انهيار التفوق الأحادي
فى الحروب الحديثة لا يوجد للعدو خط واضح وأهداف ثابتة، لذلك تبذل الاستخبارات جهداً معلوماتياً هائلاً مستعينة بقدرات متنوعة سخرت لهذا الغرض للقضاء على التهديدات المتنامية، فالنظام التقليدى لم يعد يجدي نفعاً لأن العدو يتحرك فى الخفاء، من هنا تتحرك عيون الاستخبارات لإبقائه تحت النظر، ومن ثم اتخاذ الوقت المناسب للإجهاز عليه.
وفى الحرب الاستخبارية وصراع الأدمغة الحاصل بين المقاومة الفلسطينية وبين الأجهزة المختلفة طرف العدو الإسرائيلى، لا يمكن لعقل أن يتصور خطورة وحساسية ما يجرى، فثقافة هذا العدو الاستخبارية تقوم على بناء أجهزة أمنية واستخبارية مختلفة، لتحقيق الهدف الاستراتيجى وهو توفير الحماية للأمن القومى الإسرائيلى؛ لكونهم يعيشون فى ظروف مختلفة فى ظل محيط من الأعداء فى جبهات مختلفة بما فيها العدو الفاعل المقاومة الفلسطينية التى تجمع النقاط بحذر وتراكم المعلومات حول ما يجرى فى جبهات العدو وتحتفظ بذخيرة كافية من الأهداف.
صراع خفى يجرى قد لا يلحظه الكثيرون؛ لأن الأمر فى الظل (يبقى) بعيداً عن الأضواء، ففى كثير من الأحيان تتقدم المقاومة جيداً فى عملها الاستخبارى تجاه العدو ولا حاجة لها فى النشر والإعلان، والعدو يحاول فى كل مرة ترميم صورته بعد كل انتكاسة، فبالرغم من القدرات والتجهيزات الضخمة والنوعية والتفويض الذى تتمتع بها هذه الأجهزة الصهيونية فإنها تلقت ضربات أفقدتها صوابها، فالمقاومة فى كل ساعة تغلق نوافذ جديدة فى وجه العدو وتقطع خطوطًا أخرى عليه، حتى بدا مشوشاً؛ فحجم المعلومات عن الأهداف بدا منخفضاً، فملاحقة العملاء وكشفهم وفك الرموز وتعطيل الأجهزة لم يتوقف.
لم يعتد ضباط الاستخبارات الإسرائيليين على حالة الفشل فى ظل سجل النجاحات المتكررة فى الساحات العربية وغيرها، وبالرغم من المعالجات المستمرة وتقديرات الموقف إلا أنهم فى حالة عجز، فكل الإمكانيات المتطورة لا تستطيع حتى الدخول إلى عقل المقاومة وفهم ما يجرى أو المساس بجدول العمليات أو فك شيفرات بقت مجهولة وعصية على الفهم فى عمليات الخطف وغيرها.
وما حدث فى شرق خان يونس ليس إلا جولة من الجولات القاسية فى سجل الإخفاقات التى مست كرامة ومكانة ومنظومة الاستخبارات الأسرائيلية، لقد أصيبوا بالصدمة وهم يتابعون فى غرف المتابعة خلف الشاشات قائد القوة الخاصة الإسرائيلية وهو يتعرض للطلقات ويسقط صريعاً ومن ثم تحاصر قواته، كانت فى هذه اللحظة التعليمات العاجلة باستخدام النيران بكثافة وقصف كل هدف يتحرك لإنقاذ قواته ونخبته بعد أن سقطوا فى الوحل، وقد بدت المقاومة مسيطرة، وفى لحظات يبدأ القصف للقطع والعزل والتشويش والإنقاذ ولم يمنع المقاومة ذلك من استنفار قواتها وتعريض طائرات العدو للخطر من خلال محاولة استهدافها، وقد تحدث الطيار وبعض الفرق المساهمة فى الإنقاذ أنه حدثت معجزة حين خرجت باقى القوة أحياء، لم تغادر الطائرات قبل أن تقصف المركبة الخاصة بقواتهم لإخفاء كل المعلومات حول هذه العملية قدر الإمكان.
يدرك العدو تبعات ما فعل فلقد كانت الضربة فى مقتل، لم يتخيل ما جرى لقواته، ولم يتوقع هذا المصير وفى داخل الغرف المغلقة لهذه الأجهزة تجرى تحقيقات لمعرفة ما جرى وكيف تم اكتشافهم، وأمام خيبة الأمل وانكسار قادة العدو والتداعيات الخطيرة لهذه العملية ووقعها السلبى على صانع القرار الذين دفع بعضهم ثمنًا موقعه السياسى، وقد يلحق العار والضرر بآخرين.
تلملم قيادات العدو الإسرائيلى ما تبقى لها من كرامة بعد الهزيمة والإهانة المحققة، وتحاول تدارك الأمر بنشر شائعات وروايات حول القوة وما حدث، رغبة فى إقناع وطمأنة جبهتها الداخلية وسعيها المساس المباشر بالشارع الفلسطينى ومكانة المقاومة واستطلاع المعلومات وردات الفعل، لكنها تفشل أيضاً فى تمرير ذلك، فوعي المقاومة ومصداقيتها لدى الشارع الغزيّ تجعلها فى الصدارة، وقد أدارت المعركة بهدوء أعصاب وأحاطتها بسرية تامة وأخفت ما لديها، وقد حطمت نظرية التفوق الأحادي التي لطالما تغنى بها العدو، إلى أن بعث أحد قيادات المقاومة فى حفل تأبين شهداء العملية بإشارات توحي بما تخفيه المقاومة من حجم كبير من التفاصيل والمعلومات التى لا حاجة لنشرها الآن.
لكن كانت الإشارة واجبة فى ظل ترقب العدو للخطاب ليزداد ارتباكه أكثر وتزيد مشقته عما يجرى فى عقل المقاومة وفى دوائرها المغلقة، ولأن شعبنا يؤمن تماماً أن تضحياته المتواصلة ورهانه على المقاومة والتفافه حولها هو السبيل لمواجهة الأخطار التى تتهدد قضيتنا الوطنية. لقد غادر السنوار منصة الحفل وترك الباب مفتوحاً للتساؤلات؛ ما الذي تخفيه المقاومة من تفاصيل ومعلومات فالأيام دوَل، وما فعلته المقاومة هى صفعة مؤلمة لقادة العدو واستخباراته الخائبة.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
مواجهات عقب هجوم للمستوطنين جنوب نابلس
نابلس – المركز الفلسطيني للإعلام اندلعت مساء اليوم الاحد، مواجهات بين المواطنين والمستوطنين وقوات الاحتلال في بلدة قصرة جنوب شرق نابلس....
تفاصيل جديدة حول كمين كتائب القسام في حي الزيتون
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشف مصدر قيادي بكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اليوم الاحد، بعض تفاصيل الكمائن التي نفذتها الكتائب، الجمعة...
خلال 24 ساعة.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 50 من جنوده باستهدافات المقاومة بغزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلن جيش الاحتلال، إصابة 50 من جنوده وضباطه، في المعارك الدائرة في قطاع غزة، خلال الساعات الـ24 الماضية. وارتفعت...
صحة غزة: 500 شهيد من الطواقم الطبية منذ بدء العدوان
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، استشهاد 500 من الطواقم الطبية جراء عدوان الاحتلال المستمر على قطاع غزة منذ 219...
بدران: مطالب وفدنا المفاوض محل إجماع وطني والاحتلال تزداد عزلته
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أكد حسام بدران رئيس مكتب العلاقات الوطنية في حركة حماس على وحدة الموقف الفلسطيني في الجانب السياسي والتفاوضي، مشيرًا...
هربًا من حمم القصف.. النازحون يفترشون لظى الرمال بشاطئ غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام يكابد الفلسطيني مرارات العدوان الإسرائيلي والإبادة الجماعية بغزة إلا أنه لا ينكسر ولن ينكسر... فإرادته فولاذية وعزمه...
حماس تثّمن انضمام مصر لدعوى جنوب أفريقيا ضد الاحتلال في محكمة العدل الدوليّة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ثمّنت حركة المقاومة الإسلامية حماس، يوم الأحد، إعلان جمهورية مصر العربية الشقيقة اعتزامها الانضمام إلى الدعوى...