الارتباط الاقتصادي بالاحتلال.. آلياته وخطورته
رغم إعلان السلطة المتكرر عن نيتها قطع العلاقات الاقتصادية مع الاحتلال والتحرر من تحكمه باقتصادنا، إلا أنها لم تفعل شيئًا يعتد به، والحقيقة أن الاحتلال تمكن منذ النكسة من إحكام قبضته الاقتصادية بحيث يستحيل الفكاك منها مرةً واحدة.
تعمد الاحتلال أن يربط تفاصيل حياتنا اليومية به حتى يستطيع التحكم بنا أكثر، ليس فقط ليعاقبنا كلما ارتفعت وتيرة مقاومته، بل أيضًا ليخلق ظروفًا معيشية تشجع على الهجرة، كما خلق اقتصادًا تابعًا يوفر له الأيدي العاملة الرخيصة وسوقًا للبضائع الصهيونية.
وفي المقابل شدد الإجراءات على المستثمر الفلسطيني بحيث ترتفع عليه تكلفة الإنتاج، بل ربما يمنع بشكل واضح بعض المشاريع بالحجج والذرائع الأمنية.
استطاع الاحتلال إعادة تشكيل الاقتصاد الفلسطيني بحيث يصبح أكثر اعتمادًا عليه وأقل استقلالًا، من خلال التشجيع على العمل في المستوطنات وداخل الخط الأخضر بوظائف متدنية مثل البناء والفنادق والنظافة، وربط شبكات المياه والكهرباء بالاحتلال، فعلى سبيل المثال كان توليد الكهرباء يتم من خلال البلديات في الضفة وغزة، فأجبرها الاحتلال في السبعينات بالقوة على إغلاق المولدات والربط مع “شركة الكهرباء القطرية الإسرائيلية”.
بلغت أهمية التحكم الاقتصادي درجة أن الاحتلال رفض مناقشة قضايا المياه والكهرباء في اتفاقية أوسلو، وعدها من قضايا الحل النهائي مثلها مثل المستوطنات والقدس، وأصر على أن تفرض السلطة ضرائب مماثلة لما يفرضه الاحتلال (ما يعرف بالاتحاد الجمركي).
وفي المقابل لا نجد الوعي المطلوب فلسطينيًّا تجاه خطر الارتباط الاقتصادي بالاحتلال، فتجد من يبرر العمل في المستوطنات والمشاريع التطبيعية الاقتصادية وشراء البضائع الإسرائيلية، فكيف سنقاوم الاحتلال إذا كان يتحكم بلقمة عيشنا؟
أدت الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى إلى خلق حواجز بين الشعب الفلسطيني والاحتلال، وتقلصت أعداد العاملين في الداخل المحتل والمستوطنات (بعد أن تجاوزت المائة ألف عام 1987م) وخصوصًا خلال انتفاضة الأقصى وما بعدها.
إلا أن الاحتلال حرص خلال السنوات القليلة الأخيرة على تشجيع العمل في الداخل المحتل لشرائح من المجتمع بشرط ابتعادها عن المقاومة والمقاومين، وتزايدت أعداد تصاريح العمل الممنوحة من حوالي ستين ألفًا لتصل اليوم إلى حوالي مائة ألف، فضلًا عن التوسع في منح التجار وأصحاب الأعمال تصاريح لدخول الكيان الصهيوني، وبناء مشاريع مشتركة في مناطق صناعية مختلفة بالضفة.
بكلام آخر بدلًا من السعي لزيادة الاستقلال عن الاحتلال أصبحنا أكثر ارتباطًا به وضيعنا مكاسب انتفاضة الأقصى التي وضعت حدودًا للعلاقات التجارية والاقتصادية مع الاحتلال، وأصبحنا نرى شركات تطبيعية تعمل لصالح الاحتلال داخل المدن الفلسطينية مثل الشركات التكنولوجية في روابي، ولا أحد يقرع ناقوس الخطر.
إذا كان القبول بمبدأ العمل في المستوطنات والداخل خطأ ارتكب قبل عقود يصعب إصلاحه اليوم، فلماذا نسمح للمزيد بالتورط في هذا المستنقع، علمًا بأن أعدادًا كبيرة من العمال يكون الفرق الحقيقي في راتبهم ضئيلًا إذا أخذنا بعين الاعتبار الرشاوى التي يدفعونها للحصول على تصريح وتكاليف المواصلات العالية، لكنهم لا يفكرون بالبديل لأن الناس يقولون لهم “هذا شيء عادي”.
المشكلة تكمن في انعدام وعي المجتمع والقبول بالأمر الواقع، فنجد من يدافع عن شراء المستوطن من بعض القرى الفلسطينية في الضفة، أو أن يكون لطبيب أو مهندس زبائن من المستوطنين، أو حتى العمل في بناء جدار الفصل العنصري.
يجب أن نعيد بناء الحاجز النفسي بين الفلسطيني والمستوطن، ونمنع المزيد من الانزلاق في مستنقع العلاقات الاقتصادية المشتركة مع الاحتلال، ويجب مقاطعة البضائع الصهيونية رغم أن مقاطعتها بشكل تام غير ممكن لكن نقاطع كل ما يوجد له بديل (سواء فلسطيني أو مستورد)، وبعدها نفكر بحلول عملية قادرة على التحرر من قبضة الاحتلال وبناء اقتصاد مقاوم.
هنالك حلول كثيرة للبدء بالتحرر من القبضة الاقتصادية الصهيونية مثل: تشجيع الزراعة والإنتاج المحلي، واستخدام الطاقة الشمسية، والتعامل فقط مع المنتجات الفلسطينية والمستوردة، وغيرها الكثير لكن الأهم أن نصل لقناعة أن هذه ضرورة قصوى وليست ترفًا.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
الرشق: إسرائيل غير جادة بالتوصل لاتفاق ونتنياهو يحاول اختلاق الذرائع
الدوحة - المركز الفلسطيني للإعلام أكد عضو المكتب السياسي لحركة حماس عزت الرشق أن “إسرائيل” غير جادة بالتوصل لاتفاق، وتستخدم المفاوضات غطاءً لاجتياح...
النونو: بالنسبة لحركة حماس احتمالية بقاء الاحتلال في غزة صفر
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أكد طاهر النونو المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أنّ الحركة مستعدة لبحث المقترح الذي قبلته وليس بحث...
أكثر من مائة موظف في الاتحاد الأوروبي يحتجون على جرائم الاحتلال بغزة
بروكسل – المركز الفلسطيني للإعلام نظم أكثر من 100 موظف في مؤسسات بالاتحاد الأوروبي في بروكسل احتجاجا، الأربعاء، على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة....
“شالوم من أولاد غزة”.. طلائع التحرير تعلن مسؤوليتها عن مقتل رجل أعمال إسرائيلي بمصر
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مجموعة أطلقت على نفسها “طلائع التحرير- مجموعة الشهيد محمد صلاح”، مسؤوليتها عن اغتيال رجل "إسرائيلي" في مدينة...
إحصائية جديدة لحصيلة الإبادة الجماعية والعدوان على غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام نشر المكتب الإعلامي الحكومي اليوم الأربعاء حصيلة جديدة لحرب الإبادة المتواصلة منذ 215 يومًا بآلة العدوان الصهيوني...
الصحة العالمية تحذر: الوقود بمستشفيات جنوب غزة يكفي لثلاث أيام فقط
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام حذر مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس ادهانوم غيبريسوس، من أن "كمية الوقود في مستشفيات جنوب قطاع غزة، لا تكفي إلا...
الاحتلال يستولي على المبنى التاريخي لبلدية الخليل ويغلق أبوابه
الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، أبواب المبنى القديم لبلدية الخليل، جنوب الضفة الغربية المحتلة، في...