الثلاثاء 07/مايو/2024

تكية الخليل.. ملاذ الفقراء في رمضان

تكية الخليل.. ملاذ الفقراء في رمضان

الخليل.. مدينة عربية إسلامية عرفت عبر التاريخ بمدينة “أبي الضيفان” سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام الذي سكنها قبل 3800 عام وسميت باسمه، واستمرت فيها صفة الكرم وإطعام الضيوف إلى عصور متقدمة.

وأسست تكية الخليل عام 1279م على يد السلطان قالون الصالحي زمن الناصر صلاح الدين الأيوبي، وكان يطلق عليها “الرباط”، وذلك إحياء لمنهج الضيافة والكرم الذي جذره نبي الله إبراهيم عليه السلام.

الجذور التاريخية
أطلق على تكية سيدنا إبراهيم عليه السلام أيضا “الطبلانية” وذلك لأن العاملين فيها كانوا عندما يهزون الطعام في الصباح والمساء يقرعون الطبل كي يُسمعوا الضيوف والرحاله والجيران المتواجدين في المسجد الإبراهيمي وحوله كي يحضروا لتناول وجباتهم.

وأشار الباحث في شؤون الخليل محمد ذياب أبو صالح إلى اعتناء الأيوبييين بهذه المؤسسة الخيرية وخاصة الناصر صلاح الدين، وقال في حديث خاص لمراسلنا: “أوقف الأيوبيون للتكية الوقفيات والأراضي والمزروعات والمواشي كي تستمر في إطعام الوافدين على المدينة، بل كانت التكية تقدم لخيول هؤلاء الوافدين الشعير والعلف كي يستمروا في رباط حولها”.

وأضاف ابو صالح: “اهتمت الدولة الإسلامية في مختلف العصور بالتكية؛ حيث اعتنى الأيوبيون بها وزادوا في خيراتها والاهتمام بها، وعندما جاء صلاح الدين الأيوبي أوقف الوقفيات الكبيرة على المسجد الإبراهيمي والتكية الإبراهيمية التي كانت تطعم الوافدين إليها ويصرف لخيولهم الشعير حتى يبقوا في رباط دائم إلى يوم القيامة”.

وكان من مرافق التكية مطبخا كبيرا للدشيشة (شوربة القمح)، إضافة الى عدد المطاحن التي تطحن القمح، وكذلك عدد من الأفران التي تقوم بصنع خبز السماط الذي يقدم للضيوف والسكان المحيطين بها، حيث كانت هذه الأفران تنتج يوما في العصر الأيوبي نحو خمسة عشر ألف رغيف توزع مجانا.

في العهد الفاطمي تم وقف الكثير من العقارات والمزارع والأفران والطواحين لصالح التكية، وقد حفظت وثائق وقفيات التكية في صندوق كان يخبأ في مقام سيدنا يوسف عليه السلام داخل المسجد الإبراهيمي.

تحدث عن فضل هذه التكية الرحالة والسياح الذين زاروا الخليل منذ أقدم العصور، فذكروها في مذكراتهم وتحدثوا عن دورها وأثرها ومكانتها، وقد ذكرها الرحالة الفارسي ناصر خسرو الذي زار الخليل قبل الحروب الصليبية كما ذكرها ابن الفضل العمري الذي زار الخليل سنة 745 هـ، وكذلك ابن بطوطة الذي زار الخليل سنة 725 هـ.

ملاذ للفقراء والمساكين
شكلت التكية ملاذا للفقراء والمساكين، على مدار العصور، فطوال العام كانوا يتناولون حول المسجد الإبراهيمي في الخليل طعامهم من التكية الإبراهيمية والمكون من جريشة القمح البلدي الخليلي،  ذو النكهة المميزة التي لا توجد بمكان آخر حتى ولو كانت بمنازل طهاة التكية ذاتها، وذلك لسرٍ يجهلونه حتى اليوم.

 إلا أنها في شهر رمضان تقدم الوجبات الدسمة من دجاج ولحوم وشوربات خضار وفاصوليا وأرز.

فقد كشف مدير التكية حازم مجاهد، أن شهر رمضان زاخر بالكميات الدسمة حتى يسعد الفقراء والمساكين ويتمتعون ويأكلون كما يأكل الأغنياء.

وقال في حديث خاص لمراسلنا إنه “في الشهر الفضيل تقوم التكية بطبخ 500 إلى 600 كيلو لحم، وكذلك 800 إلى 1000 كيلو دجاج في كل يوم، وتقدر الطبخة يوميا بقيمة 50 ألف شيقل” أي ما يعادل 14 ألف دولار جزء منها على حساب ميزانية التكية، والجزء الآخر تبرعا مشكورا من أغنياء الخليل”.

  ويضيف مجاهد: “غالبية العائلات الفقيرة التي تسكن البلدة القديمة وبجوار المسجد الإبراهيمي تتناول طعامها طوال شهر رمضان من التكية وكذلك في غير رمضان فهي بالنسبة لهم ملاذ ومصدر لا يستغنون عنه”.

الحاج حفظي النتشه (66 عاما) يخدم في التكية الإبراهيمية منذ عشرين عاما، وهو مستمتع بعمله الذي يضفي بسمة على وجوه الفقراء والمساكين كما يقول.

ويضيف النتشه قائلا في حديث لمراسلنا: “يوم توزيع لحمة الضأن نشعر بالسعادة والسرور ونرى الابتسامة على وجوه الأطفال الذين لا يأكلون اللحم طوال العام إلا في رمضان ومن التكية فقط”.

ويتابع: “كيلو اللحم بـ 85 شيكلا أي ما يعادل 25  دولارا، وهذه الأسر الفقيرة لا تستطيع شراءه بتاتا، فهم ينتظرون بلهفة يوم توزيعه في التكية حتى يتدسموا، لذلك تركت التكية أثرا اجتماعيا جيدا على سكان البلدة القديمة”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات