السبت 04/مايو/2024

سؤال وجواب: عامٌ على مسيرات العودة الكبرى.

سؤال وجواب: عامٌ على مسيرات العودة الكبرى.

أصدر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ورقة حقائق عبارة عن أسئلة وأجوبة حول مسيرة العودة، استعرض خلالها أسبابها ومواقعها وكيفية قمعها.

وفيما يلي نص الورقة:

لماذا يتظاهر الفلسطينيون في قطاع غزة ؟

في يوم الجمعة الموافق 30 مارس 2018 الذي يواكب يوم الأرض ، بدأ الفلسطينيون موجةً كبيرةً من التظاهرات الأسبوعية السلمية التي باتت تعرف بمسيرة العودة الكبرى والتي امتدت على طول السياج الأمني الذي يفصل بين إسرائيل وقطاع غزة. حيث طالبت التظاهرات بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى منازلهم التي هجروا منها عام 1948 ، هذا الحق قد تم تكريسه بقرار الأمم المتحدة رقم 194 ، وكذلك طالبت التظاهرات –بشكلٍ أبرز- برفع الحصار المفروض على قطاع غزة من قبل إسرائيل لما يناهز عقداً من الزمان. التظاهرات – التي كان من المقرر أن تستمر لمدة ستة أسابيع فقط في بادئ الأمر- استمرت لتعقد كل يوم جمعة منذ (51 أسبوعاً) ، تشارك في هذه التظاهرات قطاعاتٌ متنوعة من المجتمع بما فيهم الشباب والأطفال والنساء والأطفال و ذوي الإعاقة وكبار السن.

مسيرات العودة الكبرى تعتبر في أعين الكثير من الفلسطينيين في قطاع غزة بمثابة ملجأ للتنفيس عن أنفسهم بسبب الوضع الاقتصادي والانساني المتهالك الذي كان نتاجاً للحصار الإسرائيلي الخانق على قطاع غزة الممتد لاثني عشر عاماً. هذا الحصار قد حد كثيراً من حرية حركة المواطنين و دخول البضائع الأمر الذي ساهم في تدمير اقتصاد القطاع وسبب انهياراً كاملاً لمختلف القطاعات، وأحدث فجوةً بين سكان القطاع وباقي السكان في العالم[1] ، يعاني قطاع غزة اليوم من فقرٍ متفشٍ ورقم بطالةٍ عالٍ بسبب شح فرص العمل، وخاصةً في أواسط الشباب ، ويعاني كذلك من انهيار المرافق العامة كمرافق العناية الصحية ومرافق المياه ومرافق الصرف الصحي. وقد حذرت الأمم المتحدة من أن غزة قد تصبح مكاناً غير صالحٍ للحياة بقدوم عام 2020.

أين يتظاهر الفلسطينيون خلال مسيرات العودة الكبرى؟

منذ بداية مسيرات العودة الكبرى ، حدد منظموها خمس مواقع تظاهر رئيسة ممتدة على طول الحدود بين غزة وإسرائيل حيث تم نصب خيام التظاهر على مسافة تراوحت بين 700 إلى 1000 متر غرب السياج الفاصل. هذه المواقع الخمسة تمثلت في منطقة أبو صفية (شرقي جباليا) ، ومنطقة ملكة (شرق مدينة غزة) ، ومخيم البريج (وسط قطاع غزة) ، ومنطقة النجار (شرق بلدة خزاعة في خانيونس) ، ومنطقة الشوكة (شرق رفح). وابتداءً من أغسطس لذات العام ، نُظِمت مظاهرات أسبوعية على شاطئ زيكيم شمالي غزة.

هل المظاهرات مدنية وسلمية بطبيعتها ؟

شدد منظمو “مسيرة العودة الكبرى” مراراً أنه قد خُطِطَ لأن تكون هذه المظاهرات “سلميةً تماماً من البداية حتى النهاية” وأن المتظاهرين سيكونون عزلاً. فضلاً على أن تحقيقات المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان قد خلصت إلى أن المظاهرات على مدار العام قد كانت مدنية بطبيعتها ، حيث شارك في هذه التظاهرات مجموعات مختلفة من المجتمع ومتنوعة من حيث السن والانتماء بما فيهم الأطفال والنساء وكبار السن . المظاهرات تضمنت نشاطات ثقافية وفلوكلورية ، إلى جانب تضمنها في بعض الأحيان لحرقٍ لبعض الإطارات وقيام مجموعات من الشباب برمي الحجارة دون تشكيل أية خطر على قوات الاحتلال الإسرائيلي . كما أن تحقيقات المركز لم تسجل أي مظهرٍ عسكريٍ تخلل أي موقع من المواقع الخمسة المخصصة للتظاهر منذ بداية المظاهرات . كما أنه وفقاً لتقرير لجنة الأمم المتحدة المستقلة للتحقيق في تظاهرات غزة ، فإن التظاهرات كانت “مدنيةً بطبيعتها و ذات أهدافٍ سياسيةٍ واضحة ، وأنها – رغم بعض أعمال العنف البارزة- لم تشكل حملةً قتالية أو عسكرية” . بل إن اللجنة قد قررت أن المتظاهرين كانوا بشكلٍ عام عزلاً [2] ، فقد أشار تقرير اللجنة أنه باستثناء حادثتين – إحداهما الحادثة التي وقعت شمال قطاع غزة في 14 مايو 2018 والتي قد ترقى إلى مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية ، والأخرى الحادثة التي وقعت في وسط غزة في 12 أكتوبر2018 والتي قد شكلت “تهديداً محدقاً لحياة الجنود أو تهديداً بإصابتهم اصابةً بالغة” – فإن المتظاهرين لم يكونوا يشكلون أية تهديدٍ محدق لحياة قوات الاحتلال الإسرائيلي.

ما موقف إسرائيل تجاه مسيرة العودة السلمية ؟

تدعي إسرائيل أن التظاهرات ليست عفويةً وسلميةً على الاطلاق ، وإنما اضطرابات عامة وعنيفة تدار من قبل حماس والمجموعات العسكرية الأخرى في قطاع غزة . فهي تؤكد على أن حماس تحاول استخدام هذه التظاهرات للتغطية على محاولات اختراق السياج الأمني وتسلسل إرهابيين نحو حدود إسرائيل –على حد زعمهم-[3] . المشاركون في المسيرة تم وصفهم بشكل جماعي من قبل وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بأنهم “أعضاء حماس” و “فاعلون بجناحها العسكري” و يمثلون تهديداً لحياة القوات الأمنية والمدنيين الإسرائيليين وسلامتهم الجسدية[4]. ونتيجة ً قررت إسرائيل -وقبيل بداية المظاهرات- نشر 100 قناص على طول السياج الأمني مع قطاع غزة ، وصدرت الأوامر بفتح النار على أي شخص يحاول اجتياز السياج[5].

ما هو الإطار القانوني المطبق على المتظاهرين وفقاً للقانون الدولي؟

وفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر، “فإن أية تظاهرة مدنية ضد السلطات في حال النزاع المسلح كانت لتتطور لتصبح عنيفة ، فإن استخدام القوة في هذه الحالة كردٍ على التظاهرات يكون محكوماً بقواعد إنفاذ القانون”[6]. المبادئ التوجيهية المتعلقة باستخدام القوة في سبيل إنفاذ القانون- المستقاة بشكلٍ رئيس من القانون الدولي لحقوق الإنسان وتحديداً حظر حرمان الأشخاص من حياتهم[7]. هذه المبادئ تنظم استخدام القوة من قبل حكومات الدول للحفاظ على النظام والأمن العام والقانون .هذه المبادئ تم تقنينها في مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، حيث تنص المادة 9 منها على أنه :

” لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون استخدام الأعيرة النارية في مواجهة الأشخاص إلا في الأحوال الآتية: الدفاع عن النفس أو الغير ضد الخطر الوشيك المهدد للحياة أو لإحداث اصابات خطيرة، و لمنع ارتكاب جريمة بالغة الخطورة تشكل تهديداً وشيكاً للحياة، .. وفي جميع الأحوال فإن استخدام القوة المميتة بشكل متعمد لا ينبغي اللجوء إليه إلا حين يكون اجتناب استخدامه غير ممكن على وجه التحديد وذلك من أجل حماية الحياة.”[8].

ونظراً للطبيعة السلمية لمظاهرات مسيرة العودة ، فإن القانون الدولي يفرض على قوات الاحتلال الإسرائيلية التي من المنوط بها ضبط الحدود مع غزة بألا تلجأ إلى استخدام القوة المميتة إلا في مواجهة خطر واضح ووشيك للحياة كملاذٍ أخير لدفع هذا التهديد. ودلالة الخطر “الوشيك” تنصرف إلى كونه مسألة ثوانٍ وليس ساعاتٍ وفقاً لما قررته لجنة التحقيق الأممية المستقلة . إضافةً إلى أنه من الواجب على موظفي إنفاذ القانون “تقليل الأضرار والإصابات واحترام حياة الإنسان والحفاظ عليها” وذلك في الأحوال التي يكون فيها اللجوء إلى القوة ضرورياً[9]. ومع ذلك فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي تستخدم الذخيرة الحية في مواجهة المتظاهرين، في الوقت الذي كان متوافراً بعض البدائل أقل فتكاً للتعامل مع المتظاهرين وكذلك وجود تعزيزات دفاعية ضخمة للقوات الإسرائيلية ، الأمر الذي يشكل انتهاكاً لحق المتظاهرين بالحياة كما أشار إلى ذلك تقر لجنة التحقيق الأممية المستقلة.

غير أن الحكومة الإسرائيلية تؤكد أن المتظاهرين لا يمكن اعتبارهم مدنيين و تعتبر المظاهرات جزءاً لا يتجزأ من النزاع المسلح المستمر بين إسرائيل وحماس. وفي ردٍ لها على التماسٍ مقدمٍ لدى محكمة العدل العليا الإسرائيلية بصدد قواعد الاشتباك المتبناة من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي ، ذهبت إسرائيل للدفع بتأويل قانوني غير مسبوق يقضي بأن قواعد إنفاذ القانون قد تجد لها مكاناً في اطار قواعد النزاع المسلح جنباً إلى جنب الضوابط التي تحكم الأعمال العدائية[10]. بعبارةٍ أخرى ، فإن قواعد إنفاذ قانونٍ أخرى يمكن أن تتأصل من قانون النزاعات المسلحة الذي يحكم استخدام الجيش للقوة ضد متظاهري غزة. إلا أن هذا الاختلاف المزعوم بين قواعد إنفاذ القانون في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان عنه في قانون النزاعات المسلحة خطيرٌ إلى حدٍ كبير إذ أنه ينذر باستخدام القوة بشكلٍ أوسع ضد المدنيين. ووفقاً لدولة إسرائيل، فإنه من خلال هذا الاطار يمكن استخدام القوة المميتة ضد الأشخاص الذين لا يشكلون تهديداً فردياً ، وإنما جزءاً من تهديدٍ جماعي. أما النتيجة الثانية الخطيرة لمثل هذا التأويل القانوني متمثلة في أن القوة المميتة يمكن استخدامها ضد أي تهديد قبل أن يتحقق أو يصبح فورياً. وبكل أسف ، فإن المحكمة العليا الإسرائيلية قد قبلت الحجج القانونية التي دفعت بها الحكومة الإسرائيلية، مما فتح الباب واسعاً أما قواعد إنقاذ قانون جديدة ذات سمة غامضة ووسعت من خلالها من فكرة الخطر المحدق للسماح بالاستخدام الوقائي للقوة المميتة. وبعد تقرير هذا الحكم ، فإن المحكمة قد أضفت صفة الشرعية الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المتظاهرين الفلسطينيين والتي أفضت إلى مقتل ما يقرب من 196 متظاهر مدني ، وإصابة أكثر من 11000 آخرين وفقاً لإحصاءات المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان[11].

ما هي أبرز الانتهاكات المرتكبة من القوات الإسرائيلية ضد المتظاهرين الفلسطينيين ؟

ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاتٍ جسيمة للقانون الدولي لحقوق الانسان و القانون الدولي الانساني في إطار تعاطيها مع مسيرات العودة الكبرى. حيث أن استهداف المتظاهرين المدنيين يشكل انتهاكاً لحق الفلسطينيين في الحياة وحقهم في حرية التعبير والتجمع. وقد استمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي في مخالفتها بشكل متعمد لمبادئ الأمم المتحدة الأساسية التي تنظم استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل المكلفين بإنفاذ القانون ، هذه المبادئ التي تحظر استخدام القوة المميتة إلا في “حالة كونها الملاذ الوحيد لحماية الحياة” كما تم الإشارة إليه سابقاً. ففي مسيرات العودة الكبرى لم تستدعِ معظم الحالات استخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين السلميين الذين يمارسون حقهم بالتجمع السلمي. ورغم ذلك فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي قد أقدمت على قتل 196 مدنياً بما فيهم 41 طفلاً و8 أشخاص ذوي إعاقة و امرأتان وصحفيان و4 مسعفين خلال 51 أسبوعاً[12] الأمر الذي قد يرقى إلى جريمة القتل العمد التي تشكل انتهاكاً جسيماً لاتفاقيات جنيف[13] و جريمة حرب[14].

بالإضافة إلى أن التكلفة المدمرة لتعاطي القوات الإسرائيلية مع المتظاهرين لا ينبغي أن تقاس بعدد القتلى وحسب بل بعدد وحجم الاصابات أيضاً . فقوات الاحتلال الإسرائيلي قد استخدمت أسلحة فائقة السرعة في إطلاق النار من مدىً قريب الأمر الذي سبب اصاباتٍ بالغة على مستوى العظام والأنسجة بالإضافة إلى وجود مخارج واسعة للعيارات النارية مما تسبب بإصابات ذات تأثير بعيد المدى وكفيل بتغيير مسار حياة المصابين ، بما في ذلك التسبب بالشلل أو البتر. ومنذ بداية التظاهرات ، فإن ما يقرب من 114 متظاهراً فلسطينياً تعرضوا لإصابات سببت بتر أطرافهم السفلية أو العلوية بما في ذلك 14 طفلاً. وهذا قد يشي بنية متعمدة للجيش الإسرائيلي لإحداث إصابات مؤثرة مدى الحياة ، وهو ما قد يرقى إلى تعمد إحداث معاناة شديدة أو إصابة بالغة بصحة الجسد ، أي جريمة حرب[15].

كما أن إسرائيل رفضت منح المتظاهرين الذين تعرضوا لإصاباتٍ تصاريح خروج للوصول إلى المستشفيات خارج القطاع بدعوى مشاركتهم في الأعمال العدائية المنظمة من قبل حماس. حيث أن العديد من الإصابات التي تسببت بالبتر كان بالإمكان التدخل لإنقاذها في حال س

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات