الإثنين 03/يونيو/2024

القطار الهوائي.. حلقة من حلقات التهويد

راسم عبيدات

صادقت ما يسمى بـ”لجنة تطوير البنى التحتية القومية” الإسرائيلية على إقامة قطار هوائي يتجه إلى الشطر الشرقي من مدينة القدس المحتلة، وتشرف على هذا المخطط التهويدي وزارة السياحة الإسرائيلية، وما يسمى «بسلطة تطوير القدس»، وهذا المخطط التهويدي جزء من مخطط ينفذ على ثلاث مراحل؛ مرحلته الأولى تبدأ من محطة القطار العثمانية القديمة في “القدس الغربية”، منطقة الثوري، المروحة الهوائية، ومن ثم السير باتجاه باب النبي داود في المنطقة الحرام سابقاً، ومنها إلى باب المغاربة كمرحلة أولى، ثم يتجه إلى جبل الزيتون ومن ثم إلى باب الأسباط كمرحلة ثانية.

وهذا المشروع الخطير يستهدف أولًا السيطرة على ما تحت الأرض؛ الأنفاق التي جرى حفرها وأنجز جزء منها وجزء آخر لم ينجز حتى الآن، حيث يجري ربط الأنفاق الموجودة داخل البلدة القديمة مع الأنفاق التي يجري حفرها في منطقة سلوان- وادي حلوة، وأيضاً يجري التحضير لافتتاح تلك الأنفاق وفق الفكر التلمودي التوراتي والرواية الصهيونية بالوجود اليهودي المزعوم في المدينة قبل 3000 عام.

المرحلة الثانية التي يجري العمل بها، حيث الاستيطان في المدينة يتكثف ويتصاعد ويترافق ذلك مع هدم واسع للمنازل الفلسطينية تحت حجج وذرائع البناء غير المرخص، والإخطارت بهدم الآلاف المنازل الأخرى، والاستيلاء على عشرات البيوت والأراضي المقدسية، وعمليات الطرد والتهجير لأحياء فلسطينية كاملة، كما يحصل في منطقة بطن الهوي في سلوان، كرم الجاعوني وحي الشيخ جراح، ونشهد هنا التركيز في الاستيطان والتهويد والطرد والترحيل على منطقة ما يسمى بالحوض المقدس، حيث يجري إقامة أحزمة استيطانية من الشمال والجنوب تحيط بالبلدة القديمة، ضمن سياسة التطويق والاختراق والتفتيت الصهيونية للأحياء العربية.

أما المرحلة الثالثة من هذا المخطط، فالهدف منها السيطرة على الفضاء المقدسي، وبما يغير المشهد بشكل كليّ من مشهد عربي- إسلامي إلى مشهد يهودي، وبما يفرض على المدينة رواية يهودية مزيفة. ولتعميق هذه الرواية، يجري إحاطة المسجد الأقصى بالكنس والأبنية التلمودية والتوراتية، بحيث تحجب المشهد العربي الإسلامي وتغيبه لصالح مشهد يهودي تلمودي توراتي وبالذات في البلدة القديمة.

إن هذا المشروع سيكون له تداعيات خطيرة على المدينة المقدسة وأسوارها والمسجد الأقصىى المدرجة وفق منظمة «اليونسكو» ولجنة التراث العالمي التابعة لها، كمناطق أثرية عربية إسلامية، يجب عدم المس بها، فالأعمدة التي ستحمل محطات القطار، والبالغ ارتفاعها 26 متراً للعامود الواحد، وما تحتاج من حفر عميق في الأرض، مما سيحدث تصدعات في جدران سور القدس وأساسات المسجد الأقصى، ناهيك عن تشويه المشهد الحضاري وعراقة البناء وجمالية المنظر.

وتاتي المصادقة على هذا المخطط التهويدي، بعد تدشين الحدائق التلمودية والتوراتية في منطقة القصور الأموية، وكذلك تدشين شبكة الأنفاق في منطقة ساحة حائط البراق لتمتد تحت البلدة القديمة وعين سلوان، وجرت أيضاً مخططات المصادقة على متنزه في جبل الزيتون يطل على البلدة القديمة، بالإضافة إلى أنه يجري التحضير للمشروع الاستيطاني السياحي المسمى بـ”اوميغا”، النزول على الحبل.

حكومة الاحتلال تبرر إقامة مثل هذا المشروع التهويدي، بأن الهدف منه التخفيف من أزمة الحافلات السياحية في منطقة حائط البراق، ولكن واضح بأن هناك كذبا فاضحا ومكشوفا؛ فوزارة المواصلات الإسرائيلية كما يتضح من المناقصات المعروضة، ليست شريكاً في هذا المشروع، كما أن ما يسمى سلطة تطوير القدس لم تعرض جدوى اقتصادية من هذا المشروع.

ولذلك فإن اعتقادنا الجازم بأن الهدف من هذا المشروع، هو تعميق سيطرة الجمعيات الاستيطانية من “العاد” و”عطرات كوهنيم” على المنطقة،؛ فجمعية “العاد” الاستيطانية شريك رئيسي في هذا المشروع، حيث يجري التخطيط لإقامة بناء ضخم في محطة القطار في منطقة “كيدم” لجمعية ” العاد” يتكون من مركز تجاري وآخر سياحي.

وبالتوازي مع هذا المشروع يجري الإعداد لإقامة مشروع من البنايات الكبيرة على ما تبقى من مقبرة مأمن الله في الشطر الغربي من المدينة، كبرى المقابر الإسلامية وأعرقها وأقدمها، حيث يدفن فيها الكثير من العلماء والشهداء والأئمة والصحابة، وضمن هذا المشروع المطروح، سيتم الاحتفاظ بما يعثر عليه من رفات شهداء وعلماء وأئمة المسلمين في صناديق تحفظ في مخازن بلدية “القدس” تضاف إلى 400 صندوق لرفات محفوظة في مخازن البلدية عثر عليها في حفريات سابقة.

فلسطينياً وعربياً وإسلامياً، ومن أجل التصدي لهذا المشروع التهويدي الخطير، يجب أن لا يبقى ذلك في إطار بيانات الشجب والاستنكار، والقول أن إسرائيل (القوة القائمة بالاحتلال) تضخ المليارات الآن لتغيير معالم القدس العربية من خلال الحفريات والأنفاق وسرقة التاريخ والآثار وبناء المستوطنات، إضافة إلى بناء الكنس والحدائق التلمودية لتغيير الواقع التاريخي في القدس. فأين هي مليارات العرب والمسلمين التي يفترض أن تحمي الوجود العربي الإسلامي في المدينة وتثبّت المقدسيين على أرضهم وفي قدسهم؟! هذه المليارات التي “يستحلبها” الأجنبي عنوة من العرب، فماذا لو خصصتم الجزء اليسير منها إلى القدس، فالقدس هي مسؤولية ليس أهلها وأهل فلسطين فقط، بل مسؤولية العرب والمسلمين جميعاً. وكذلك لا ينبغي لنا استمرار الركون إلى الهيئات والمؤسسات الدولية، التي تكتفي بالتقارير وإعداد المذكرات وبيانات الشجب والاستنكار، والقرارات التي لا تحمل الطابع الفعلي والتنفيذي.

ولذلك فنحن نرى بأن “اليونسكو” مطالبة بتحمل مسؤولياتها بالتدخل السريع والعاجل لوقف تنفيذ المشروع الاستيطاني التهويدي، الذي يهدد تاريخ القدس وتراثها الحضاري الإنساني، ويهدد أهم معالم القدس التاريخية الحضارية الإسلامية المسيحية من خلال إمعان سلطات الاحتلال الإسرائيلي في ارتكابها الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وتصعيد العدوان على الشعب الفلسطيني وحقوقه ومقدساته في غياب المحاسبة والمساءلة.

إن هذا المخطط التهويدي الخطير يضاف له الكثير من المشاريع التهويدية المصحوبة بمجموعة من القرارات والتشريعات العنصرية، الهدف منها طرد وتهجير السكان الفلسطينيين العرب منها، وجعلها “عاصمة” ليس لدولة الاحتلال، بل لكل يهود العالم، وبما يضمن بقاءها موحدة وغير مقسمة، لا سيادة فلسطينية عربية عليها وعلى مقدساتها وفي مقدمتها المسجد الأقصى، فالقدس والأقصى دخلا مرحلة الخطر الشديد، فهل من مجيب في العالم العربي والإسلامي؟!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات