السبت 29/يونيو/2024

بـتغطية مهزوزة والتضليل.. هكذا تناول إعلام إسرائيل مسيرة العودة

بـتغطية مهزوزة والتضليل.. هكذا تناول إعلام إسرائيل مسيرة العودة

أبدى الإعلام العبري، نظرة مختلفة لمسيرات العودة على حدود قطاع غزة؛ حيث حاولت الصحافة الإسرائيلية في تغطيتها، التركيز بأن الفعاليات الفلسطينية ليست سلمية، وأن هدفها هو تصعيد التوتر والدفع نحو مواجهة في غزة.

كما حاولت الصحافة الإسرائيلية الترويج أن لـ”إسرائيل” الحق في الدفاع عن حدودها ومنع دخول مناطق سيادتها، وذلك من خلال استخدامها لأسلوب صياغة مضلل للجُمل والمفردات، كذلك التنوع في طرق التشويه في تصوير الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حتى لو حددت الحقائق بدقة، فإن طرق بناء الجُمل والتفاصيل في سياقها تضلل القراء.

وهناك ملاحظات عامة على الإعلام الإسرائيلي في تعامله تجاه الفلسطينيين كما وضحها عدنان أبو عامر الخبير بالشئون الإسرائيلية، ومنها:

• الخضوع بشكل مباشر وغير مباشر لأجهزة الأمن الإسرائيلية؛ حيث يُدار بعضها من داخل ديوان رئيس الوزراء، لاسيما الإذاعة الناطقة باللغة العربية، التي تحمل مدلولات أمنية، فهي مرتبطة وموجهة للمحيط الشعبي الفلسطيني الهائل، ويحتل العامل الأمني مركز الصدارة والأهمية القصوى في تعامل الحكومة الإسرائيلية معها.

• تقوم برامج الإذاعة والتليفزيون في إسرائيل بترسيخ آراء مختلفة ومشوشة في نفوس الجمهور الفلسطيني الذي ظل مكشوفاً لها، ولم تكن هناك وسائل عربية وفلسطينية قادرة على التصدي لها، ومقاومة تأثيرها.

• يحظى الإعلام الإسرائيلي باهتمام عدد لا يستهان به من المستمعين الفلسطينيين لأسباب عديدة لعل أهمها تلك الفجوة وعدم الثقة بين المستمع الفلسطيني والإذاعات المحلية.

• استُخدمت الإذاعة الإسرائيلية الناطقة بالعربية على سبيل المثال من قبل المخابرات الإسرائيلية كمصدر للمعلومات السياسية والأمنية، وذهبت هذه الأجهزة بعيدًا في توظيفها، لتكون أدوات طيعة في عملها في مجال إسقاط الفلسطينيين والعرب، ودفعهم للعمل لصالحها من خلال بعض البرامج الاجتماعية والفنية.

فشل إعلامي
رغم أن الاستعداد الإسرائيلي لمسيرات العودة الفلسطينية تم على أفضل وجه من الناحية العسكرية العملياتية، كنشر المزيد من القوات العسكرية، المواقع الأمنية، توزيع المنشورات، الطائرات المسيرة، وتعليمات إطلاق النار، لكن الخسارة الإسرائيلية في مواجهة هذه المسيرات كانت في مجال الوعي والصورة والمقابلات الصحفية والبث المباشر للفضائيات التلفزيونية، وكل ذلك مدعاة لـ”إسرائيل” لمعرفة كيف تتصرف إزاء الوضع المتدهور في غزة، على مختلف النواحي: العسكرية، والوعي، والإنسانية، والسياسية.

وأبدى الإعلام العبري، نظرة مختلفة للمسيرات، معربًا عن مخاوف المسؤولين الإسرائيليين من إقدام هذه الأعداد على اقتحام الحدود الشرقية لقطاع غزة، غير أبهين بالقوة العسكرية الإسرائيلية المفرطة التي يتعامل بها جيش الاحتلال مع المتظاهرين. 

ففي خطوة غير مسبوقة تعكس حجم الإرباك الإسرائيلي، نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية مقالة باللغتين العبرية والعربية عن مسيرة العودة الكبرى، تتوسل فيها الفلسطينيين لعدم الزحف تجاه السياج الفاصل.

وناشد الكاتب اليميني في الصحيفة بن درور يميني الفلسطينيين لعدم المشاركة في المسيرة وعدم الاقتراب من الحدود، وهو أمر يعكس حالة الرعب التي تعيشها”إسرائيل”، لاسيما مع هروب آلاف المستوطنين من البلدات الإسرائيلية المحاذية لغزة إلى وسط فلسطين المحتلة.

كما وقسم محمد بدر المتابع للشأن الصهيوني دور الإعلام العبري مرحلياً في التعامل مع مسيرات العودة، إلى أكثر من منطق زمني خطابي:

• ما قبل مسيرة العودة: 
حيث سعى هذا الإعلام بكل قوته لتخويف أهل غزة، وردعهم، وكثف من مضامينه الإعلامية التي تتحدث عن سعي دولة الاحتلال لحل الأزمة الإنسانية في غزة، معتقداً أن هذا من شأنه تخدير الشارع الغزي، وأيضاً كجزء من عملية اختبار لدوافع الغزيين من وراء المسيرة، وفي المقابل حمل هذا الإعلام رئيس السلطة محمود عباس وحركة حماس مسؤولية الأزمة الإنسانية في غزة، وحاول الإعلام العبري إظهار دولته على أنها “المخلص” لغزة.

هذه الأساليب فشلت، وفشلها يعني أن القضية الإنسانية والأزمة الإنسانية، قد تكون جزء من الأسباب، ولكنها ليست كل الأسباب، بالأساس القضية سياسية ذات علاقة بانسداد الأفق السياسي أمام الفلسطينيين في ظل ادارة أمريكية منحازة، وحكومة إسرائيلية يمينية، وبالتالي فإن الفلسطيني بدأ يبحث عن سبيل لإعادة قضيته للصدارة وانتزاع حقوقه، خاصة مع التركيز الإسرائيلي على مسألة الخطر الإيراني في مقابل تهميش القضية الفلسطينية، سواء عربياً أو دولياً.

• المرحلة العملية من مسيرة العودة: 
من المهم الإشارة إلى أن الإعلام العبري عمل ضمن أكثر من منطق خلال هذه الفترة، فقد كثف من مضامينه التي تحاول إضفاء طابع عسكري (إعلامياً) على التحرك السلمي، لتبرير عملية القتل الهمجي، وغير المبرر على الحدود، كما وحاول إظهار حركة حماس على أنها الراعي الأساسي لمسيرة العودة.

بالإضافة لمخاطبته العالم من خلال منطق “السيادة” والحدود والاقتصاد، لتصوير الفلسطيني على أنه متسول متسلل، وأن المسألة ليست إلا محاولة لمكافحة شغب جائعين.

كما ادعت كثير من المواقع العربية، خاصة موقع “ويللا” وموقع صحيفة “إسرائيل اليوم”، إجراءهم لمقابلات مع قادة من حركة حماس، وبقليل من التدقيق تجد أن رسالة هذا القائد الحماسي “المفترض” تؤكد على أن الدافع وراء المسيرات اقتصادي.

ومع فشل هذه الأساليب في هذه المرحلة، كما يبدو انتقل الإعلام العبري، لمسألة التأكيد على أن خلافات شديدة قائمة بين حركة حماس ومنظمي المسيرة وأن المسيرة تتلاشى شيئاً فشيئاً، وهذا كاف لإظهار غباء هذا الإعلام، فمن جهة يقول أن حماس هي من تنظم المسيرة، ومن جهة أخرى يتحدث عن خلافات بين حماس ومنظمي المسيرة، وفي حين يقول أن إيران هي المشرفة على المسيرة، يقول كذلك أن المشرفين على المسيرة في خلاف مع حماس ومن وراءها ايران.

هذا التخبط والارتباك المسيطر على الخطاب الإعلامي، يكشف عن تخبط أكبر لدى دولة الاحتلال في التعامل مع مسيرة العودة، ويكشف الوجه المخابراتي أكثر للإعلام العبري الذي يحاول محاورة الفلسطيني من خلال حاجته ونفسيته، تماماً كما المخابرات. 

مصطلحات مضللة
من ناحيته، أوضح عبد الرحمن شهاب مدير مركز أطلس للدراسات “الإسرائيلية”، أن مسيرة العودة فرضت نفسها على المستوى الخبري داخل الكيان وفيما استخدمت وسائل الإعلام العبري مفردات خاصة كاعتبار أغلب الشهداء الفلسطينيين “مخربين”، والتركيز على أن غزة مجتمع ليس مدني بل هي صواريخ وقد تنزلق إلى حرب.

فيما ركز المراسلون العسكريون على أن الفصائل فشلت في الحشد الجماهيري الشعبي اللازم والكامل في الجمعة الثانية، كالجمعة الأولى لمسيرة العودة، نتيجة الردع الأول فيها، فيما استطاع بقليل من الدم الفلسطيني أن يمنعون تسلل الفلسطينيين.

وأوضح شهاب، أن كُتاب الرأي داخل الكيان نزلوا للحدود قرب الجنود وكيفية تعامل الجنود مع المتظاهرين لتجاوز الأزمة والحد من المسيرات، والملاحظ عند الكتاب “الإسرائيليين” أنهم تحدثوا عن عدم نشوب انتفاضة وغيبوا فكرتها، وأن غزة ليست مكان للعمل الجماهيري السلمي ، وأنها فقط مكان لإطلاق الصواريخ تجاه دولة الكيان.

وأوضح، أن “إسرائيل” تبرر إطلاق الرصاص وقتل المتظاهرين السلميين بأنهم يريدوا تجاوز الحدود الدولية، وأن استخدام الرصاص حق مشروع للجنود لعدم تجاوز الحدود بشكل دفاعي .

وفي دراسة صدرت عن “مركز أبحاث الأمن القومي” الإسرائيلي، أعدها مديره عاموس يادلين، رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق حول مسيرات العودة،خرجت ببعض الخلاصات، أهمها:

• الفلسطينيون في غزة باتوا يمثلون تحدياً يقلص هامش المناورة أمام “إسرائيل” بدون أن يضطروا لخوض غمار حرب ضدها.

• أعادت مسيرات العودة غزة إلى بؤرة الاهتمام العالمي والإقليمي وسلط الأضواء على حصار القطاع.

• فجرت المسيرات حملة انتقادات دولية ضد “إسرائيل” غير مسبوقة بسبب استعمال القوة العسكرية، وبدون تدخل الولايات المتحدة كانت الأمم المتحدة قد شكلت لجنة تحقيق دولية في قتل الفلسطينيين.

• أظهرت عزلة “إسرائيل” الدولية، سيما في المحافل الأممية.

• أثارت انتقادات داخل “إسرائيل” بشأن أوامر إطلاق النار.

• أبرزت الحاجة إلى ضرورة أن تعد “إسرائيل” تصوراً شاملا واستراتيجيا لمعالجة تبعات الأزمة الاقتصادية الخانقة في القطاع.

• قلص قدرة رئيس السلطة محمود عباس على مواصلة فرض العقوبات على قطاع غزة.

المراجع:

• كيف تناول الإعلام العبري مسيرة العودة الكبرى بغزة؟، موقع شاشة نيوز.
• أيديولوجيا الإعلام الإسرائيلي في تغطية الشأن الفلسطيني، موقع د. عدنان أبو عامر.
• هل حقق الفلسطينيون النصر الأول من مسيرة العودة؟، نادر الصفدي، موقع نون بوست.
• الإعلام العبري مخابراتي وغبي بامتياز في زمن مسيرة العودة، صحيفة الحدث الالكترونية. 
• الإعلام الإسرائيلي يكتب بالعربية ويتوسل الفلسطينيين لعدم اقتلاع كيانهم، موقع مدار نيوز.
• للمرة الأولى: الصحف العبرية تكتب بالعربية !، وكالة وطن للأنباء.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات