الإثنين 13/مايو/2024

الإرادة السياسية وواقع التغيير

أحمد أبو زهري

الحالة الفلسطينية بتعقيداتها تدخل مع العام الجديد (2019) في منحنى خطير من جراء الخطوات التى اتخذها رئيس السلطة وحركة فتح محمود عباس، وعلى رأسها وتكاد تكون أخطرها، حل المجلس التشريعي والإعلان عن موعد للانتخابات دون توافق وطني.

لم يقف الأمر عند حل التشريعي وتحديد موعد للانتخابات، وإنما واصل عباس ومسؤولو فتح والقوى الحليفة لهم في منظمة التحرير، مهاجمة حركة حماس وإطلاق التحذيرات لها حال رفضها المشاركة في الانتخابات، وهو تكرار لنفس السياسة المتبعة تجاه قطاع غزة، واستمرارًا لذات النهج في التفرد والإقصاء واختطاف السلطة.

إن الإرادة السياسية الصادقة والرغبة الوطنية الحقيقية في التغيير تتطلب التصرف بمسؤولية والتحرك من منطلق جمعي يؤمن بالمشاركة لا المحاصصة، لكن يبدو أن الأمر ليس صراعًا على شرعيات بل نية مبيتة للانفصال، وتجاهل قطاع غزة وتوجيه خطوات أكثر قسوة تجاه حركة حماس لرفضها كل الإملاءات والاشتراطات التي تمرر من خلال السلطة خدمة لأغراض دولية استعمارية خبيثة، لتنال من حالة الثبات والصمود التي رسختها المقاومة.

لعله لا يغيب عن الأذهان أنه وخلال عقود من الزمان وعلى مستوى الوطن العربي وليس الأراضي الفلسطينية، كانت الانتخابات أقرب للشكلية، لتفريغ إرادة الشعب للترجمة وفق رغبة الحكام حتى وإن بدا للشعوب غير ذلك، وقد وجدنا صورًا مختلفة لمواقف الأحزاب والتكتلات السياسية التي تباينت ما بين التأييد والمقاطعة، والتشكيك في صحة إجرائها والنتائج التي أفرزتها.

نعم، ففي بعض البلدان كانت النتائج قد حسمت أصلًا قبل انطلاق الانتخابات، وأعدت القوائم الفائزة خلف الكواليس، فيما ترك الشعب يمارس هذه الطقوس دون أن يعي ما ستفرزه هذه العملية، وفى حالتنا الفلسطينية لا ننفصل عن هذا الواقع، فنحن ما زلنا نعيش في نفس الحلبة وندور في فلك ثقافة عتيقة متجذرة تستوجب تأكيد شرعية الحاكم.

فمن هذا الذي يسمح لنفسه أن يختطف الشرعيات، ويضرب القوانين والتشريعات بمطرقة الانفصال التي تقسم ظهر البلاد.. هل بات المطلوب الاستسلام فقط والانصياع وإلا ستذهب الرياح لتعصف بنا وتسقط أشرعة الصمود وسيغرقنا تسونامي عباسي قادم لا يبقي ولا يذر!! ما هكذا تدار الأزمة السياسية، ولا هكذا تبحر سفينة النجاة من الانقسام.

ما تقدم لم يكن من فراغ، إنما أثاره تصريح عضو مركزية فتح محمد شتية، لوكالة “وفا” السبت الماضي، عندما قال: “في حال رفض حماس للانتخابات سنذهب لصيغة أخرى حفاظًا على مؤسسات الدولة”.. وهذا يشي بمخطط تدبره فتح لإقصاء شعبنا في غزة عن الانتخابات تحت حجة رفض حماس الانتخابات بالمقاس والشروط الفتحاوية.

هل يمكن أن يتصور إجراء انتخابات دون غزة أو في ظل مقاطعة غالب الأحزاب السياسية، خصوصًا أن شعبنا لديه رغبة جامحة في تغيير الواقع المأساوي والكارثي من جراء الانقسام، ولا ينتظر من رئيس السلطة وفريقه مزيدًا من الالتفافات والمغامرات التي أدخلت قضيتنا الوطنية في نفق مظلم.

ولا تزال الرغبة في التغيير حاضرة لدى شعبنا وقواه الحية، لا تغيير للمجسمات والأشخاص أو طريقة الخطاب بل تغيير للواقع السياسي برمته، يطال البرامج والأدوات والطرق والأهداف.. تغيير تتشابك فيه كل مكونات القوة وتلتحم فيه كل أطياف الشعب، وتتخندق فيه البندقية مع العمل السياسي، وينتخب فيه رئيس يلبي رغبات الشعب وتمنح الثقة لحكومة وطنية، وبرلمان يبقى أمينًا وحارسًا، ومجالس وطنية أخرى تفتح على مصراعيها لاحتضان كل القوى والفصائل ولا توصد بابها بانتقائية.

أما وقد عصفت بنا المخاطر وأصبحنا في مهب الريح، فإن الطريق للتغيير يبدأ بسلسلة من الخطوات السياسية والقانونية التي تمهد لانتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى نشهد التحول التدريجي في المشهد، ونوجد تداولًا سلميًّا للسلطة، وننهي الانقسام ونعيد ترتيب البيت الفلسطيني، ونتجنب حالة الجنوح التي وصل إليها رئيس السلطة وفريقه.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات