عرس دير قديس .. التطبيع يجر التطبيع

لم تكن مشاركة مستوطنين في عرس نجل رئيس مجلس قروي دير قديس راضي ناصر سوى حلقة من حلقات التطبيع التي تسعى أطراف وجهات مصالح تحت منظومة التنسيق الأمني لفرضها على الحالة الفلسطينية في الضفة الغربية بالرغم من محدوديتها إلا أنها خطيرة من حيث الدلالات.

وكان مستوطنون دخلوا في وقت متأخر من الليل للمشاركة في عرس ابن رئيس المجلس، حيث يعمل عدد من أهالي القرية في المستوطنات المجاورة.

تهرب من المسؤولية!
وعلى الرغم من إنكار رئيس المجلس، وهو نائب مدير التربية والتعليم في محافظة القدس وقيادي في حركة فتح دعوته أي مستوطن، وأنه فوجئ بهم، وأن من دعاهم هم شبان أصحاب كراجات تصليح سيارات يصلح المستوطنون مركباتهم لديهم؛ إلا أن ذلك لم يقلل من خطورة الحدث، ومن حجم التنديد الذي اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي؛ ما دفع حركة فتح إلى البراءة من فعلته، والمطالبة بإقالته.

وترى الصحفية شذا حنايشة في حديثها لمراسلنا أن المشكلة تكمن في مبدأ تقبل وجود المستوطنين بغض النظر عمن دعاهم.

وأضافت؛ “هناك من يحاول أن يجعل من هذه الأحداث أمرا اعتياديا، فهناك من رقص وتفاعل ولم يعترض وهؤلاء شركاء، وإن كان بمجرد تقبل الحضور”.

تطبيع رسمي!
حالة دير قديس جزء من واقع عدد من القرى التي تقع في ظل حزام استيطاني، حيث تولدت علاقات تجارية بين مستوطنين وبعض الأوساط بحكم التداخل الجغرافي، إلا أن ما كان ممنوعا أصبح أكثر استسهالا بحكم السياسة العامة للسلطة والتي لا تعد اللقاءات مع “الإسرائيليين” ممنوعة، لا سيما وأن أركان السلطة يشاركون في لقاءات علنية وسرية، وهناك لجنة يرأسها قيادي كبير في حركة فتح ترعى التواصل مع الكيان الصهيوني.

ويرأس محمد المدني، عضو مركزية حركة فتح واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ما يسمى لجنة التواصل مع “المجتمع الإسرائيلي” التي شكلت بقرار من رئيس السلطة محمود عباس، عام 2012،  ودأبت على عقد لقاءات تطبيعية مشتركة مع صهاينة.

وبحسب أهالي لمراسلنا فإن ما يشجع على ظهور هذه العلاقات هو أن بعض مرضى النفوس يعدون أنهم لا يقومون بشيء أكثر مما يقوم به المسؤولون الرسميون الذين يأخذون تسهيلات من الاحتلال وبطاقات VIP ويتواصلون اجتماعيا مع الصهاينة.

وهو ما علق عليه الناشط ثامر سباعنة لمراسلنا أن المشكلة الحقيقية ليست في هذا الحدث، بل في وجود أجندات تسعى إلى جعل ذلك أمرا طبيعيا، وإدخال المجتمع الفلسطيني في حالات تطبيع وتدجينه في هذا الإطار، محذرا من خطورة هذه المخططات.

المنسق وآخرون..
ولا تنفصل حالة دير قديس عن حالة “المنسق” التي يتم السكوت عنها في الضفة الغربية دون رادع حيث يعمل المنسق، وهو ضابط جيش الاحتلال المسؤول عن الشئون المدنية في الضفة، على اختراق المجتمع الفلسطيني تحت الغطاء الإنساني، فيما تقف السلطة في موقف المتفرج، حيث لا يوجد أية إجراءات لمكافحة هذه الظاهرة.

لقاءات متكررة
وتقول المصادر، إن أشكال الاختراق التطبيعي لا تقف عند هذا الحد، فلقاءات عدد من رؤساء البلديات والمجالس القروية والغرف التجارية الدورية مع ضباط الإدارة المدنية في جيش الاحتلال، وتحت مسميات مختلفة، هي حالة من التطبيع التي تتم أحيانا برعاية رسمية من الارتباط الفلسطيني، وأحيانا يتم تجاوز الارتباط بلقاءات مباشرة تتعمدها قيادة جيش الاحتلال في الضفة ويسكت رسميا عنها.

روابط القرى
ويرى القيادي والناشط عمر منصور في حديثه لمراسلنا أن التهاون في التعامل مع حالات التطبيع مقصود بهدف الترويج لنموذج معين ما زال مرفوضا شعبيا، مقارنا بين حالة القوى والفصائل ما قبل السلطة، حين كانت قراراتها تشكل مرجعية، ولم يكن أحد يجرؤ على أن يفعل مثل هذه الأفعال، وتم القضاء على كل أشكال التطبيع من روابط القرى وغيرها.

وأكد أن هناك سياقا يسعى لإعادة إحياء نموذج روابط القرى بأشكال مختلفة، وأن التهاون مع هذه الشخصيات المشبوهة من الأساس هو ما قادنا إلى ما يحدث.

وبتتبع ردود الفعل المجتمعية على حادثة دير قديس، فإن مستويات الغضب كبيرة ومطالبة بالحساب، ولكن على قاعدة عدم الانتقائية في محاسبة شخص لأن الإعلام المجتمعي فضحه وترك آخرين معروفين يقومون بما هو أسوأ بدعم رسمي أحيانا وبلا محاسبة ولا رادع أحيانا أخرى.

وكما تثير ما تسمى لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي في حركة فتح، والتي يترأسها محمد المدني غضب المواطنين في ظل أنشطة تطبيعية عديدة تقوم بها هذه اللجنة ما جعل مواطنين يعدون أن قرار حركة فتح بفصل رئيس مجلس قروي دير قديس من الحركة تناقضا بين سلوك قام به وعوقب عليه في الوقت الذي تتشكل فيه لجان رسمية تقوم على أنشطة شبيهة، وتلقى التغطية الكاملة من حركة فتح سواء من هذه اللجنة أو من رجال أعمال ومسئولي مؤسسات يتحركون بغطائها.