الخميس 09/مايو/2024

قرار حلّ المجلس التشريعي.. جدل السياسي والقانوني

قرار حلّ المجلس التشريعي.. جدل السياسي والقانوني

أصدر مركز رؤية للتنمية السياسة، اليوم الأربعاء، ورقة عمل حول قرار رئيس السلطة محمود عباس حل المجلس التشريعي، ركزت على الأبعاد السياسية والقانونية للقرار.

وأشار المركز إلى القوى الوطنية، بما في ذلك فصائل منظمة التحرير الأساسية، والمؤسسات الحقوقية والأهلية، تكاد تجمع على قراءة حلّ المجلس التشريعي، بصفتها خطوة سياسية بثوب قانوني.

وفي الشق القانوني، أجمعت المؤسسات الحقوقية نفسها – وفق المركز- على أن القرار باطل لسببين: الأول هو الطعن في قانونية قرار تشكيل المحكمة الدستورية، والثاني هو أن قرار حلّ المجلس التشريعي مخالف للقانون الأساسي الفلسطيني.

وفيما يلي نص الورقة:

مقدمة

أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس أثناء اجتماع “القيادة الفلسطينية”1 يوم السبت 22/12/2018، أن المحكمة الدستورية أقرت حل المجلس التشريعي ، ودعت إلى إجراء انتخابات عامة بعد ستة شهور2.

بعد يومين فقط على إعلان الرئيس عبّاس، الذي تضمّن كذلك التزامه بتنفيذ القرار، نشرت الجريدة الرسمية قرار المحكمة، الذي بيّن أنه ناجم في الأصل عن دعاوى رُفعت عام 2017 إلى المحكمة العليا، وأحيلت في 2 كانون أول/ ديسمبر 2018، من وزير العدل إلى المحكمة الدستورية، بناء على تأشيرة رئيس مجلس القضاء الأعلى، رئيس المحكمة العليا؛ وذلك لأجل تفسير بعض مواد القانون الأساسي المتعلقة بالمجلس التشريعي. وبناء على ذلك، صدر القرار القاضي باعتبار المجلس التشريعي قد فقدَ صفته التشريعية، وبالتالي فقدَ صفة المجلس التشريعي، لعدم ممارسته اختصاصاته التشريعية والرقابية، وأن ولايته انتهت في 25 كانون ثاني/ يناير 2010. وعليه، فإنّ “المصلحة العليا للشعب الفلسطيني، ومصلحة الوطن”، حسب تعبير المحكمة، تقتضي حلّ المجلس التشريعي، واعتباره منحلًا منذ تاريخ إصدار قرار المحكمة. وتضمن القرار دعوة الرئيس عباس إلى إعلان إجراء الانتخابات التشريعية، خلال ستة شهور من تاريخ نشر القرار في الجريدة الرسمية3.

أثار القرار جدلًا واسعًا في بُعديْه القانوني والسياسي. وبينما لقي ترحيبًا من حركة فتح4، والقوى المقرّبة منها، فقد رفضته حركة حماس5، وشكّكت حركة الجهاد الإسلامي في دوافعه، وحذرت من نتائجه6، ورفضته من فصائل منظمة التحرير كل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين7، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين8. وقد انتقدت حركة المبادرة الوطنية حلّ المجلس التشريعي قبل إجراء انتخابات الرئاسة والمجلس التشريعي والمجلس الوطني9، ودعا حزب الشعب الرئيسَ الفلسطيني إلى التريث في تنفيذ هذا القرار، محذرًا من نتائجه10.

ميدانيًّا، وعلى إثر القرار، منعت قوات الأمن الفلسطينية نوابَ المجلس التشريعي من حركة حماس في الضفة الغربية، من عقد مؤتمر صحفي أمام المجلس التشريعي11، وأعلن الدكتور عزيز دويك، رئيس المجلس التشريعي، أنه تلقى استدعاء للمقابلة من جهاز المخابرات العامة12.

تقرأ هذه الورقة الحيثيات القانونية والملابسات السياسية لقرار المحكمة الدستورية، وتستعرض النتائج المحتملة له، والمترتبة عليه.

في السجال القانوني

أولًا: إشكالية المحكمة الدستورية

بدأ السجال القانوني مع قرار تشكيل المحكمة الدستورية العليا. فبالرغم من نصّ القانون الأساسي المعدّل لعام 2003، على تشكيل محكمة دستورية تتولى النظر في دستورية القوانين واللوائح وغيرها، وتفسير نصوص القانون الأساسي والتشريعات، والفصل في تنازع الاختصاص بين الجهات القضائية، وبين الجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي13، وبالرغم من صدور قانون المحكمة بالفعل عام 200614، وتعديله مؤخرًا من قبل الرئيس عبّاس عام 201715.. بالرغم من كل ذلك، فإنّ مسار المحكمة الدستورية ظلّ محلّ تشكيك ونقد، من قبل سياسيين وقانونيين، وذلك حتى قبل قرار تشكيلها عام 2016.

في عام 2006، وبعد إجراء الانتخابات التي فازت فيها حركة حماس، وقبل استلام المجلس التشريعي الجديد، شهد المجلس التشريعي السابق مناقشات حادة بشأن قانون المحكمة الدستورية. ثم في عام 2012، أصدر الرئيس عبّاس قرارًا بقانون بتعديل قانون المحكمة الدستورية، لم ينشر في رسمياً بعد سلسلة الانتقادات التي وُجّهت له من قبل مؤسسات قانونية وحقوقية، لا سيما بشأن التعديلات التي تمنح الرئيس خاصة، والسلطة التنفيذية عامة، سيطرة مطلقة على المحكمة16.

بعد عدول الرئيس عبّاس عن قراره السابق الذي أصدره في العام 2012 لتعديل قانون المحكمة الدستورية، عاد وأصدر قرارًا بقانون عام 2014 للغرض نفسه، أي لتعديل قانون المحكمة الدستورية، تعرض لانتقادات جوهرية، تمثلت في عدم الحاجة إلى محكمة دستورية في “دولة تحت الاحتلال، صغيرة ومحدودة المساحة وعدد السكان، وتعاني من انقسام سياسي ومؤسساتي وجغرافي”، ولانعدام الاتفاق المجتمعي المطلوب حول مؤسسة قومية. وإضافة إلى انتقاد توسّع الرئيس في إصدار القرارات التشريعية، فإنّ جملة انتقادات قانونية وفنيّة وُجّهت للتعديلات المشار إليها، من أهمها التعديلات التي تكرّس هيمنة السلطة التنفيذية على المحكمة17.

إلا أنّ أوضح الانتقادات التي شكّكت في شرعية المحكمة الدستورية، كانت بعد تشكيلها، وتعيين قضاتها من قبل الرئيس عبّاس في 31 آذار/ مارس 201618. فقد وجّهت على إثر ذلك المؤسسات الحقوقية والقانونية والأهلية في فلسطين، رسالة إلى الرئيس عبّاس تبدي فيها استغرابها من حالة التكتم والإسراع التي تمت فيها التشكيلة، دون الاستجابة لمطالب المؤسسات ذاتها، التي كانت قد قدمتها سابقًا للرئيس، قائلة إنّ تشكيل المحكمة الدستورية ينبغي أن يأتي بعد إجراء الانتخابات العامة، الرئاسية والتشريعية، وإعادة توحيد القضاء الفلسطيني، لا قبل ذلك، رافضة أي محاصصة سياسية، أو هيمنة حزبية على المحكمة19.

النقد القانوني الأكثر وضوحًا لتشكيل المحكمة الدستورية، جاء بعد قرار تفسيري من المحكمة بتاريخ 3 تشرين ثاني/ نوفمبر2016، الذي تضمن منح الرئيس محمود عباس صلاحية رفع الحصانة البرلمانية عن أي عضو من أعضاء المجلس التشريعي، في غير أدوار انعقاد المجلس، وبتشريع استثنائي. وقد صرّح نقد المؤسسات ذاتها، وهي مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، وشبكة المنظمات الأهلية، بانعدام قرارات المحكمة؛ لعدم استكمالها إجراءات تشكيلها20.

إنّ من أبرز الطعون التي وجّهت إلى قرار تشكيل المحكمة الدستورية، وكيفية تشكيلها، هو مخالفة القانون الأساسي. فمثلًا، أداء يمين هيئة المحكمة، وبخلاف القانون الأساسي، جرى دون حضور رئيس المجلس التشريعي، وقرار التشكيل لم يلتزم بنصوص القانون الأساسي، الذي يوجب أن يكون التشكيل بقانون، يبين طريقة تشكيل المحكمة والإجراءات واجبة الاتباع، والآثار المترتبة على أحكامه. كما أن تشكيلة المحكمة ضمّت لونًا سياسيًّا واضحًا، بما يمسّ بمبدأ استقلالية المحكمة، وحياديتها21.

اللافت أن رئيس المحكمة، سبق له عام 2013، وقبل توليه مهام منصبه، أن نشر رأيًا مسبقًا22، لا يعترف فيه بسموّ القانون الأساسي، ويعتبر أن المجلس التشريعي قد انتهت ولايته، وأن الرئيس يحقّ له رفع الحصانة عن عضو المجلس التشريعي، وأن حالة الضرورة تمنح الرئيس صلاحيات شبه مطلقة، وأن الشرعية الاستثنائية تحلّ محل الشرعية العادية. الأمر الذي يؤكد عدم صلاحية رئيس المحكمة للنظر في أي طلب تفسيري، أو نزاع دستوري مرجعه القانون الأساسي المعدل23. وكان الرئيس عبّاس بالفعل قد أصدر بعد ذلك قرارًا بقانون، يرفع فيه الحصانة عن النائب في المجلس التشريعي، والمفصول من حركة فتح، محمد دحلان24.

من ناحية أخرى، ظهر انحياز المحكمة الدستورية لإرادة السلطة التنفيذية، في سلسلة قرارات اتخذتها، منها منح القضاء العسكري صلاحياتٍ واسعة، ومنح الشرطة المدنية طابعًا عسكريًّا25. ومن الناحية الفنية القانونية الصرفة، رأت المؤسسات الحقوقية أن قرارات المحكمة الدستورية، تشكل خروجًا على جميع الأصول والمبادئ القانونية الحاكمة للقرارات التفسيرية، وغيابَ المنهجية واضحة المعالم، التي ينبغي أن تحكم القرارات التي تصدر عن قضاة المحكمة الدستورية العليا، وانعدامَ الأسانيد القانونية الواضحة، التي تبين الأساس الذي تُبنى عليه القرارات26.

ثانيًا- إشكالية حلّ المجلس التشريعي

يستند الطاعنون في قانونية قرار المحكمة الدستورية بحلّ المجلس التشريعي، إلى اعتبارين قانونييْن مركزييْن، الأول هو عدم دستورية المحكمة نفسها، على النحو الذي سبق بيانه، والثاني هو بطلان القرار نفسه من النواحي القانونية والفنية؛ وذلك لأنّ القانون الأساسي لا يجيز حلّ المجلس التشريعي على الإطلاق، حتى في حالة الطوارئ27. وعليه، وحسب مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، فإن قرار حلّ المجلس التشريعي، يشكل انتهاكًا للمبادئ والقيم الدستورية، وخاصة مبدأ سيادة القانون، ومبدأ الفصل بين السلطات، واستقلال القضاء كأساس للحكم الصالح. ووصفت هذه المؤسسات القرار بأنه قرار سياسي وغير دستوري، ويشكل سابقة خطيرة للقيام بحلّ أيّ مجلس تشريعي منتخب قادم28.

وبالإشارة إلى مخالفة قرار تشكيل المحكمة الدستورية العليا للقانون الأساسي، ولقانون المحكمة نفسها، ولخطورة المحكمة الدستورية على النظام السياسي برمّته، واعتداءاتها المتكررة على القانون الأساسي وسموه، وعلى الحقوق والحريات، وعدم امتثالها للشروط الموضوعية الحاكمة للقرارات التفسيرية، فإنّ المؤسسات المشار إليها، طالبت الرئيس عبّاس بسحب قرار تشكيل المحكمة الدستورية العليا، ودعته إلى الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات العامة على أساس قانون انتخابي، ومحكمة لقضايا الانتخابات، وبتوافق وطني، وتهيئة بيئة انتخابية حرة ونزيهة للعملية الانتخابية، والتحول الديمقراطي29.

قالت المحكمة الدستورية في حيثيات قرارها، إن استمرار حالة عدم انعقاد المجلس، وتعطله وغيابه، يؤدي إلى انتهاك أحكام القانون الأساسي، وأحكام قانون الانتخابات العامة، وإلى المساس بالمصلحة العامة، وانتهاك مختلف الحقوق القانونية والدستورية للمواطنين، وحقهم في إصدار التشريعات من طرف المجلس، ومن ثم فقدان حقهم في المشاركة السياسية30. بيد أن المحكمة لم تُشر إلى تعطيل حقّ المواطنين في المشاركة السياسية من جهة عدم انتخاب رئيس للسلطة، كما أنّها لم تتوقف عند الأسباب الفعلية المعطّلة للمجلس، وهي عدم دعوة الرئيس لانعقاد المجلس كما ينصّ القانون الأساسي31، واتفاقيات المصالحة32. وإذا كانت حيثيات قرار المحكمة قد أشارت إلى دعوة الرئيس لانعقاد المجلس التشريعي في تموز/ يوليو 2007، وهو ما لم يتمّ بسبب أحداث الانقسام، فإنّها لم تشر إلى امتناع الرئيس عن دعوته بعد ذلك، لا سيما مع نصّ اتفاقيات المصالحة على ذلك.

وبخصوص تفسير المحكمة للمادة (47 مكرر)33 من القانون الأساسي المعدّل، التي عُدّلت عام 2005، وتنصّ على أنّ مدة ولاية المجلس التشريعي القائم، تستمر حتى أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستوري، فإنّ المحكمة الدستورية رَهَنَتْ فاعلية هذه المادة، بأنْ تجري انتخابات تشريعية في موعدها المقرر دستوريًّا، أي مرة كل أربع سنوات كما نصت عليه المادة (47/3)، وبصورة دورية.

بيد أن قرار المحكمة لم يلاحظ في هذه الحالة، وبالاعتبار نفسه، أن منصب الرئاسة يُعدّ شاغرًا، إذ نصّت تعديلات عام 2005 نفسها، على أنّ “مدة رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية هي أربع سنوات، ويحق للرئيس ترشيح نفسه لفترة رئاسية ثانية، على أن لا يشغل منصب الرئاسة أكثر من دورتين متتاليتين”34. وهذا يعني أنّ الرئيس عبّاس، الذي ما زال في منصبه منذ 13 عامًا، وبما يساوي ثلاث دورات وربع الدورة، ينطبق على وجوده الكثير من المآخذ التي ذكرتها المحكمة بحق المجلس التشريعي، ومنها تجاوز ولايته القانونية دون انتخاب، وبما يزيد عمّا حدّده القانون الأساسي.

هذه الحيثية دعت بعض المراقب

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات