الإثنين 17/يونيو/2024

سعد من رام الله يواسي الطفل محمد من غزة.. ما قصتهما؟

سعد من رام الله يواسي الطفل محمد من غزة.. ما قصتهما؟

أكثر من أسبوعين انقضت على إصابة الطفل محمد النجار (12 عامًا)، بعدما استهدفه جنود الاحتلال المتمركزين شرقي خانيونس، بطلق ناري، ما أفقده عينه اليمني.

تعمد

فكما جرت العادة خرج محمد رفقه أصدقائه لقضاء بعض الأوقات على الحدود الشرقية لخانيونس في العطلة الأسبوعية؛ بعدها توجهوا إلى مخيم العودة الكائن على مقربة من منزلهم ببلدة بني سهيلا شرقي خانيونس.

وعلى الرغم من اتخاذه موقعاً آمناً وعدم مشاركته في إلقاء الحجارة وإشعال الإطارات كما يفعل الثوار، إلا أن الاحتلال لم يترك محمدًا وشأنه، حيث استهدفه بطلق ناري استقرت بعض شظاياه في عينه اليمني.

وشكل تاريخ 11 يناير الماضي صدمة كبيرة لدى محمد، دخل على إثرها في حالة اضطراب نفسي بعدما تم إخباره أنه لن يبصر بعينه مرة أخرى، ما جعله منعزلاً، وعازفاً عن الذهاب للمدرسة، وعن ممارسه نشاطه اليومي مع أصدقائه.

وحسب الأطباء؛ فإن محمد بحاجة إلى عين زجاجية بعدما أصاب التلف شبكية العين الذي لا يمكن إصلاحه.

رسالة سعد عمر

وفي مبادرة منه لإعادة محمد إلى طبيعته، قرر الشاب سعد عمر من رام الله أن يكتب رسالة إلى محمد، علها تخفف بعضاً من الألم الذي يملأ قلبه ويعيده إلى حياته الطبيعية.

وبلغته العامية البسيطة بدأ سعد بكتابة ما دار معه خلال فترة إصابته وكيف تغلب عليها.

بدأ قائلاً: “يا محمد، يا زينة شباب البلد، أنا رح أحكي الك اشي مش كل الناس بتعرفوا عني، وإللي ما بعرفني ما بقدر يلاحظ أني بعين وحدة”.

“أنا أصبت في عيني الشمال بـ2014 أيام حرب غزة في مواجهات البيرة على المدخل الشمالي لرام الله على حاجز “dco”، إذ سمعت فيه برصاصة مطاط ضربت تحت عيني بشوي، وكسرت نص وجهي، وصابني تمزق بالشبكية وعصب العين، غير الجرح الكبير بوجهي”.

“وبعد ثلاثة أشهر عرفت إني مش راح أقدر أشوف بعيني مرة تانية”، يكمل سعد.

“بديش أكذب عليك وأقلك إني ما حسيت بالنار بتمشي بدمي، إنه بعد تسع سنين في السجن أول سبع شهور تروح عيني، بديش أقلك إني ما كنت لما أقعد لحالي أحزن على قطعة من جسمي انقتلت، بديش أكذب عليك وأقلك إني ما حسيت إني صرت أضعف وإني ناقص عن باقي الناس”.

“ما بدي أقلك إني لما كنت أمشي بالبيت أو بالشارع ما كنت أضرب بالأشياء وأحيانا بالناس في أول الفترة بعد الاصابة، أنا كنت ألبس شنطة بقشاط طويل عشان أضب إيدي اليسار فيها، وما تضرب بالسيارات الواقفة أو بالناس إللي ماشية”.

يتابع: “أنا كنت أصحى مفزوع من نومي لأني كنت شوف الإصابة كمان مرة في كوابيس، وحتى كنت أحس بالوجع كمان مرة”.

“أنا كنت أعصب كثير لما ما أقدر أحلق لحيتي منيح لأني مش شايف الجهة اليسار، وكنت بأعصب أكثر لما أدور ع شغلة وتكون قدامي وأنا مش شايفها ولما آجي أمسك إشي ويفلت مني لأني ما مسكتو منيح والخوف ملازمني طول الوقت أني أفقد كل بصري”.

“مش راح أحكيلك عادي وميهمكش ولا معلش، لأني بعرف إللي بقلك إياها مهما كان بحبك مش ممكن يحس بالوجع إللي إنت فيه إلا إذا فقد جزء من جسمه”.

“بعد فترة من الإصابة بلش الجرح يطيب وأثره يخف ع وجهي، والعظم بلش يلحم وبطلت أحس بوجع ولا عظم بتخلخل لما أتحرك، الوجع إللي كان في وجهي صار يخف يوم عن يوم”.

يكمل سعد في رسالته لمحمد “بس الوجع إللي كان بروحي كان بعدو أخضر ما ذبل.. الوجع ما كان من الضربة ولا من الخوف من العمى والعتمة ولا من حقيقة إني هلا بشوف بعين وحدة بس”.
آخر إشي شفته بعينتين كان واحد مثلي مثلك، هيك بشبهنا وبحكي عربي مثلنا لكنه مش منا وع كتفه نجمتين وهو بحكيلنا أنو المواجهات على الحاجز عيب وانو بصرش نعمل هيك وضل واقف بينا وبين المستوطنين والجيش إللي هاجمين ع بيت من بيوت الناس إلي جنب المستوطنة”.

“أنا بدي احكيلك عن فلسطين إلي أنت بتفكر أنو بجوز ما تشوفها بحياتك والي أنا شفتها من شباك البوسطة تاعت السجن.. بدي أحكيلك عن البحر إلي اول مرة بشوفو كانت من شباك البوسطة تاعت السجن وأنا عمري 25 سنة وهو مش بعيد عن دارنا أكثر من نص ساعة ع البسكليت عن هاي البلد إلي متل الحلم .. ومتل اللعنة .. فلسطين الي ما بشوفها منيح وبقدر يشوف قديش هي حلوه الا الي بتكون عينيه حمر من الدمع والدم ..وأيديه مكلبشة بالحديد.. فلسطين الي ما بشوفها ولا بعرف قديش حلوة وقديش بتستاهل الا بفقد قطعة من لحمو وقطعة من عمره عشان ترجع .. وعشان نرجع”.

يتسائل سعد “أكيد بتسأل حالك ليش ضربوني بعيني .. ليش بيضربونا بعينينا..”.

“مش لانهم حاقدين ولا لانهم مجرمين ولا أنهم انذال بس.. بضربونا بعينينا عشان ما يشوفو نهايتهم فيها.. عشان ما يشوفو فلسطين إلي بعينين كل واحد فينا بتقرب يوم عن يوم وتصير أقرب وكذبتهم كل يوم بتصغر وبتتكسر وبتنخلع من الارض زي السلك الزائل .. بضربونا بعينينا وبرجلينا عشان ما نعرف الطريق لفلسطين من وين وما بعرفو انو فلسطين بنشوفها وبتشوفنا حتى لو راحت عنينا .. انا كنت أفكر إنو عيني بعد الاصابة ما رح تشوف مرة تانية زي ما كل الدكاترة حكولي..”.

“لكن في يوم من أيام الحرب ب 2014 كان العسكر تاع السلطة مسكر الطريق بالمتاريس والدروع والعصي بين الناس وبين مستوطنة بيت ايل، ولما وصلت المسيرة عند العسكر ضربونا وضربو علينا غاز اشتروه من مصانع المستوطنات الاسرائيلية في الضفة والناس كانت تهرب من الضرب والغاز تاع حكومتنا وشرطتنا وتراجعت لآخر الشارع وتفرق الشباب بين الحارات وقتها عيني حرقتني كثير ودمعت ومكنتش قادر افتحها بس بعد بشوي سمعت واحد بين الناس بصيح وبقول خطفنا جندي خطفنا جندي.. أولها ما صدقنا .. بس لما سمعنا بيان المقاومة الناس صاحت كلها مع بعض من الفرح وركضت باتجاه العساكر إلي هربو من قدام الناس إلي كملت باتجاه المستوطنة واشتبكت مع الجيش .. هاي اللحظة أنا كنت شايف بعيني التنتين .. كنت شايف فلسطين بتقرب أكثر”.

“وكل مرة بنرد الصاع للاحتلال وبنوجعهم بحس عيني رجعت تشوف..”.

يقول سعد: “بعد فترة نسيت إني ما بشوف الا بعين وحدة …”.

“قبل كنت بخاف اركض بخاف العب “فطبول” أو أسوق سيارة بسكليت حتى .. بس بعد فترة تعودت رجعت اركض واعمل كل اشي تقريبا زي اول ومعدتش حسيت إني ناقص عن الناس باشي وبطل حدا بعرف اني بشوف بعين وحدة”.

“البلد هاي الي زي الحلم وزي اللعنة هي بلدنا احنا .. ما بشوفها الي ايدو بايد المحتل ع ولاد شعبو.. وما بشوفها الي بوخد الي قتلونا وسرقو بيوتنا بالاحضان .. البلد هاي ما بشوفها الي بشحد عليها وعلينا وبركب وأولاده التنابل مسؤولين علينا”.

“البلد هاي ما بشوفها اللي غارق هو وأولاده بالعسل ع حساب دمنا وحياتنا واحنا والبلد غارقين بالدم والهم والخراب .. البلد هاي ما بشوفها الي بقطع رواتب الغلابة اسرى واهالي شهدا وموظفين مسكين وبفصل معلمين وموظفين وبقطع رزقهم عشان قالو بكفي تسرقونا .. هاي البلد ما بشوفها الي بقولو عن حالهم قيادة وبتقاتلو ع الكراسي وبينامو شبعانين والناس جعانة وبنامو دفيانين والناس بردانة وبنامو مرتاحين والناس مظلومة وكرامتهم مهانة هاي البلد ما بشوفها الي بغير لجيبات الجيش البنشر هاي البلد ما حدا بشوفها غيرك”.

أنا كنت دايما اتطلع من شباك البوسطة ع فلسطين .. عسقلان والسبع والكرمل وبحر حيفا وبيسان وطبريا وام خالد والنقب.. كنت اسال حالي بيجي يوم ونقدر نشوف هاي البلاد من غير سياج ومن غير ما نكون مكلبشين ولا خايفين حدا يسألنا عن تصريح أو هوية؟

كل الناس كانت تقول مستحيل صعب.. زي ما كانوا يحكو عن المستوطنات إلي كانت بغزة مستحيل يطلعو ..

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات