فك الارتباط عن غزة مجددًا
في العام 2005م، أقرّت الحكومة الصهيونية -برئاسة أرئيل شارون- خطة «فكّ الارتباط عن غزة»، وقامت بتفكيك مستوطناتها ومواقعها العسكرية التي في داخل قطاع غزة، كما وأخلت المستوطنين الصهاينة من القطاع، ليبدو الأمر على أنه انسحاب أحادي الجانب.
الانسحاب أو الهروب الصهيوني من القطاع كما تسميه فصائل المقاومة، كان لعدة اعتبارات من أبرزها أن شارون وجد فيه حلاً لمشكلة العمليات التفجيرية والفدائية الفلسطينية، التي كانت تستهدف مستوطنات الاحتلال بالقطاع بكثافة.
وقد شهدت الأسابيع والشهور الأخيرة قبيل انسحاب الاحتلال من القطاع عدة عمليات نوعية للمقاومة، استخدمت فيها فصائل المقاومة الأنفاق لتفجير المواقع العسكرية الإسرائيلية لأول مرة.
التكلفة الباهظة للبقاء الإسرائيلي في غزة كانت دافعاً لإقرارهم خطة فكّ الارتباط، لم تكن التكلفة فقط أمنية وعسكرية؛ ازدياد العزلة الدولية للاحتلال وارتفاع الأصوات العالمية المنادية بمقاطعته نتيجة جرائمه أثناء الانتفاضة سبب آخر دفع الاحتلال لتقديم استحقاق ميداني من طرف واحد، وقطع الطريق أمام المساعي السياسية الدولية التي دعت لكبح جماح الأحداث.
المشكلة الديموغرافية والتضاعف السكاني المستمر لسكان القطاع، كان ولا يزال مصدر قلق للصهاينة، وكان انسحابهم من غزة لإخلاء المسؤولية تجاه هذه المنطقة الجغرافية المتضاعف سكانها في مساحة ضيقة، تعتبر من الأعلى كثافة سكانياً في العالم.
فهو من جهة لا يريد تحمل أعباء السكان المعيشية، مع العلم أن غالبيتهم من اللاجئين الذين شرّدهم الاحتلال عن بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم، ومن جهة أخرى كان يرى في القرار خطوة لعزل كتلة سكانية كبيرة من الفلسطينيين بمنطقة جغرافية محدودة، للتخلص من تأثيراتهم الديموغرافية على الكيان الصهيوني في المستقبل.
المشاكل ذاتها تتكرر اليوم بصورة أخرى؛ فالاحتلال أجّل المشكلة، ولم يقم بحلها جذرياً، وظنّ أن إشغال الفلسطينيين بمشاكلهم الداخلية وحاجاتهم الإنسانية واشتعال فتيل الاحتراب الداخلي وتبعات الانقسام الفلسطيني، ستبعدهم عن خيار مواجهة الاحتلال ومقاومة عدوانه.
الاحتلال نجح في الخروج من غزة، لكن لم ينجح في التنصّل من المسؤولية تجاه أوضاعها الإنسانية الكارثية، وتزداد الضغوط الميدانية والسياسية عليه من أجل وضع حلّ لهذا الاستنزاف المتبادل على “جبهة غزة”، بعد أن أصبحت المستوطنات في «غلاف غزة» هي الأخرى معرضة للاستنزاف من قبل المقاومة، خصوصاً في الشهور الأخيرة.
أعادت مسيرات العودة وكسر الحصار القضية الفلسطينية ومشكلة حصار غزة إلى طاولة المباحثات السياسية مجدداً، واستطاعت غزة من جديد فرض نفسها وإعادة القضية إلى المشهد مجدداً، على إثر ذلك نشطت الجهود الإقليمية والدولية من أجل الوصول إلى تهدئة متكاملة لعدة سنوات على جبهة القطاع.
تمثل غزة لعنةً أو صداعاً مزمناً للاحتلال، وكلما ظنّ أنه تخلص من الصداع عاد إليه مجدداً، حاول في حروب مدمرة 3 مرات خلال الـ 10 سنوات الأخيرة وضع حدٍّ للصداع الغزي، إلا أنه سرعان ما يعود أقوى من ذي قبل، الأمر الذي عزّز القناعات بفشل الخيارات العسكرية مع غزة لدى قطاع واسع من الساسة «الإسرائيليين»، ودفعهم لتفضيل خيارات أخرى منها التضييق الاقتصادي والخنق أو محاولة الوصول إلى تسوية.
تدور في مصر خلال الفترة الحالية مباحثات غير مباشرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال، من أجل الوصول إلى تهدئة تشمل رفع الحصار والتخفيف من المعاناة الإنسانية للقطاع، الاحتلال يخشى أنه سيؤجل المشكلة مجدداً، لتتضاعف قوة المقاومة، ويبدو أن السلطات المصرية تراهن على قدرتها على احتواء الفصائل، والتدخل في إدارة أوضاع القطاع وترتيباته الداخلية مع الزمن، وتدريجياً ومنذ شهور، أصبح القطاع يعتمد على مصر في بعض الإمدادات الأساسية من البترول، ومؤخراً الغاز وأصناف مختلفة من البضائع تتزايد نسبتها، يجد الاحتلال في الأمر فرصة جيدة للتخلص من بعض أو كثير من تأثيرات الصداع الناتج عن غزة، ومع الزمن قد تتحول أعباء المشكلة فيما يتعلق بشؤون القطاع وحاجياته الإنسانية من الاحتلال تجاه مصر.
الأمر لا يعدو كونه تقديراً وتخوفاً في المرحلة الحالية، إلا أنه وارد، وينبغي التحسب له، وكلما كانت الانقسامات والتباينات داخل البيت الفلسطيني أقل، قلّ تأثير ودور الأطراف الخارجية، وتتحجّم قدرتها على العبث بالترتيبات الداخلية.
المصدر: العرب القطرية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
147 شهيدًا .. الإعلام الحكومي ينشر أسماء الشهداء من الصحفيين في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام نشر المكتب الإعلامي الحكومي قائمة بأسماء الشهداء الصحفيين جراء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر...
اجتياح رفح واحتلال المعبر.. هروب إسرائيلي إلى المجهول بحماية أمريكية
رفح - المركز الفلسطيني للإعلام في تجاهل واضح لكل التحذيرات الدولية، أعلن الاحتلال الإسرائيلي عزمه تكثيف الهجمات البرية على مدينة رفح وإرسال المزيد...
آلاف الأردنيين يشاركون في مسيرات دعم لغزة وتنديدًا بعدوان الاحتلال
عمّان - المركز الفلسطيني للإعلامشارك آلاف الأردنيين في عدد من المسيرات الشعبية في مختلف محافظات المملكة، بعد صلاة الجمعة اليوم، تحت عنوان: "رفح...
استشهاد الشاب ليث حنني متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد الشاب ليث نديم حنني، اليوم الجمعة، متأثرا بإصابته برصاص قوات الاحتلال في بلدة بيت فوريك شرق نابلس قبل 11...
أونروا: أكثر من 630 ألف فلسطيني تعرضوا للتهجير القسري من رفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلامقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" إن أكثر من 630 ألف فلسطيني أجبروا على الفرار من مدينة رفح جنوب قطاع غزة، منذ...
25 ألف مصلٍ يؤدون الجمعة في المسجد الأقصى
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أدى عشرات الآلاف من المواطنين صلاة الجمعة اليوم في المسجد الأقصى المبارك، رغم العراقيل والقيود التي فرضتها...
القسام تقطع خط إمداد الاحتلال شرق معسكر جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب "القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" أنها قطعت إمدادًا لجيش شرق معسكر جباليا شمال قطاع غزة واستهدفت دبابة...