الإثنين 12/مايو/2025

كرم أبو عرفات.. شهيد الانتظار على الحدود

كرم أبو عرفات.. شهيد الانتظار على الحدود

آخر عهده بالدنيا هو المثول وقوفاً قرب السلك الفاصل والتقاط صورة “سيلفي” قبل أن تنفجر قنبلة غاز في رأسه فتسقطه مضرجاً في دمه غائباً عن الوعي حتى رحيله.

في قرية عبسان جنوب قطاع غزة يتملّس الجيران والأقارب فراغاً تركه الشهيد كرم أبو عرفات (26 عاما) على ناصية الطريق التي اعتاد بيع المكسرات عندها ممازحاً الكبير والصغير ومسرعاً لإغاثة من يطلب العون.

وكان الشهيد عرفات قد أصيب بقنبلة غاز في رأسه أدت لجرح عميق وتلف جزء كبير من الدماغ أجرى بعده عدة عمليات ولازَمَ المستشفيات شهرًا ونصفًا عاجزًا عن استكمال العلاج في مصر والداخل المحتل.
;
واستخدم جنود الاحتلال قنابل الغاز في مسيرة العودة لإصابة أجساد المتظاهرين بشكل مباشر؛ ما أدى لاستشهاد وإصابة العشرات منهم، فيما تحدثت وزارة الصحة الفلسطينية عن استخدام غازات تؤثر على الجهاز العصبي للجرحى بشكل خطير.

سيلفي وقنبلة
لا تزال الصدمة تسيطر على الشاب جهاد عرفات (23 عاما)، ابن عم وصديق الشهيد كرم؛ فقد كان آخر من تبادل معه الحديث قبل إصابته القاتلة.

يقول جهاد: “ذهبنا سوياً، فهو اعتاد المشاركة السلمية، ويومها كانوا يطلقون غازًا من نوع جديد، وعندما أشهر هاتفه النقال لالتقاط صورة سيلفي أطلق جندي من بندقيته قنبلة أصابته في رأسه فسقط على الأرض ونزف دماء كثيرة”.

لم تُجدِ محاولات وقف النزيف وإنعاشه بالأكسجين في النقطة الطبية الميدانية، فأسرعوا به لعربة الإسعاف، وأدخلوه المستشفى الأوروبي، وأزالوا شظايا القنبلة التي أتلفت جزءًا من دماغه.

وكان الشهيد يوم إصابته قد أعدّ طعام الإفطار على مائدة رمضان لأشقائه وشقيقاته، وعندما أوشك الطعام على النضوج أوصى أحد أقاربه بتجهيز المائدة، وذهب هو للمشاركة في احتجاج مسيرة العودة السلمية.

ويؤكد إيهاب أبو عرفات، صديق الشهيد كرم، أن جنود الاحتلال أطلقوا الغاز بكثافة بعد مغادرة الطواقم الصحفية المكان، وأنه مع كرم حاولوا الهرب من الغاز المسيّل للدموع لكن القنبلة أطلقت على رأسه بشكل مباشر.

ويتابع: “كنت أراقب آخر لحظة في حياته وهو يلتقط صورة سيلفي، لكن القنبلة ارتطمت برأسه مباشرة، وأدت لجرح غائر ونزف غزير ثم صعدت معه عربة الإسعاف حتى أدخلناه المستشفى”.

ويذكر التقرير الطبيّ الذي اطلع عليه “المركز الفلسطيني للإعلام” أن الشاب أبو عرفات أصيب بقنبلة غاز يوم الثامن من يونيو أدت لتهتك أنسجة الدماغ وكسور متفتتة.
;
ويذكر التقرير: “أجريت له جراحة عامة لترقيع مكان الكسر، وأدخل العناية، وأجرى جراحة أخرى بسبب التهاب وخروج سائل الدماغ، وقد عانى ضعفًا شديدًا بالجبهة اليمنى وعدم إدراك لما حوله”.


تقرير طبي يوضح طبيعة إصابة الشهيد عرفات

رفيق الرحلة
وعلى باب منزل أبو عرفات في قرية عبسان، لا يزال أصدقاء الشهيد وأبناء عمومته يلازمون المكان لمواساة أبيه وأشقائه متبادلين على هواتفهم النقّالة آخر صورة (سيلفي) قبل إصابته بقنبلة الغاز.

عاش حمادة، شقيق كرم الأكبر، رحلة العلاج والتنقل بين حجرة العمليات والعناية المكثفة، وحاول اجتياز معبر رفح الحدودي في عربة الإسعاف لكن السلطات المصرية منعتهم من الدخول.

;
يقول حمادة: “الجرح أتلف جزءًا من دماغه، ودخل عملية لإزالة الجزء التالف، وبعد إغلاق الجرح لازم العناية المركزة، ثم التهب الجرح بشكل خطير، وأجرى عملية ثانية لاستئصال جزء آخر، لكن الجرح التهب بفعل البكتيريا، وحاولنا السفر للقدس، فمنعنا الاحتلال، ولم تسمح لنا مصر بالسفر لمستشفياتها”.

كان يوماً شاقاً حين قرر حمادة السفر في عربة الإسعاف لمصر مع الجريح كرم، انتظر فيه من التاسعة صباحاً حتى الحادية عشرة والنصف ليلاً في الجانب المصري دون جدوى.
;
ويتابع: “بعد 10 ساعات بدأت حالته تتدهور ونحن في الإسعاف ننتظر السماح من المصريين باجتياز المعبر، ولما رفضوا عدنا للمستشفى الأوروبي، ودخل العناية المكثفة، وتدهورت الحالة حتى فارق الحياة يوم 23 تموز بعد منتصف الليل”.

ويتساءل إياد، شقيق الشهيد كرم، عن الذنب الذي اقترفه مشارك سلمي حتى يطلق الاحتلال عليه قنبلة غاز متفجّرة أدت لتلف دماغه واستشهاده لاحقاً.
;
ويضيف: “شقيقي الأصغر كرم لا يضيع تكبيرة الإحرام في صلاة الجماعة، ودائم المعاونة لجيرانه، وآخر ليلة في حياته أخبرني أنه حريص على قيام الليل، فربما هذه آخر ليلة في حياته، وقبل ذهابه للحدود شدد على حضورنا مائدة الإفطار، لكنه رحل دون أن نجتمع على المائدة”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات