الجمعة 10/مايو/2024

مسيرة العودة.. السياق والآفاق

مسيرة العودة.. السياق والآفاق


تحت عنوان مسيرة العودة.. السياق والآفاق أصدر مركز رؤية للتنمية السياسية تقريرا خاصا حول المشهد الفلسطيني بعد انطلاق مسيرات العودة الكبرى. وفيما يلي النص الكامل للتقرير:
 

مقدمة

أطلقت الفعاليات الوطنية في قطاع غزّة “مسيرة العودة”، التي تتصاعد بالتدريج ابتداءً من ذكرى يوم الأرض في 30 آذار/ مارس، حتى تبلغ ذروتها في ذكرى يوم النكبة في 15 أيار/ مايو، الذي تبدأ فيه كذلك مراسم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.[1] وبالفعل، استمر “مخيم العودة” قائمًا على الحدود الفاصلة بين قطاع غزّة وفلسطين المحتلة عام 48، مع تصاعد في الحشد أيام الجمعة، وصولًا إلى ما سمته الهيئة الوطنية العليا مسيرة العودة في قطاع غزة “يوم الزحف العظيم”،[2] الذي يأتي في ذكرى النكبة.

وبعد الجمعة الأولى في مسيرة العودة، أعلنت لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية، والهيئة الوطنية لمسيرة العودة، سلسلة خطوات المسيرة القادمة، وصولًا إلى يوم النكبة. تضمن برنامج المسيرة، حسب الهيئة، التأكيد على ضرورة حضور العنصر النسائي للفصائل الفلسطينية كلّها، والوجهاء، والنقابات، والمشاركة في مهرجانات تأبين الشهداء،[3] وذلك في سعي منها لإظهار الجانب السلمي للمسيرة، وتحييد نيران الاحتلال، الذي استهدف المسيرة بقوة فتاكة، لا سيما في الجمعتين الأوليين.

وحتى اليوم الثامن من المسيرة، وحسب بيانات وزارة الصحة، كان قد ارتقى 29 شهيدًا، إضافة إلى إصابة 2850 فلسطينيًّا، 79 منهم إصاباتهم خطيرة.[4] وكانت أكثر تلك الإصابات في الجمعة الأولى، جمعة انطلاقة مسيرة العودة، وهو الأمر الذي استدعى ردود فعل، تمثلت في اجتماع مجلس الأمن بطلب من دولة الكويت، وذلك بهدف إصدار بيان يدين قمع “إسرائيل” للمسيرة، وهو ما فشل فيه المجلس بعدما عطّلت الولايات المتحدة محاولة إصدار البيان، إذ يتطلب إصدار هذا النوع من البيانات موافقة جميع أعضاء المجلس الخمسة عشر، وكانت أربع عشرة دولة قد وافقت على البيان باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية، التي رفضت حتى المشاركة في مناقشته.[5]

وقد أصدرت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، بيانًا طالبت فيه بوقف العنف في قطاع غزّة، قائلة إن الأحداث الأخيرة قد تخضع للتحقيق من قبل مكتبها.[6] وكانت الجامعة العربية طالبت بتحقيق دولي في الهجوم الإسرائيلي الدامي على المسيرة،[7] في حين كلف الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة السفير رياض منصور، باتخاذ الإجراءات الفورية اللازمة لطلب الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.[8]

وكانت الهيئة الفلسطينية الخاصّة، المكلفة بمتابعة جرائم الاحتلال الإسرائيلي في محكمة الجنايات الدولية، قد قرّرت التقدم، في “القريب العاجل”، ببلاغ ضد عمليات القتل المتعمد، التي قامت بها قوات الاحتلال بحق أكثر من 17 فلسطينيًّا من المشاركين في “مسيرة العودة” يوم الجمعة 30 آذار/ مارس.[9]

لعلّ الصدى الدولي لمسيرة العودة السلمية، والاستخدام المفرط للقوة، الذي واجه به الاحتلال هذه المسيرة، هو الذي دفعه للحدّ من قوته الباطشة بالجماهير العزّل في الجمعة الثالثة، التي عُرفت بجمعة “حرق العلم الإسرائيلي” في الثالث عشر من نيسان/ إبريل. وعلى أيّ حال، ورغم العنف الذي واجه به الاحتلال مسيرة العودة في أول جمعتين منها، إلا أن المسيرة مستمرة حتى يوم النكبة، حسب ما أكدته الهيئات واللجان الوطنية المنظمة لها،[10] وحسب حركة حماس أيضا.[11] بيد أن الاحتلال عاد لاستخدام سياسة القوة الباطشة في الجمعة الرابعة، التي استشهد فيها أربعة فلسطينيين، من بينهم فتى في الخامسة عشرة من عمره، كما أصيب فيها أكثر من 450 فلسطينيًّا،[12] وهو ما يكشف عن استمرار ارتباك الاحتلال إزاء هذه المسيرة.

تقدّم هذه الورقة عرضًا مختصرًا لمسارات المسيرة، والمواقف منها، وردود فعل الاحتلال، مع محاولة استشراف آفاقها، وذلك بالنظر إلى الظروف الفلسطينية والإقليمية والدولية القائمة.

 المقاومة الشعبية في ظرف خاص

جاءت مسيرة العودة في ظرف فلسطيني بالغ التأزم. فقد بلغت مسيرة التسوية حدّ اليقين بعدما أخرج إعلان ترمب القدس من المفاوضات، وأظهرت التسريبات من خطته، وجودَ إرادة لتصفية القضية الفلسطينية، وفرض الحلّ الإسرائيلي، وذلك باستثمار لحظة ترمب، والتردي العربي غير المسبوق، واستعداد دول فاعلة في المنظومة الإقليمية للاندماج في تحالف إقليمي مع “إسرائيل”، وهو أمر، إن تم،ّ فإنّه يشكل ضربة جوهرية لمبدأ شرعية قيام السلطة الفلسطينية، التي وُلدت في الأساس بناء على مشروع التسوية، وأعلنت عن نفسها مجرد خطوة انتقالية صوب أفق الدولة، على كامل الأراضي الفلسطينية التي احتلّت عام 1967.

وبينما هذا هو حال الطرف الفلسطيني المنخرط في مشروع التسوية، فإنّ حركة حماس، التي تدير قطاع غزّة من الناحية الفعلية، وتشكّل فيه العمود الفقري لفصائل المقاومة الفلسطينية المسلّحة، تعاني من حصار إسرائيلي وإقليمي، ما زال يتصاعد منذ عام، بعد إجراءات فعلية اتخذتها السلطة الفلسطينية، وتنوي مضاعفتها بعد إعلان الرئيس محمود عبّاس عن إجراءات جديدة بهذا الخصوص.[13] وإضافة إلى ذلك، تعاني حماس من أزمة مالية خانقة، لا يبدو أن آفاقًا لحلّها تظهر في المدى المنظور.[14]

وإذا كان المُفترض في ظرف كهذا، العدول عن السياسات الحالية، وإنجاز برنامج نضالي وطني مشترك؛ لمواجهة التحديات الضخمة، فإنّ الذي حصل هو العكس تمامًا. إذ، وبعد عملية استهداف موكب رئيس الحكومة رامي الحمد الله في غزة، تراجعت قيادة فتح والسلطة الفلسطينية عن خطوات المصالحة، التي استمرت بطيئة ومتعثرة منذ انطلاقها في تشرين أول/ أكتوبر من العام الماضي، ليظلّ الرئيس الفلسطيني متمسكًا بإجراءاته ضد قطاع غزّة، وما زال موظفو السلطة في غزة لم يتلقوا رواتبهم عن الشهر الماضي، وذلك في ملابسات غامضة لم تتضح بشكل نهائي، ولكنها تدور ما بين الإجراءات المقرّرة تجاه قطاع غزّة، وما بين الإشكاليات الفنية.[15] وكان الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، في خطابه الأخير في مؤتمر القمة العربية، الذي عُقد في السعودية، قد كرّر تحميل حماس المسؤولية عن استهداف موكب الحمد الله، وأكّد على موقفه الأخير الذي يشترط فيه تحمل الحكومة المسؤولية الكاملة عن قطاع غزّة.[16] وفي سياق العلاقات الداخلية بين حركتي فتح وحماس، اعتقلت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية 97 مواطنًا منذ 19 آذار/ مارس وحتى 2 نيسان/ إبريل.[17]

إذن فالتحدي الأكبر الذي يواجه مسيرة العودة، هو إمكانية إدارة مقاومة شعبية فاعلة، في ظل انقسام سياسي ينبني عليه انقسام شعبي. فاختلاف الإدارات السياسية ما بين الضفة الغربية وغزّة، واختلاف سياساتها وبرامجها، واتساع الفجوة التي تصل حدّ إعلان العقوبات، وتصعيد التوتر الداخلي بدلًا من تصعيد المواجهة مع الاحتلال، كل ذلك من شأنه أن يعيق قدرة الجماهير الفلسطينية في الضفة الغربية، على إدارة نمط مكافئ لمسيرة العودة في غزّة، سواء من حيث الزخم، أو من حيث التأثير.

إن انحصار المقاومة في بقعة جغرافية منفصلة، كما هو الحال في قطاع غزّة، وفي ظرف من الانقسام الشعبي، واختلاف السياسات، من شأنه أن يستنزف تلك البقعة، ويحول دون القدرة على الاستمرار ومراكمة الإنجاز النضالي. كما أن إجراءات الرئيس عباس، وإن كان من أهدافها، كما يرى مراقبون، تفجير القطاع في وجه حركة حماس[18]، إلا أنها في سيناريو آخر، قد تعزّز من المشاركة الشعبية في مسيرة العودة؛ لأن مطالب الرئيس عبّاس لا تتعلق بحماس وحدها، بل بمجمل الحالة الأمنية والعسكرية في قطاع غزّة، والتي تشمل كل فصائل المقاومة، بسلاحها وأنفاقها وتجهيزاتها العسكرية، وهو ما يُقابل برفض جماهيري يتجاوز حالة الاستقطاب التنظيمي.[19] وإن كان مراقبون آخرون يستعرضون الاحتمالات المختلفة لأهداف الرئيس عبّاس من إجراءاته، التي قد يكون منها دفع الجماهير للانفجار في وجه حماس، أو في وجه الاحتلال.[20] بيد أن كلا الاحتمالين يشكّلان تحديًّا كبيرًا لـ “إسرائيل”، وذلك بسبب التوتر القائم على الجبهة الشمالية مع سوريا ولبنان.[21]

على أيّ حال، وبالرغم من أنّ مسيرة العودة، لم تشكّل بعد أساسًا لإعادة بناء العلاقات الداخلية، ومع أن توتر العلاقات الداخلية يشكل تحديًّا لهذه المسيرة، فإنّ استمرارها، والسعي للمحافظة على الإجماع الجماهيري والفصائلي عليها، خاصة في قطاع غزّة، من شأنه أن يفتح بابًا لتطوير الفعل النضالي، وإدخال الحيوية من جديد للحالة الفلسطينية.

المواقف الوطنية من مسيرة العودة

·        حركة فتح والرئاسة والحكومة

تحظى مسيرة العودة بالإجماع الوطني. فمن الناحية العملية، تشارك فيها كل فصائل وقطاعات الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة. ومن الناحية النظرية، تدعمها جميع القوى الفاعلة على المستوى الوطني، بما في ذلك حركة فتح ورئاسة السلطة الفلسطينية والحكومة. فقد حيّت اللجنة المركزية لحركة فتح جماهير الشعب الفلسطيني، وأشادت بتضحياته، وذلك في سياق إشادتها بمسيرة العودة.[22]

وكان الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، قد قرر اعتبار يوم السبت الذي يلي أول جمعة من مسيرة العودة، يوم حداد وطني على أرواح الشهداء،[23] وكلّف في الوقت نفسه مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة السفير رياض منصور، باتخاذ الإجراءات الفورية اللازمة لطلب الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.[24]

كما ألقى الرئيس خطابًا في ختام الجمعة الأولى من مسيرة العودة، حمّل فيه “إسرائيل” المسؤولية عن سفك دماء المتظاهرين السلميين، وطالب الأمم المتحدة بالعمل الفوري على توفير الحماية للشعب الفلسطيني،[25] ولكن دون أن يذكر غزّة أو ما تعانيه من حصار، أو ما يتعلق بها من انقسام. بيد أنّه، وفي خطاب آخر في اجتماع للجنة المركزية لحركة فتح، عاد الرئيس عباس وتحدث عن مواقفه بخصوص المصالحة، كاشفًا ما أخبر به المصريين من أن القاعدة التي يدير عليها موضوع المصالحة، هي استلام كل شيء في غزة أو لا شيء، بمعنى تمكين الحكومة من إدارة قطاع غزة من “الألف إلى الياء”، بما في ذلك الوزارات والدوائر والأمن والسلاح، وإلا فإنّ السلطة لن تكون مسؤولة عن قطاع غزّة.[26]

كما ألقى الرئيس عباس كلمة في مؤتمر بيت المقدس، الذي تقيمه وزارة الأوقاف سنويًّا بمناسبة الإسراء المعراج، وأشار إلى المسيرات الجارية في غزّة، وقال إن حركة حماس عادت وتبنّت المقاومة الشعبية التي كان يدعو إليها، “مهنئًا” إياهم على أنهم “استفاقوا، وثبت لهم أن المقاومة الشعبية السلمية فعالة أكثر”.[27]

ثمّ تطرق الرئيس لمسيرة العودة في خطابه في مؤتمر القمّة العربية، الذي عُقد في السعودية مؤخرًا، وأشار إلى قمع جيش الاحتلال لمسيرات العودة السلمية بالرصاص الحيّ، مذكّرًا بعملية استهداف رئيس الحكومة رامي الحمدالله بغزّة، ومؤكّدًا في الوقت نفسه على موقفه من المصالحة، حيث كرر قوله “إما أن نستلم كل شيء ونتحمل المسؤولية، وإما لا”.[28]

وكانت الرئاسة الفلسطينية قد عبّرت عن موقفها خلال هذه الفترة، وأدانت الموقف الأمريكي في مجلس الأمن الدولي، الذي عطّل قرار إدانة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في جمعة مسيرة العودة الأولى، قائلة إن السلوك الأمريكي يشكّل غطاء لـ “إسرائيل” لاستمرار عدوانها على الشعب الفلسطيني، ويشجّعها على تحدّي قرارات الشرعية الدولية الرامية إلى إنهاء الاحتلال.[29]

ومن جهتها، انسجمت مواقف الحكومة مع مواقف الرئاسة، إذ قامت بتعطيل المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية كافة في يوم الحداد الذي أعلنه الرئيس عباس ،[30] ثم وجه المتحدث الرسمي باسم الحكومة يوسف المحمود، “تحية لشهداء شعبنا الصامد البط

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

صحة غزة: حصيلة العدوان ترتفع إلى 34943 شهيدًا

صحة غزة: حصيلة العدوان ترتفع إلى 34943 شهيدًا

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، اليوم الجمعة، إن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب 6 مجازر جديدة ضد العائلات في قطاع...

تحقيق صحفي يكشف انتهاكات صارخة ضد أسرى غزة

تحقيق صحفي يكشف انتهاكات صارخة ضد أسرى غزة

واشنطن – المركز الفلسطيني للإعلام كشف تحقيق أجرته شبكة "سي إن إن" الأميركية عن جوانب من الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضد أسرى قطاع غزة...