادئ والإيمان، فعندما يتوقف تدفق الأموال والهبات عن مَن يعملون من أجلها فإنهم يتوقفون عن العمل من أجل ما يدعون زوراً؛ إنَّهم يعملون من أجله أمَّا هؤلاء الذين تحركهم قلوبهم ومعتقداتهم فهؤلاء هم الذين سيواصلون العمل والاجتهاد”.

3.في محطّات العمل السياسي وإدارة العلاقات: يضع الإمام أحمد ياسين استراتيجية للعمل السياسي في فلسطين من ثلاثة مسارات ضمن طريق واحد وهو الجهاد ضد الاحتلال، فيقول: وأنه لابدَّ من طريق واحد للتغلب على هذا الاحتلال هو الجهاد والمقاومة لذلك فإنَّ استراتيجيتنا لمواجهة الاحتلال الصهيوني على أرضنا ووطننا تتمثل في ثلاث نقاط: الأولى: مواصلة الكفاح المسلح والمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني مع زيادتها كماً ونوعاً. 

الثانية: تثبيت ودعم صمود الشعب الفلسطيني في داخل الأرض المحتلة، وذلك لا يكون إلا بدعم وتأييد من الأمة العربية والإسلامية. 

الثالثة: التواصل مع الدول العربية والإسلامية والعالمية لشرح قضيتنا والحصول على دعمه ودعم موقفنا في المقاومة والجهاد ضد الاحتلال. 

وكان يردّد مقولة الإمام الشهيد حسن البنا: “سنقاتل الناس بالحب”، وهو داخل المعتقل الصهيوني كان حريصاً على الوحدة مع الفصائل الفلسطينية، وكان ينشد أبياتاً:

ولا عزّ لها دون اتفاق ***هي الأوطان نحميها بسيف
ولا صفّ يوجد بالشقاق***توحد صفنا أبداً بعزم

وكقائد فذّ كان يؤكّد دوماً على ضرورة المصالحة الوطنية، فهو يخاطب الشعب الفلسطيني بقوله: “تأكدوا يا أبناء شعبنا أننا نسير لتحقيق المصلحة الوطنية لكم، فإذا كانت المصلحة في إعطاء هدنة فسنعطي هدنة: وإذا كانت المصلحة في الاستمرار في طريق المقاومة فسنكمل مشوارنا”.

ويرى الإمام الشهيد أنَّ البوصلة هي فلسطين، وعلى الأمَّة أن تهتدي إلى ذلك، “إنَّ من مظاهر وعلامات السَّلامة أن تشعر الأمَّة بقلق إزاء قضية فلسطين، قضية الأمَّة”. وينصح جماهير الأمَّة قادة وشعوباً بقوله: “فلا بدَّ للأمَّة أن تستيقظ وتؤدي دورها في دعم المقاومة والجهاد حتّى النصر والتحرير، بإذن الله تعالى”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات