الإثنين 27/مايو/2024

​لمى خاطر رسالة حرّة من عالم الحرائر..

وليد الهودلي

من هناك حيث تعيش نساء فلسطين في صياصي بني صهيون، من عتمة كهوف صدورهم السوداء، من عمق جبّ يوسف حيث ألقت العروبة بحرائرها، من حيث الغياب الحضاري والارتكاس بذل الهزيمة النكراء لأمة رضيت على نفسها أن تتقدم نساؤها وهم يتأخرون، من حيث يقطن شعاع من نور وسط غابات الظلام أرادت الأسيرات أن تحمل رسالتهن امرأة حرة اسمها لمى خاطر، فماذا عساها تكتب في هذه الرسالة، ارتد الطرف وتذكرن أن حاملة الرسالة تملك قلما حرّا، رنت عيونهن نحو لمى ورمت بأثقالهن على عاتقها، وكأنهن يقلن لها أنت خير من يدرك رسالتنا، إنه حمل ثقيل تنوء عن حمله الجبال الراسيات. مع الإفراج عنك ستكونين لنا أفضل رسالة.

ستكتب خاطر طويلا عن الأسيرات لا مجرد أعداد وأرقام كما يريد لهن السجان، ستكتب عن العدد لأنه أسوأ ما في السجن، يقول العدد أنتن مجرد رقم حافظ منزلة له في السجن، وستخبرنا خاطر عن العد الحقيقي للأسيرات، ستكتب عن ما يجول في الصدور وما تكتنزه القلوب، ستكتب عن كل أسيرة عالم واسع لا تسعه الأقلام ولا تحيطه جدرانهم اللعينة، ستكتب عن كل رقم في هذا العدد قضية إنسان أراد لهذه الحياة أن تدور دورتها التي تنتج نهارا وضياء ونورا للعالمين، لم تكن أية أسيرة فلسطينية رقما عابرا بل كانت رقما صعبا وعالما قائما بذاته، لأنها تحمل بين جنبات صدرها قضية عظيمة، وأبدت الاستعداد الكامل لتضحي بكل شيء من أجل هذه القضية.

وستكتب في رسالتها عن هذه الروح الجميلة التي فاضت من جمال قلبها ما يسع الدنيا بأسرها، هذه الروح الملتحمة بفلسطين بكل ما تحمل من روح وجمال، جمال تتجلى فيه مشاهد فلسطينية عالية الفن، مطرزة حريرية تجتمع فيها كل الألوان، بروح عزيزة عالية اختارت النضال والجهاد لتعيد تاريخا اعتزّ بنسائه، وهل هناك جمال أجمل من هذا العطاء الذي يتجلى بأزهى حلله البهيجة.

وستكتب عن إخوة تتقاسم العذاب وتلتحف معا حلكة ليلهم شديد السواد، إخوة المعتقلات التي التقت في زنازينهم وتجذرت وارتوت من رحم الألم والمقت والقهر ما جعلها أرواحا تتجند كروح واحدة في مواجهة دائمة لا تنتهي من لحظة عدد الصباح الأول إلى لحظة التفتيش الليلي الذي لا يروق لهم إلا غاسقة.


لمى خاطر حرّة

وستكتب خاطر خواطرها الدامية من عمق الجرح النازف لأسيرات حرية وطن سليب، وحرية أمة يريدون تغييبها وتطويعها وتدجينها واستحمارها واستعبادها بما صار يعرف بالتطبيع، لقد أحسن القدر بأسر لمى خاطر حيث المساحة الحرّة رغم ضيقها في عالم الظلام، ستكتب كثيرا ما رأته بأم عينها، عن فنون القهر والترويع والقمع الذي يسجلون به براعات اختراع، لم يسبقهم إليه أحد، عن استفرادهم بأسيراتنا وعزلهم وتعمد إهمال العلاج لمريضاتهم وتجربة الأدوية عندما يحولن إلى مختبرات تجارب، عن محاكمهم الهزلية وبوسطتهم اللعينة، عن نساء ولدن في السجن، وطفولة كان البرش الحديدي لها مهدا وكان ما بين البرش والبرش ملعبا ومطبخا ومناما ومكانا للصلاة..

ستكتب خاطر كثيرا وطويلا وعميقا عن هذه الرحلة القاسية، وستجد الأسيرات في قلمها متنفسا لهن إلى أن يبزغ فجر الحرية لهن وللقدس وفلسطين.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات