عاجل

الجمعة 03/مايو/2024

لماذا نجحت المقاومة الشعبية في غزة؟

لماذا نجحت المقاومة الشعبية في غزة؟

بعد ثلاثة أسابيع على انطلاقها في قطاع غزة والابتكار في أساليبها وقوة الرسالة التي توصلها ومحافظتها على الزخم الشعبي والإعلامي، نجحت مسيرات العودة في استقطاب جميع الأنظار والآراء في ظل الإنجازات التي حققتها وما زالت على الصعيد المحلي والعالمي.

ولعل السؤال الحاضر في أذهان الكثيرين عن أسباب نجاح نموذج المقاومة الشعبية في قطاع غزة وحصولها على هذا الزخم، في حين أخفق ذات الأسلوب المستخدم في الضفة الغربية في أغلب الأحيان، الأمر الذي دفع الكثيرين للوقوف على هذه الأسباب تحليلاً ودراسة.

بين نهجين

وصفي قبها القيادي في حركة حماس ووزير الأسرى في الحكومة العاشرة، قال إن “من يتابع مجريات الأحداث على الساحة الفلسطينية ما بين الضفة وغزة يجد اختلافًا وبونًا شاسعا ما بين الشعارات والتطبيق في التعاطي الفلسطيني مع مجمل القضايا؛ فوسائل المواجهة مع العدو أكثر تكتيكًا في غزة من الضفة المحتلة، تبعًا للظروف المختلفة بينهما، ولعل استمرار التنسيق الأمني والاعتقال المتكرر للعناصر الفاعلة والصادقة، من العوامل المهمة لهذا الاختلاف”.

وأضاف قبها خلال حديثه لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “هذا الاختلاف في جوهره يعود إلى عقليتين مختلفتين في النهج والتفكير، وأقصد هنا العقليات المؤثرة التي لها صفة وقدرة التوجيه والتأثير؛ ففي غزة هناك تأثير حماس، بينما في الضفة هناك تأثير فتح؛ حيث اقتصرت الأخيرة على فعاليات محدودة مرتبطة ببناء الجدار العازل ومصادرة الأراضي وإغلاق بعض الطرق، أو مقاطعة منتجات المستوطنات، أو حتى ردود فعل مؤقتة نتيجة اعتداءات المستوطنين المتكررة ضد الفلسطينيين، كما يحصل في قرية النبي صالح ونعلين وكفر قدوم والمعصرة وغيرها”.

وأردف: “هذه الفعاليات في أوج زخمها لا يتجاوز عدد المشاركين فيها بضع عشرات، غالبيتهم من الأجانب واليسار “الإسرائيلي”، والسلطة معنية جدًّا أن تبقى الأعداد المشاركة قليلة، والفعاليات رمزية لا تأخذ صفة الديمومة، وتتجنب قدر الإمكان الاحتكاك مع جنود الاحتلال لأنها تحرص ألا تخرج الأمور عن نطاق ومجال سيطرتها”.

بينما في غزة -يتابع قبها-: “فدور حماس هو الأكثر قوة وتأثيرًا، وبنفس الوقت فعقليتها وتعاطيها مع الشأن الفلسطيني  يسمح للفصائل والتنظيمات، ويتيح لها دورًا ومساحة في الحشد والتعبئة والتنظيم، بينما تُغيِّب فتح دور الفصائل والتنظيمات، بل إن أجهزة أمن سلطة فتح تُلاحق العناصر الفاعلة من حماس ولا تسمح لها بالقيام بأي نشاطات أو فعاليات حتى في سياق وإطار المقاومة الناعمة”.

ملاحقة أمنية

وعزا قبها تراجع المقاومة الشعبية في الضفة إلى ما أسماها استراتيجية الملاحقة الأمنية المزدوجة التي تنتهجها أجهزة أمن السلطة والاحتلال في آن واحد لكل من يفكر بالمقاومة وبغض النظر عن نوعها، مضيفًا أنه من الطبيعي أن تؤثر هذه  الضربات والملاحقات على الاستعداد الشعبي للمشاركة في فعاليات الضفة، في الوقت الذي تسهل حماس في غزة وتساعد في عمليات المشاركة بهذه الفعاليات؛ فالعقيدة الأمنية لدى السلطة تقوم على عدم السماح لحماس بالتقاط أنفاسها.

وعقد قبها مقارنة بين غزة التي تتبنى فيها حماس نهج المقاومة وتعمقه في أذهان الأجيال، وبين الضفة التي عمدت فيها السلطة إلى إغراق ساكنيها بالهموم والالتزامات المالية والقروض والمشاكل الاجتماعية لحرفها عن مقاومة الاحتلال ومجابهته، على حد قوله.

ورأى قبها أن سيطرة الاحتلال الكاملة على قرى وأزقة ومدن الضفة المحتلة، عبر العديد من الحواجز العسكرية، والطرق الالتفافية وغيرها من عناصر السيطرة، من شأنها أن تقلل من هامش الحركة والحشد والزحف بعشرات الآلاف للمشاركة في الفعاليات بكل أنواعها.

وختم بقوله إن الضفة تعيش حالة من غياب التوافق الوطني والفصائلي الفاعل؛ لأن محور هذه الفصائل (حماس) ملاحق أمنيًّا وغير مسموح له التحرك، وحتى فصائل منظمة التحرير تشكل عامل إضعاف من خلال صمتها على جرائم السلطة بحق حماس؛ حيث هذا الخرس يمهد الطريق أمام السلطة لضرب أي بنية أو حاضنة قد تنشأ من جديد، وحيث تحييد المساجد وتقييد دورها، فهي تعدّ أهم حواضن التعبئة والحشد والتوجيه والتجمهر للانطلاق في فعاليات جماهيرية حاشدة بزخم مؤثر.

مقاومة هنا وتنسيق هناك

وبدوره عزا الكاتب والمحلل السياسي الدكتور كمال علاونة نجاح نموذج المقاومة المدنية السلمية في قطاع غزة وفشله في الضفة الغربية المحتلة لعدة أسباب، أولها الظهير الأمني والسياسي والتنظيمي من المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة، والرعاية والاهتمام الحركي والفصائلي، وثانيها الاستعداد للانفجار والتصدي والتحدي في قطاع غزة لدى الجمهور الفلسطيني المحصور في بقعة جغرافية محددة.

وتابع علاونة حديثه عن أسباب هذا الاختلاف قائلاً: “هناك في غزة لا يوجد أي من البدائل الأخرى سوى إطلاق الصواريخ بحرب عنيفة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، وفي ذات الوقت الملاحقة الأمنية المزدوجة للنشطاء السياسيين المقاومين للاحتلال حاضرة في الضفة الغربية، والاعتقالات والاستدعاءات والتحقيق للنشطاء الشباب في الضفة الغربية، بينما عكس ذلك في قطاع غزة؛ حيث التشجيع والدعم الإعلامي والمعنوي.

ويرى علاونة كذلك أن بُعد الحواجز العسكرية الصهيونية في الضفة الغربية عن مراكز المدن والتجمعات السكانية الفلسطينية، وتهديد وسائل النقل الفلسطيني بسحب التراخيص ومصادرة الحافلات والمركبات التي تنقل نشطاء المقاومة السلمية في الضفة الغربية المحتلة، هي عوامل مجتمعة تحول دون قوة المسيرات الشعبية.

دور القيادة

وأضاف علاونة سرده لأسباب قوة المسيرات في غزة وضعفها بالضفة، أن في غزة الرغبة في التنفيس عن الكبت والاحتقان النفسي والاجتماعي والاقتصادي كبيرة، إلى جانب عدم التبني الرسمي الفلسطيني والفصائلي الحقيقي للمقاومة الشعبية في الضفة الغربية.

وعدّ علاونة انخراط القيادة السياسية في مسيرات العودة في غزة، هو أحد أسباب نجاحها، وتابع: “القيادة وسط المعركة في مسيرات العودة الكبرى في قطاع غزة، وغياب القيادة السياسية والشبابية الميدانية في الضفة الغربية، هذا بالإضافة إلى غياب التهيئة التنظيمية والأيديولوجية الحقيقية في الضفة الغربية بسبب الواقع المؤلم القائم”.

ويشير علاونة إلى أن التشكيك في الاستثمار الرسمي الفلسطيني للمقاومة الشعبية لتحريك المفاوضات السلمية مع الجانب الصهيوني، وعدم ثقة الشباب الفلسطيني بالمفاوضات العبثية التي لا تسمن ولا تغني من الجوع، واحدة من الأسباب المهمة لتراجع المقاومة الشعبية في الضفة الغربية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات