السبت 27/يوليو/2024

الأسرى قضية دين يجب أن يسدد

أنس السبطي

لا شيء يمكن أن يعبر عن عمق مأساة الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الكيان الصهيوني، حيث إننا إزاء واحدة من أطول المآسي المعاصرة.

فرغم أن قضية المعتقلين لا تقتصر على البيئة الفلسطينية حصرًا، بما أن الأسر والاعتقال نتيجة حتمية لواقع الظلم والطغيان في أي زمان وأي مكان، إلا أن الخصوصية في الموضوع هي أننا بصدد معاناة ممتدة بالنظر لطبيعة الصراع مع الاحتلال الصهيوني والتي لا يتوقع أن يسدل الستار عنها طالما ظل الكيان قائما.

كما أن النهج الصهيوني في التعامل مع قضية الأسرى يختلف عن أساليب كثير من الأنظمة الاستبدادية، فلئن كانت تلك الأنظمة تتوسع في الاعتقالات في بدايات تأسيسها أو في أزماتها الطارئة، ثم بعد أن تستتب لها الأوضاع ويخضع لها شعبها تقلص بشكل كبير من موجات الاعتقالات، إلا أن الجانب الصهيوني لا يتعامل مع قضية الأسرى بهذا الشكل الانفعالي، وهو يستخدمها في استراتيجية كي الوعي والإنهاك الشديد للمجتمع.

ذلك أنه لم يتوقف يوما عن مسلسل الاعتقالات، ولن يتوقف سواء في ذروة الغضب الفلسطيني أم في فترات جزْره. ولا يظهر ذلك فقط في أساليبه الوحشية في التعامل مع الأسرى أو في أحكام المؤبدات الثقيلة التي يراد لها أن تشكل رادعا لمن يفكر في نهج ذات الطريق، فحتى الاعتقال الإداري رغم أنه لا يبدو بنفس المستوى من الإيلام إلا أنه يظل بوابة لاستهداف المناضلين الفلسطينيين والتنغيص على حياتهم ويجعلهم يعيشون في جو من الضغط العصبي العالي والإحساس باللااستقرار، وكل ذلك بغرض أن يزهدوا في أي نشاط نضالي مهما كان متواضعا تجنبا لأية تبعات وحتى يصاب المجتمع الفلسطيني كله من الخوف المرضي المزمن.

من هنا فإن قضية الأسرى كما يفهمها الاحتلال ليست قضية أفراد لهم مشكلة شخصية معه بمعزل عن شعبهم، وهي كذلك بالنسبة للأسرى، فما حرموا من حريتهم إلا بسبب إحساسهم بالمسؤولية وتجردهم العالي واستعدادهم للتضحية من أجل أرضهم وكرامة أبناء وطنهم وأمتهم، وإلا فالانعتاق الفردي متاح ووسائل الهروب من واقع الاحتلال ليس صعبا بالنسبة للكثيرين منهم، بل إن منهم من كان يعيش حياة مرفهة خارج الحدود لكن ذلك لم يمنعه من تلبية نداء الواجب.

قضية الأسرى إذن قضية تحرر شعب، ولا يجوز تحت أي اعتبار أن تقزم ليصبح التعامل معها مثل التعامل مع أي شأن خارجي، فالأسرى ليسوا حالات إنسانية تستدعي الشفقة نملك الاختيار في التضامن معهم من عدمه، حيث إنهم أكثر من تحمل تبعات المواجهة مع الاحتلال الصهيوني ودفعوا ثمن ذلك غاليا من حريتهم. ولنحاول أن نتصور العذاب النفسي الذي تقاسيه تلك النفوس الممتلئة بالعنفوان والكبرياء تحت الأسر والتي رفضت الهوان لشعبها ولأمتها، فكيف ترضاه لها وهي في الزنازين في ضيافة عدو يتفنن في النيل من كرامتها بشتى وسائله غير الإنسانية.

ومع ذلك كل شيء يهون بالنسبة للأسير إذا رأى ثمرات تضحيته على الأرض أو على الأقل إذا تأكد من الاستمرارية في المسار الذي تبناه، لكن قمة الخيبة والتي تفاقم من معاناته هي أن يجد من ناضل لأجلهم قد غيروا وبدلوا بل ونسوه تماما. لذلك فالتحدي الأساسي للشعب الفلسطيني وللأمة العربية والإسلامية هو إعطاء قضية الأسرى المكانة التي تستحقها لا من أجل رفع المظلومية عنهم فحسب أو على الأقل التخفيف منها؛ وإنما أيضا كمقياس لمدى حيويتنا، فكما هو معروف بأن الأمم الحية لا تفرط في أسراها، وكلنا يستحضر ما قام به الكيان الصهيوني في موضوع جلعاد شاليط حتى حول قضيته إلى قضية عالمية، فيما الآلاف من خيرة مناضلينا يقبعون في سجونه، ومع ذلك نلحظ فتورا واضحا في الدفاع عنهم، وهذا ما يعطي للعدو تفوقا ظاهرا علينا في هذا الملف.

إن ما ينبغي وعيه جيدا أن للأسرى دينًا على شعبهم وأمتهم والذي يجب تسديده على كافة الأصعدة بداية من ذكرهم وذكر بطولاتهم واستحضار عذاباتهم وآلامهم، وذلك في إطار رد الاعتبار لقضيتهم المنسية المستحضرة في المناسبات فقط، وانتهاء بالعمل الجاد على تحريرهم، بهذا فقط نكون قد رددنا لهم شيئا من الجميل علينا ونثبت بأننا أهل لبطولاتهم وتضحياتهم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات