الأحد 12/مايو/2024

عسكرة القضاء في الضفة.. واقعٌ يتكرّس بغطاء الدستورية

عسكرة القضاء في الضفة.. واقعٌ يتكرّس بغطاء الدستورية

أثار القرار التفسيري للمحكمة الدستورية العليا حول الطبيعة القانونية للشرطة، مخاوف الحقوقيين الفلسطينيين من توجهات السلطة لعسكرة القضاء، بالتوازي مع إجراءاتها للهيمنة على منظومة القضاء في الضفة المحتلة ليكون في خدمة القائمين عليها.

قرار المحكمة التي حظي تشكيلها في حد ذاته بجدل في قانونيته، أخذ طابعاً عسكرياً؛ إذ عدّ الشرطة الفلسطينية قوة ذات طابع عسكري تخضع للقضاء العسكري، متراجعاً بذلك عن قرار تفسيري سابق يصنف اختصاصات الشرطة مدنية.

ومنح القرار التفسيري القضاء العسكري ولاية هائلة على المدنيين، بتوسعه بلا حدود في تفسير الشأن العسكري، الذي يحدد ولاية القضاء العسكري، مخالفاً بذلك القانون الأساسي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وما استقرت عليه الأنظمة الديمقراطية منذ زمن طويل، ومتجاهلاً الممارسات الفضلى بل التوجه العالمي الذي يعد الشرطة جهازاً مدنياً، كما ويحظر عرض المدنيين على القضاء العسكري، وفق مؤسسة الحق.

غياب الفصل بين السلطات
وينتقد الدكتور عزمي الشعيبي، مستشار مؤسسة أمان من أجل النزاهة والمساءلة، التراجع السحيق للسلطة القضائية التابعة للسلطة الفلسطينية، والتأثير على استقلاليتها من السلطة نفسها.

ورأى الشعيبي في حديث خاص لمراسلنا أن إنشاء المحكمة الدستورية وما رافقه من انتقادات وتأثيرات على عملها بمنزلة إنهاء للمنفذ الوحيد للمواطن للحصول على العدالة؛ لكونه وصل لقناعة أن السلطة القضائية اليوم مسيطر عليها، فلا فصل بين السلطات الثلاث.

ويسود اعتقاد لدى الخبراء الفلسطينيين أن تأسيس المحكمة الدستورية جاء لتنفيذ أجندة معينة للسلطة التنفيذية؛ لضمان سيطرتها على باقي السلطات.

وصدر القرار التفسيري للمحكمة الدستورية رقم (2/2018) بتاريخ 12/9/2018 بشأن الطبيعة القانونية للشرطة الفلسطينية، ومفهوم الشأن العسكري لغايات تحديد اختصاص القضاء العسكري، والمحكمة المختصة بمحاكمة عناصر الشرطة، وهو ما أعطى المؤشرات على توجهات عسكرة القضاء.

ويفتح القرار الباب لإحالة المدنيين على القضاء العسكري؛ الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من التدهور في حالة حقوق الإنسان التي تشهد أساساً حالة غير مسبوقة من التراجع في الآونة الأخيرة، وفق مؤسسة الحق.

تغوّل السلطة على القضاء

وينتقد شعوان جبارين، مدير مؤسسة الحق، تغول السلطة العسكرية على السلطة المدنية، ومحاولات توسيع دائرة القضاء العسكري على حساب دائرة القضاء المدني، وخاصة بعد التفسيرات المجحفة من المحكمة الدستورية لصلاحياتها التي عدّها الكثير من القانونيين عسكرة للنظام السياسي الفلسطيني والقضاء المدني.

وجاء قرار الدستورية المثير للجدل مع أزمة متفاعلة حول توجه السلطة للسيطرة على القضاء بذريعة إصلاحه بلجنة شكلتها تحت مسمى تطوير القضاء، وهو ما دفع قضاة المحكمة العليا الفلسطينية في 5 سبتمبر/أيلول، للتقدم باستقالات جماعية وضعوها تحت تصرف رئيس نادي القضاة، مطالبين بعدم الالتفات إلى توصيات لجنة تطوير القضاء لمساسها باستقلال القضاء ومبدأ الفصل بين السلطات، ولكونها وسيلة سهلة لإحكام السيطرة على القضاء من السلطة التنفيذية.

ويذهب جبارين إلى أن “ممارسات السلطة أشبه بالنظام الشمولي؛ فلا احترام للسلطات القضائية ولا التشريعية، وأصبحنا نُحكم ونُدار بعقلية الرجل الواحد التي لا ضابط لها “، منبها إلى أن حياة الفلسطينيين ومستقبلهم بات في خطر.

خروج عن الأصول القانونية
القرار التفسيري خرج -بحسب قراءة قانونية لمؤسسة الحق- وعلى نحو جوهري وجسيم عن جميع الأصول والمبادئ القانونية الحاكمة للقرارات التفسيرية، بل وذهب إلى أبعد من ذلك بتعطيل نصوص واردة في قرار بقانون الشرطة لسنة 2017 بالحكم بعدم دستوريتها وحظر تطبيقها من خلال طلب تفسيري ودون وجود خصومة قضائية أو نزاع مثار أمام المحكمة الدستورية ودون بيان أوجه المخالفة الدستورية للنصوص التي عطلت بالمخالفة للقانون الأساسي وقانون المحكمة الدستورية والمعايير الدولية، وبذلك فإن هذا القرار التفسيري “لا يحوز على أية حجية ولا يعدو كونه مجرد رأي صادر عن قضاة المحكمة الدستورية غير ملزم”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات