السبت 04/مايو/2024

الأسباب الموضوعية لتقدم اليمين في إسرائيل

الأسباب الموضوعية لتقدم اليمين في إسرائيل

منذ ما يسمى بالانقلاب في “إسرائيل” عام 1977م حيث وصل حزب الليكود لأول مرة في تاريخه إلى سدة الحكم، أصبحت الغلبة في الحياة السياسية سجالاً بين اليمين واليسار حتى منتصف التسعينيات؛ حيث بدأت حقبة سيطرة تجمع اليمين العلماني والديني المتطرف على مقاليد الحكم في “إسرائيل”، وهذا يعود إلى أسباب عديدة داخلية وخارجية، أدت إلى تآكل قوة حزب العمل ومعسكر اليسار بشكل عام، وتراجعه إلى مقاعد المعارضة ليشاهد من هناك سيطرة الليكود وأحزاب اليمين على الحكومات المتعاقبة، باستثناء مغامرة أيهود باراك التي سرعان ما انتهت وقد تكون أحد الأسباب التي أثارت شهية اليمين في السعي بالسيطرة على السلطة في “إسرائيل”، حيث أطاح باراك بأحلام كل اليسارين في “إسرائيل” بالتوصل إلى اتفاق سلام حين أعلن مقولته الشهيرة “إنه لا يوجد شريك في الجانب الفلسطيني،، ولكن هذا ليس وحده السبب في تراجع اليسار وتقدم اليمين، إنما هناك أسباب داخلية وخارجية أدت إلى ذلك، أبرزها:

– التغيرات الإثنية والديمغرافية:
إن أهم الأسباب التي أدت إلى تعاظم اليمين الإسرائيلي وتراجع اليسار هو التغيرات الديمغرافية والإثنية التي طرأت داخل “إسرائيل” خلال العقود الثلاثة الماضية؛ حيث أسفرت هذه التغيرات عن تبلور ثلاثة قطاعات سكانية داخل “إسرائيل”، وهي المهاجرون الروس الجدد، والشرقيون والمتدينون بشقيهم الصهيوني واليهودي الحريدي، حيث أصبحت هذه التجمعات تشكل أكثر من نصف السكان، وذلك بفعل الهجرة القادمة، وبفعل ارتفاع المواليد لدى هذه الفئات، قابلها انخفاض في المواليد لدى اليساريين، كما أن قوى اليسار لم تنجح في اختراق هذه التجمعات التي خضعت لتأثير نخب مثقفة ذات توجهات يمينية متطرفة، فالغالبية الساحقة من الروس مثلاً وهم يشكلون حوالي 20% من السكان محسوبون على اليمين، ولا يوجد لليسار تأثير يذكر عليه، ويشير البروفيسور سامي سموحة، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة حيفا، أن هناك عاملين دفعا المهاجرين الروس لتبني التوجهات المتطرفة، وهما:

أ. الرغبة في التميز عن المهاجرين القدامى، على اعتبار أن المواقف العنصرية تجاه العرب سينظر إليها دليلًا على الوطنية، حيث تبرز النسبة العالية لديهم في التطوع للخدمة في الوحدات المختارة للجيش.

ب. التعرض لتأثير النخب المتطرفة، ففي الوقت الذي أهمل اليسار المهاجرين الجدد، احتضن اليمين النخب المثقفة لديه وساعدها على بناء منابر إعلامية خاصة.
 
أما فيما يتعلق بالشرقيين، فإن معظمهم يرون أن الأحزاب اليمينة هي الكفيلة بالدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، وإنصافهم من الغبن الطائفي الذي يعانون منه منذ قيام “إسرائيل”.
 
وفيما يتعلق بالمتدينين، فالأمر ليس بحاجة إلى كثير من التوضيح لتبيان أسباب اندفاعهم نحو التوجهات المتطرفة؛ فمرجعياتهم الدينية تكفي لذلك.

– رواج نظرية انعدام الشريك:
لا شك أن الصراع العربيّ- الإسرائيليّ وتحديداً الفلسطيني، له أثره في السياسة الإسرائيلية، ومنذ رحيل يهود باراك عن الحكومة وهزيمته الساحقة أمام شارون قبل عقدين، واعترافه صراحة عند مغادرته الحكومة بشعار اليمين حيث قال: “أقر وأعترف أنه لا يوجد شريك فلسطيني في التسوية، لقد عرضنا على عرفات القمر لكنه اختار أن يردّ علينا بالإرهاب”، حيث تلقفت وسائل الإعلام الإسرائيلية “والتي في الغالب تشرف عليها نخب يسارية” هذه المقولة، وروجت لها ورسختها في الوعي الجماعي للجمهور الإسرائيلي؛ حيث أدى ذلك إلى قيام قطاعات جماهيرية إسرائيلية بتحويل ولائها من اليسار إلى اليمين شيئاً فشيئاً، ما أدى إلى تكريس واقع سيطرة اليمين على الحكم مع مرور الزمن، كما أدى رواج هذه النظرية “انعدام الشريك” إلى تحمس الجمهور الإسرائيلي للإجراءات القمعية واستخدام القوة المفرطة ضد الفلسطينيين.
 
– تآكل الفروق الأيدلوجية:
إن أحد أهم العوامل التي أدت إلى انهيار اليسار الإسرائيلي؛ هو حقيقة أنّ الجمهور الإسرائيلي لم يعد يلمس وجود فروق أيدلوجية ذات مغزى بين المعسكرين في أكثر من جانب، كما أن مشاركة حزب العمل في حكومة شارون ثم في حكومة أولمرت -وهما حكومتان مارستا القمع وشنّتا الحرب ضد الفلسطينيين في غزة- أدت إلى ترسيخ الواقع الذي يقول إنه لا يوجد ثمة فروق كبيرة بين اليمين واليسار؛ فكلاهما يمارس القمع ويقدس الاستيطان، كما أن اليسار يواصل طرح شعارات فارغة دون أن يدلل ولو بفعل واحد أن لديه طرحًا آخر مغايرًا لما يطرحه اليمين، فهو حتى عندما يطرح حل الدولتين يبقى متمسكاً بالمستوطنات الكبرى والقدس، ما يجعل طرحه حتى في عيون جمهوره الإسرائيليين غيرَ واقعي.

– السياسات الاقتصادية والاجتماعية:
 إن سياسة الخصخصة التي بدأت في “إسرائيل” منذ عقود وتسارعت رويداً رويداً، ألحقت أكبر الضرر باليسار الإسرائيلي، وساهمت بصعود نجم اليمين، وبدلاً من أن يواجه اليسار سياسة الخصخصة تواطأ في فرضها وغضّ الطرف عن مساوئها من أجل أن يضمن مقاعد لقادته حول طاولة الحكومات، كما حدث في عهد شارون وأولمرت؛ حيث باتت قطاعات واسعة في المجتمع الإسرائيلي تؤمن بأن اليسار ليس معنياً حقاً بتقليص الفقر والفوارق الثقافية وغيرها داخل المجتمع الواسع.
 
– غياب الشخصية القيادية الجامعة لدى اليسار:
فمنذ العام 1995م تعاقب على قيادة حزب العمل -الحزب الرئيس في أحزاب وسط اليسار- حوالي عشرة رؤساء كلهم قادوه للفشل، بينما تعاقب على قيادة الليكود فقط شارون ونتنياهو، وهم في أغلب الأوقات قادوه إلى سدة الحكم لما تمتعوا به من كاريزما قيادية وقدرات عالية في الحفاظ على تماسك الائتلاف الحاكم رغم العقبات.

ختاماً،  يمكننا أيضاً أن نضيف إلى كل الأسباب السابقة، سببًا خارجيًّا وهو نجاح حكومات اليمين الإسرائيلي في تحصيل أقصى الدعم الممكن من الولايات المتحدة، دون تقديم أي ثمن إلى جانب ما يتسرب من تقارير عن توثيق علاقات “إسرائيل”  السرية بالدول العربية، وأيضاً دون دفع ثمن ذلك التطبيع.

وقد يكون هناك أسباب عديدة أخرى أدت إلى سيطرة اليمين وتراجع اليسار في “إسرائيل”، لكن في اعتقادنا الأسباب التي ذكرت أعلاه هي أهمها.

المصدر: مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات