عاجل

الجمعة 03/مايو/2024

إسرائيل تتجه لزيادة قوتها الناعمة في الصين

إسرائيل تتجه لزيادة قوتها الناعمة في الصين

انتعشت العلاقات الاقتصادية بين الصين و”إسرائيل” بوضوح خلال السنوات الأخيرة، وإضافة إلى الروابط التجارية، يعمل اللوبي الإسرائيلي أيضاً لزيادة التفاعل السياسي والثقافي بين البلدين.

وبدأ التأثير الاجتماعي والثقافي المتزايد لـ”إسرائيل” في الصين مع تطور العلاقات التجارية، فمع دخول مؤسسات ذات أصول إسرائيلية الصين، قطعت تل أبيب الخطوة الأولى نحو علاقة سياسية أكثر حميمة مع بكين.

وباتت “إسرائيل” تمتلك قدرة على إظهار نفسها كعامل جذب للصين، وذلك بالاستفادة من الصفات التي تجعلها “أمة ناشئة” في العديد من المجالات.

وتمتع “إسرائيل” بمكانة عالية في السوق الصينية بفضل التكنولوجيا العالية والخدمات ذات القيمة المضافة.

اليهود في الصين

يمكن بدء تتبع تاريخ الديانة اليهودية في الصين، مع استقرار أتباعها فيها في القرن الثامن، ورغم أنهم كانوا مجموعة منغلقة في بداية هجرتهم، إلا أنه جرى استيعابهم في المجتمع الصيني، خصوصًا أن أعدادهم أقل بكثير بالمقارنة مع العديد من المجموعات العرقية والدينية الأخرى في البلاد.

وأصبح اليهود أكثر ظهورًا في الحياة الاجتماعية اليومية في الصين بفضل تجارهم الذين جاؤوا إلى موانئ (هونغ كونغ، وشنغهاي، وخاربين) عبر خط السكك الحديدية المار بـ”سيبيريا” بدءًا من منتصف القرن التاسع عشر.

وازداد عدد اليهود في الصين مع بداية القرن العشرين، عندما كانت الصين ملاذاً آمناً لهم، فنزح إليها العديد من اليهود الفارّين من المذابح الروسية والثورة البلشفية.

وخلال تلك الفترة، كان الدكتور صن يات – سين، الزعيم المؤسس لجمهورية الصين، يتعاطف مع الصهيونية السياسية، بسبب علاقاته الوثيقة مع المبشرين البروتستانت الأمريكيين في تلك الفترة وتأثير الصهيونية المسيحية.

من ناحية أخرى، يمكن تفسير هذه العلاقة على أنها محاولة من “صن يات سين” للبحث عن تحالف سياسي، لكسر الضغط الاستعماري في الصين وسعيا إلى الاستقلال الكامل.

وكانت كلماته عن الصهيونية السياسية مرجعا مهمًّا للنهج الصيني تجاه القومية اليهودية في الربع الأول من القرن العشرين.

وقال حينئذ: إنه “رغم اختفاء وطنهم، كان الشعب اليهودي موجوداً حتى اليوم، لذا فإن الصهيونية واحدة من أهم الحركات الاجتماعية في الوقت الحاضر، ورغم أنه ليس بإمكان كل محبي الديمقراطية تقديم المساعدة لها، إلا أن عليهم أن يتعاطفوا بصدق معها”.

وزاد عدد اليهود في الصين زيادة متقطعة منذ بداية وحتى منتصف القرن العشرين، فبعد الحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال، استقر 18 ألف يهودي أوروبي في الصين، مستفيدين من رفع شنغهاي كل القيود على الهجرة.

كما وصل عدد اليهود الذي هاجروا إلى الصين خلال الفترة من 1845 إلى عام 1950 حوالي 40 ألف، غير أن هذا الوضع الذي يتزايد فيه عدد السكان اليهود أصبح معكوسًا بعد الخمسينيات.

فقد أدت نهاية الحرب العالمية الثانية، وتأسيس “دولة إسرائيل” عام 1948 وجمهورية الصين الشعبية 1949 إلى هجرة يهودية عكسية من الصين إلى “إسرائيل”، والتي استمرت في النمو تدريجيا.

وبالتزامن مع مسار العلاقات الدبلوماسية بين “إسرائيل” والصين، ساعدت الجالية اليهودية الصينية فى تطوير العلاقات الشاملة بين البلدين.

ويتركز السكان اليهود بشكل رئيس في بكين وشنغهاي، وزاد اعتراف الصين الدبلوماسي بـ”إسرائيل” عام 1992 مرة أخرى من نفوذ الشتات اليهودي.

وعلى الرغم من أن عدد اليهود الذين يعيشون في الصين اليوم لا يزيد عن 2500، إلا أن لهم تأثيرا مباشرا على العلاقات الإسرائيلية الصينية.

التأثير الثقافي الإسرائيلي

من الصعب القول إن أنشطة المناصرة التي تقوم بها “إسرائيل” في الصين ومجال الدبلوماسية الثقافية والأكاديمية ليست سوى نشاط دعائي من جانب واحد، وتتحمس الصين لتحسين علاقاتها مع “إسرائيل” بدافع مصالحها الوطنية.

وتنظر الصين نظرة إيجابية لأنشطة المناصرة الدعائية لـ”إسرائيل”، في مقابل رغبة الأخيرة في أن تستخدم الصين تكنولوجياتها اقتصاديا وعسكريا، فضلا عن أن “إسرائيل” أصبحت نجما ساطعا في سياسة الصين في الشرق الأوسط.

ونوعت الصين، التي أقامت علاقات جيدة مع الدول العربية وإيران لسنوات عديدة، سياساتها في الشرق الأوسط من خلال جعل “إسرائيل” محطة مهمّة لمشروع طريق الحرير البحري.

وأدى هذا المستوى العالي من العلاقات المشتركة إلى إقامة شراكات ثقافية وأكاديمية، فزادت “إسرائيل” من استثماراتها في الصين من خلال الاستفادة من هذا الجو المرحب.

وتحقق الأنشطة التعليمية والثقافية لـ”إسرائيل” العديد من المكاسب في الصين؛ فهي من ناحية، تزيد من فعالية “إسرائيل” في الصين، وتحشد من ناحية أخرى المبادرات الثقافية المستقلة لمواطنيها في الشتات.

وقد أثرت التطورات فى مجالات مثل برامج تبادل الطلاب، وبرامج التعليم الدراسي، والأنشطة السياحية إيجابيًّا على التعاون بين البلدين.

فبعد أن خطت “إسرائيل” العديد من الخطوات في مجال التعليم في الصين، شجعت على فتح العديد من البرامج الأكاديمية الجامعية لتقديم نفسها.

وافتتحت تل أبيب أقسام ومراكز للدراسات الإسرائيلية واليهودية والعبرية في مؤسسات أكاديمية مرموقة في الصين، مثل جامعة نانجينغ وجامعة هنان وجامعة شاندونغ.

وعلاوة على ذلك، هناك 100 زمالة دراسية في مرحلة ما بعد الدكتوراه سنويا تقدمها “إسرائيل” في مؤسساتها التعليمية و350 منحة دراسية للطلاب الصينيين والهنود.

ووفقا لإحصائيات عام 2017؛ كان هناك 1000 طالب صيني يدرسون في “إسرائيل” ضمن برنامج التبادل الطلابي.

من ناحية أخرى، توسّع المؤسسات التعليمية الإسرائيلية فروعها في الصين؛ فقد أنشأت جامعة تل أبيب عام 2014، مركزًا مبتكرًا للبحث والتعليم مع جامعة تسينغهوا.

وفي عام 2015، أصبحت جامعة تكنيون ـإحدى الجامعات الرائدة في مجال الهندسة في “إسرائيل” والعالم- المؤسسة الثانية على مستوى التعليم المستقل في الصين من خلال إنشائها معهد قوانغدونغ تكنيون الإسرائيلي للتكنولوجيا.

وفي عام 2016، افتتحت جامعة بن غوريون مركزًا مشتركًا لريادة الأعمال والابتكار مع جامعة جيلين، في حين بنت جامعة حيفا مختبرا مشتركا في مجالات البيئة والبيانات الضخمة والطب الحيوي والبيولوجيا العصبية في جامعة شرق الصين.

وبالإضافة إلى الأنشطة التعليمية، تزيد السياحة عاملًا آخر من الجاذبية الثقافية لـ”إسرائيل”.

وبلغ عدد السياح الصينيين إلى “إسرائيل” حوالي 123 ألفًا عام 2017، وهناك أيضا رحلات مباشرة من تل أبيب إلى بكين وشنغهاي وقوانغتشو وشنتزين وتشنغدو عبر شركات طيران مختلفة.

وإجمالا؛ فإن العلاقات الاقتصادية تؤدي إلى توطيد العلاقات الثقافية، حيث عمل السكان اليهود في الصين، الذين عاشوا فيها منذ عدة قرون، على إبراز الثقافة اليهودية.

ورغم أن الشراكة الاقتصادية والسياسية بين “إسرائيل” والصين أثارت ردود فعل واسعة من الولايات المتحدة، إلا أن البلدين يواصلان استثماراتهما وتعزيز علاقتهما.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات