عاجل

الأحد 26/مايو/2024

الهدف تصفية القضية الفلسطينية

د. فايز رشيد

حدثان سنشهدهما خلال هذا الشهر شباط/فبراير 2019، الأول: زيارة مستشار الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنير، ومبعوثه الخاص للشرق الأوسط جيسون جرينبلات إلى دول عربية وربما “إسرائيل”، ووفقاً لما أعلنته مصادر أميركية، فإن جولة المبعوثينْ الأميركيينْ تستهدف شرح المزايا الاقتصادية لـ”صفقة القرن” للفلسطينيين. الجانب الاقتصادي للصفقة هو طرح قديم جديد، سبق وأن أعلنه شيمون بيريز في كتابه المعنون بـ”الشرق الأوسط الجديد”، وفيه يركز على استبدال السلام السياسي بما يسمى بـ”السلام الاقتصادي”، والدعوة إلى تعاون اقتصادي عربي ـ إسرائيلي لصنع شرق أوسط كبير/جديد اعتماداً على الأموال العربية والعقلية اليهودية.

الخطوة التالية: ومع البدء في طرح صفقة القرن، بدأت تتكشف الأبعاد الاقتصادية للصفقة، والمتمثلة في: إقامة مشاريع اقتصادية كبيرة في قطاع غزة، بناء مطار وميناء للقطاع. كذلك إقامة مشاريع اقتصادية في الضفة الغربية وسط أطروحات سياسية، بإقامة ما يتبقى من الضفة الغربية بعد الاستيطان، لعلاقة كونفدرالية مع الأردن. أي لا وجود لدولة فلسطينية مستقلة، لا عودة للاجئين، لا انسحاب من كافة مناطق 67، ضم التجمعات الاستيطانية الكبيرة إلى “إسرائيل”. تحقيق الفصل الكامل بين قطاع غزة والضفة الغربية، القدس موحدة وعاصمة أبدية لـ”إسرائيل” ولا حديث عنها. ضمان وجود القوات الإسرائيلية في مناطق الضفة الغربية التي تعدها مهمة للأمن الإسرائيلي، كما في غور الأردن، وإعطائها حق التدخل إن شعرت بأن الأمن الإسرائيلي مهدد.

جولة المبعوثينْ الأميركيينْ تهدف إلى: إقناع الدول العربية بالخطة، القيام بالضغط على الفلسطينيين للقبول بصفقة القرن، وتمويل المشاريع الاقتصادية لها! بالطبع حتى الجانب الرسمي الفلسطيني، الذي سبق وأن وقّع اتفاقيات أوسلو يرفض رسميا صفقة القرن، لذا سيكون من الصعب على دول عربية من التي يزورها الوفد الأميركي القبول بما يرفضه الفلسطينيون، حتى لو قبلت بها دول أخرى من الدول التي سيزورانها. أيضاً فإن صفقة القرن تتعارض مع ما يسمى بـ”مبادرة السلام العربية” التي أطلقتها قمة بيروت عام 2002، والتي رغم اقترابها من الحل الإسرائيلي لقضية اللاجئين، رفضتها “إسرائيل” جملة وتفصيلاً، ووصفها شارون بأنها لا تستأهل الحبر الذي كتبت به، ومصيرها هو سلّة المهملات فقط! بالتالي، فإن الجولة الجديدة للوفد الأميركي هدفها تسويق الحلّ الإسرائيلي جملة وتفصيلاً، دون تقديم أية حقوق للفلسطينيين حتى لو كانت بسيطة.

في نفس السياق يأتي الحدث الثاني، وهو حضور بعض الدول العربية لمؤتمر وارسو الذي نظمته الولايات المتحدة خصيصاً من أجل ثلاثة أهداف: التركيز على ما يسمى “الخطر الإيراني” في المنطقة، واستبدال الصراع العربي ـ الإسرائيلي بشكل جديد من الصراع هو الصراع العربي ـ الإيراني، إيجاد شكل تحالف لمجابهة ما تعده “خطراً إيرانياً” في المنطقة والشرق الأوسط عموماً، والهدف الحقيقي من هذا التحالف هو: حماية الأمن الإسرائيلي أولاً وأخيراً! إعطاء “إسرائيل” دوراً في تقرير مستقبل المنطقة، إيجاد أجواء مساعدة لتحقيق ضرب “إسرائيل” للمشروع النووي الإيراني، وهو هدف صهيوني – أميركي. احتواء النشاطات الإيرانية في المنطقة، ومحاولة إخراج إيران من سوريا، لإبعادها عن هضبة الجولان العربية السورية.

للأسف، فإن الوضع الفلسطيني بعد لقاءات موسكو الأخيرة، وعدم طرح موضوع المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية، هو نقطة ضعف فلسطينية كبيرة، وليست عامل قوة في مجابهة ما يسمى بـ”صفقة القرن”، وهي إضعاف حتى للجانب الرسمي العربي الرافض لصفقة القرن! كنا ننتظر من لقاءات موسكو أن تكون فرصة جديدة للتخلص نهائياً من الانقسام المدمّر للقضية والحقوق وعموم المشروع الوطني الفلسطيني، الذي تراجع بسببه عشرات السنين إلى الوراء. هذا الانقسام يسهّل تمرير صفقة القرن للأسف، هذه المؤامرة الواضحة لتصفية قضيتنا. يبقى الأمل في جماهير شعبنا وأمتنا والفصائل والقوى والدول التي ترفض هذه الصفقة، ومثلما أفشلنا مؤمرات كثيرة على قضية شعبنا، سنفشل صفقة القرن.

صحيفة الوطن العمانية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات