الأربعاء 08/مايو/2024

سوسنة الملوك العائدين!

أسامة الأشقر

لطالما رمزت شقائق النعمان الحمراء المتشحة بالسواد لذاك الشهيد الذي قاتل بشرف ونزف دمه على أرضه فنبتت من دمائه هذه الزهرة!

ثمة زهرة فلسطينية أخرى تعشق الشمس وتزهر في أواخر آذار “مارس” وفي نيسان “أبريل” بعد موسم الغيث، كبيرة البتلات تستعرض بجمالها البنفسجي الأخّاذ، تعبّر عن حالة الفدائي النبيل بامتياز.

فهي شريفة النسب، أصيلة المنبت، أعدادها نادرة قليلة، مهددة بالانقراض، تنمو في مساحة ضيقة محصورة، في جبل فقوعة إلى الشمال الشرقي من جنين ومرج ابن عامر في دير غزالة وعربونة وجلبون، ولا تكاد تجدها في أي مكان آخر إلا أن يكون قريباً جداً منها.

ويزعمون أنها تتغذى بدهن الأرض وضوء القمر في شمس هذا الجبل المنفتح على السهل.

وظهورها محدود بأسابيع ثلاثة تستعرض فيه نفسها وتسجّل حضورها الموسمي لتختفي من جديد في جذورها بعد أن تجف أوراقها الخضراء التي تشبه أوراق البصل، لتعاود الحياة من جديد في الشتاء بعد أن تنتفض بماء السماء.

لا تتكاثر بسهولة، فبذورها مضغوطة في كبسولة درنية صلبة، لا تنكسر بسهولة إلا في ظروف خاصة، وبيئة مناسبة وتربة صالحة.

وهي متعالية متفاخرة يزيد طولها عن 30 سم أحياناً، وتجذب لها أنواعاً محددة من النحل البريّ الذي يأتي إليها خاصة، ويعرف قدرها ويعظّمها.

وهي زهرة متفردة، كل نبتة تحمل زهرة واحدة تحملها أوراق خضراء قاتمة طويلة كأنها السهم الرفيع. 

والغريب أن هذه الزهرة التي تضجّ بالجمال والفتوّة تخفي نفسها عن الشمّامين فلا تشمّ لها رائحة، وإذا حاول أحدهم مضغ زهرتها أو أوراقها فسيصاب بوجع حادٍّ في معدته بسبب سمّيتها الخطيرة؛ ويبدو أنهم لم يروا نصل الخنجر الأصفر في صفحة البنفسج عليها.

حاول الصهاينة سرقة معناها فسمّوها سوسنة “جلبوع ” الاسم العبراني لجبل “فقوعة” حيث هَزم الفلسطينيون الكنعانيون الأوائل شاؤول وقتلوه وأولاده الثلاثة؛ ولكن الاسم الرسمي “سوسنة فقوعة” بقي مسجّلاً عالمياً لهذه السوسنة الملكية ذات العنق FAQUA IRIS ؛ وما زال الصهاينة يحاولون سرقة عصفور الشمس الفلسطيني وغزال الجبل الفلسطيني.

ولمكانتها هذه اتخذها الملوك القدماء في قصورهم القريبة من مواضع نموها، ولعجزهم عن استنباتها رسموها ورمزوا لها وجعلوها نقوشاً في قبورهم، وفرشوا زهورها على أضرحتهم، وجعلوها زهرة ملكية مقدسة، تخفّف عنها ما هم فيه.  

هذه الزهرة البنفسجية الملثّمة المائلة للسمرة زهرة فلسطينية تمثّل الثورة وتحمل معناها وترمز لحضورها عبر العصور، وتضع بصمة الوطن، وتصبغ بألوانها حلم العودة!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات