الإثنين 20/مايو/2024

غزة.. القلعة المحاصرة تجدد الأمل بالعودة

غزة.. القلعة المحاصرة تجدد الأمل بالعودة

يشهد قطاع غزة حالة ثورية سلمية لم تهدأ منذ 30 مارس الماضي (ذكرى يوم الأرض)، بدأت بأضخم مظاهرات على الحدود عرفت باسم “مسيرة العودة الكبرى”، واستشهد فيها أكثر من 115 فلسطينياً.

وبلغ مسيرة العودة ذروتها الاثنين والثلاثاء، إذ يحيي الفلسطينيون، في 15 مايو من كل عام، ذكرى تهجيرهم من أراضيهم عام 1948 على يد العصابات الإسرائيلية التي أقامت دولتها على أنقاض المدن والقرى المهدّمة.

ولأن غزة، أحد أجزاء الوطن الكبير، المحررة، التي لا تدار بأي وصايا دولية أو إقليمية، فكان لها السبق بإطلاق هذه الشرارة، ضمن تاريخ معروف في النضال والصمود تجاه الاحتلال والحصار.

غزة والتاريخ
الكاتب والباحث غسان الشامي المتخصص في التاريخ تحدث في نبذة تاريخية مختصرة عن قطاع غزة، مبيناً أنّها تعد أقدم مدن العالم، أو بالأحرى من أقدم عشر مدن في العالم وقيل: “إنها رابع مدينة بنيت على وجه الأرض”.

ويشير في حديث لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” إلى أنّ غزة ذكرت كأول مدينة فلسطينية تدخل السجلات التاريخية، مبيناً أنّ النصوص المصرية القديمة تذكرها كمدينة رئيسية منذ أواسط العصر البرونزي.

وكما هي،  لا زالت على حالها ينبه الشامي، أنّ غزة كانت تحتل موقعًا هامًا في العالم القديم، ولذلك لكونها مدينة الربط بين مصر والشام؛ حيث كانت ممراً مهمًّا للتجارة، ويضيف: “هذا لا يقلل منزلتها الحربية، حيث يقع الجزء التاريخي المهم من غزة في وسط المدينة الحالية، ويمتد لمسافة عدة دقائق من مركز المدينة الواقع في قلب المدينة، وقد دلت الحفريات على أن المدينة كانت محاطة بسور عظيم مع أبواب”.

ويؤكّد الباحث الفلسطيني أنّ غزة توسعت في الفترات اللاحقة باتجاه الشمال والجنوب والشرق على الخارطة البيزنطية الفسيفسائية في مأدبا التي يعود تاريخها إلى الجزء الأخير من حكم جيستنيان (527-556م)، حيث صورت غزة على أنها ثاني أكبر مدينة في فلسطين بعد القدس، وظهرت فيها الشوارع المعمدة، والمباني العامة والأسواق.

ويذكر التاريخ – يقول الشامي – أنّ الإسكندر الأكبر، هو أقسى من تعامل مع غزة وسكانها، فقد نكل بهم، لأنهم رفضوا الاستسلام إلا بعد حصار طويل وهدم لأسوارها، مبيناً أنّ غزة صمدت أمام جحافل جيوش الإسكندر المقدوني ما يزيد على ثلاثة أشهر، وعندما كانت هذه الجيوش تخترق البلاد وحصونها ودفاعاتها كما تخترق السكين قطعة الزبدة، فإنها وقفت عاجزة أمام صمود أهالي غزة واستبسالهم، فأحرق الإسكندر كل الحقول والقرى المحيطة بالمدينة، وفرض عليها حصاراً، وفي القرن الثاني قبل الميلاد استولى عليها سمعان المكابي.

جغرافية غزة
ويقول الباحث الفلسطيني، إنّ تحت أرض غزة وبحرها الكثير من الأشياء التي لم تكتشف، ويضيف: “بل إنها أكبر بكثير من تلك المكتشفة منذ أكثر من 3500 عام، فإن تاريخ غزة تشكل بفعل موقعها الجغرافي، فهي تقع على الطريق الذي يربط بين شمال إفريقيا والمشرق العربي. وهذا الأمر يعطي غزة أهمية استراتيجية بالنسبة للفراعنة المصريين، ولاحقا لعدد من الفئات الأخرى التي كانت ترغب في السيطرة على الإقليم”.

ويقول جيرالد بوت مؤلف كتاب “التاريخ الدقيق للمنطقة، غزة في مفترق طرق”، إن “غزة وجدت نفسها هدفا لحصارات مستمرة، ومعارك دائمة”.

ويضيف: “أما الناس فقد حكمهم أناس من مختلف أرجاء الكرة الأرضية”، ومضى إلى القول: “على سبيل المثال .. يتعين على من يريد أن يهاجم مصر الفرعونية أن يسيطر على غزة أولا، باعتبار أنها المكان الأخير الذي يمكن أن تصل فيه القوات إلى المياه قبل أن تبدأ المسيرة الشاقة عبر الصحراء”.

وينقسم قطاع غزة إلى 5 محافظات رئيسية هي “غزة – خان يونس – رفح – الوسطى – والشمال) وتعرف بأبرز أحيائها مثل الشجاعية، الزيتون، الرمال، الشاطئ، وغيرها، حيث يعيش فيها ما يزيد عن 2 مليون نسمة، يتوزعون على محافظاتها.

أوجه المعاناة
أكثر ما يضيق عيش أهالي قطاع غزة هو الحصار “الإسرائيلي” الذي يدخل عامه الثاني عشر على التوالي بعد الفوز الكبير الذي حققته حركة “حماس” في الانتخابات البرلمانية عام 2006.

ويعيش نحو 2 مليون نسمة في قطاع غزة، حيث تؤكّد الإحصائيات الرسمية أنّ 80 من الغزيين يعيشون تحت خط الفقر، فيما تتجاوز نسب البطالة بين أهالي قطاع غزة قد بلغت 46.6% مع مطلع العام الجاري، وتجاوز عدد العاطلين عن العمل ما يزيد عن 243 ألف شخص.

وبحسب البنك الدولي، فإن معدلات البطالة في قطاع غزة تعدّ الأعلى عالميا، وارتفعت معدلات البطالة بين فئة الشباب والخريجين في الفئة العمرية من 20-29 سنة الحاصلين على مؤهل دبلوم متوسط، أو بكالوريوس في قطاع غزة لتتجاوز 67%.

وبأرقام حصل عليها “المركز الفلسطيني للإعلام” من اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، فإنّ 80% من السكان تحت خط الفقر، و50% نسبة البطالة، و60% نسبة البطالة بين فئة الشباب والخريجين، وبينت أنّ 2 دولار معدل دخل الفرد اليومي، وأن هناك ربع مليون عامل معطل عن العمل، وأنّ مليون ونصف مليون مواطن يعتمدون على المساعدات الإغاثية.

وأشارت إلى أنّ ٤٠% من الأطفال مصابون بأمراض فقر الدم وسوء التغذية، فيما يزيد عدد الأيتام عن 16 ألف يتيم يعيشون ظروفاً صعبة، وأنّ هناك أكثر من 50 ألف من ذوي الإعاقة.

الوضع السياسي
بحسب خبراء ومحللين سياسيين، فإنّ القطاع يمر بحالةٍ سياسية نادرة وغريبة، حيث يشهد حصاراً اقتصاديًّا وسياسيًّا من المجتمع الدولي والاحتلال، فيما يشهد حالة من الإهمال والتهميش المتعمد من السلطة الفلسطينية في رام الله والتي يعدّ القطاع واقعاً تحت نفوذها.

وبحسب المحلل السياسي سمير حمتو، فإنّ قطاع غزة يعد البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم، إلا أنّها أيضاً البقعة الأكثر فقراً في العالم.

ويشير حمتو في حديثه لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أنّ قطاع غزة يعيش ضمن واقع سياسي معقد، فمن جهة يعد منطقة محررة من الاحتلال بعد رحيل قوات الاحتلال وقطعان مستوطنيه من جميع أراضي غزة بفعل ضربات المقاومة المسلحة والعمليات النوعية التي نفذتها المقاومة بكل أذرعها عام 2005، ومن جهة أخرى ما زال قطاع غزة يخضع لاحتلال “إسرائيلي” غاشم يحكم سيطرته على حدود ومنافذ القطاع البرية والبحرية، كما أن سماءه مستباحة أمام للطيران الحربي الإسرائيلي.

وينبه المحلل السياسي، أنّ المشهد في غزة ازداد تعقيداً عقب فوز حركة حماس في أول تجربة انتخابية ديمقراطية في العام 2006، موضحاً أنّ هذه الانتخابات قوبلت بعدم الاعتراف بنتائجها من حركة فتح مما أدى إلى صراعات مسلحة انتهت بسيطرة حماس على قطاع غزة وخروج قيادة السلطة من القطاع، وانسحاب موظفيها من المقرات الحكومية والأمنية كافة.

ويؤكّد حمتو، أنّ القيمة السياسية لغزة أنّها تعدّ معقلا لمقاومة المشروع الصهيوني الذي لديه أطماع توسعية دون حدود في منطقة الشرق الأوسط بمساعدة الأمريكان والعرب المستعمرين، مؤكّداً أنّ حالة التحدي والصمود والمواجهة التي شكلتها غزة على مدار ثلاث حروب متتالية تكسر أطماع الاحتلال، أمام عجز كثير من الدول أن تقف سدًّا منيعاً له دون استكمال مشاريعه التصفوية في المنطقة العربية.

محطات المواجهة والتحدي
ومع استعداد قطاع غزة لإطلاق أكبر مسيرة سلمية في تاريخ الشعب الفلسطيني، فإنّ الكاتب والمحلل السياسي أيمن الرفاتي، يؤكّد أنّ قطاع غزة يمثل نقطة مواجهة وتحدٍّ حقيقية في وجه الاحتلال منذ سنوات، حيث أن القطاع آخر الأماكن التي استطاع الاحتلال احتلالها في فلسطين وأول المناطق التي خرج منها مرغماً.

ويضيف الرفاتي في حديثه لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أنّ القطاع مثل منطقة تحدٍّ للاحتلال خلال الانتفاضة الأولى التي انطلقت شرارتها منه، حيث هب الغزيون لمواجهة الاحتلال بالحجارة والتصدي له في جميع مناطق القطاع، وهو ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين للتمني أن يصحو من نومه وقد وجد غزة ابتلعها البحر، فيما كان للقطاع خلال الانتفاضة الأولى صولات وجولات ضد الاحتلال، حيث انطلقت منه العمليات الفدائية،  وكان مأوى للكثير من المطاردين الذين أرقوا الاحتلال بعملياتهم البطولية.

وأكّد أنّ غزة مثلت السكين الذي طعن مشروع التسوية والاستسلام للاحتلال، حيث كانت العمليات البطولية التي نفذها أبناء قطاع غزة في الداخل المحتل، مثل عمليات الثأر المقدس وغيرها، ومحاولات الاحتلال لتهويد المسجد الأقصى وبناء أنفاق تحته، كان لقطاع غزة مواجهات ضارية مع الاحتلال عام 1997 فيما أطلق عليه هبة البراق.

ويشير الرفاتي، إلى أنّ قطاع غزة مثل منطقة مهمة خلال انتفاضة الأقصى مثل في الضربات التي وجهت للاحتلال حيث نفذت عشرات العمليات البطولية ما أدى لتشديد الاحتلال اعتداءاته على القطاع، إلا أن الاحتلال اضطر للخروج من القطاع بعد 5 سنوات من بدايتها تحت ضربات المقاومة، وتحت وطأة الصواريخ المحلية التي أرقت الاحتلال ومستوطنيه.

ومع فوز حركة حماس عام 2006 – يقول الكاتب والمحلل السياسي – بات القطاع في تحدٍّ كبير من الاحتلال حيث وقفت “حماس” في وجه جميع المشاريع التي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية حيث أبطلت قمم شرم الشيخ وغيرها.

ويلفت إلى أنّ عملية أسر الجندي جلعاد شاليط حدث فارق في تحدي الاحتلال في القطاع، حيث ظهر التحدي العسكري والأمني والاستخباري ضد الاحتلال، وهو ما نجح به قطاع غزة، وأرغم الاحتلال على الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني.

وتعدّ الحرب الأولى على قطاع غزة عام 2008/2009 فارقة – يقول الرفاتي – بعدما صمدت غزة في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية، وتراجع الاحتلال دون تحقيق أي هدف من أهدافه.

فيما دشنت حرب 2012 مع الاحتلال مرحلةً جديدة من التحدي بعدما وصلت صواريخ المقاومة لـ”تل أبيب” ما أدى لشلل في دولة الاحتلال.

أما الحرب الثالثة عام 2014 كانت فارقة؛ حيث ظهرت قوة المقاومة الفلسطينية بشكل فعلي، وأثبتت أنها قادرة على صد أي هجوم عسكري على القطاع، وهو ما يشكل تحديا لأكبر جيش في المنطقة.

ويختم حديثه: “ما زال قطاع غزة يمثل شوكة في حلق كل من يطرح مبادرات لإنهاء القضية الفلسطينية، حيث اصطدمت مؤخراً الأفكار الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية بغزة، وهو ما يؤشر لإمكانية تأخير الإعلان عن “صفقة القرن”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات