السبت 27/يوليو/2024

الأسير حسن سلامة .. مهندس عمليات الثأر المقدس

الأسير حسن سلامة .. مهندس عمليات الثأر المقدس

رأته أمه لأول مرة بعد حرمان من الزيارة لسنوات عديدة فكادت أن تبكي فرحًا، فنظر إليها متدللاً ونظرات عينيه قائلة: “أماه لا تجعليهم يفرحون”، فأطلقت الأم الصابرة الزغاريد وسط السجن، فأعادت له الابتسامة ولإخوانه الأسرى، وأغاظت السجانين من حوله.

هو الصامت المتواضع، الذي استطاع أن يقهر بابتساماته وضحكاته ساحات محاكم الاحتلال الظالمة، ليجلس براحة وثبات راسخ وشموخ، شموخ الجبال.

حسن عبد الرحمن سلامة من سكان خانيونس جنوب قطاع غزة، اسم لمع في ساحات الجهاد والمقاومة، حتى بات يتردد في كل منزل وشارع وزقاق من أزقة فلسطين.


نشأة القائد

كان يوم التاسع من أغسطس لعام 1971م على موعد مع ولادة قائد فذ أرعب قادة العدو وأربك حساباته، ليترعرع ويتربّى بين أزقة وشوارع وجنبات معسكر خانيونس للاجئين، حيث بدأ التزامه الديني منذ صغره، حيث التزم في مسجد الإمام الشافعي بمعسكر خان يونس.

كان الأسير القائد كما تقول عائلته، ملتزماً بدينه منذ صغره، وكان يعقد لقاءات للأشبال يعلمهم فيها قراءة القرآن الكريم والأخلاق الحميد المستمدة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حاول مراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” مقابلة والدته الصابرة، لكنه لم يتمكن بعد أن أقعدها المرض، فأصبحت غير قادرة على مقابلة أحد بعد أن أرهقتها السنوات وهي تنتظر رؤية فلذة كبدها الذي حرمت من مشاهدته أو زيارته طيلة سنوات سجنه.


الانخراط في الانتفاضة

ومع اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987م، شارك أبو علي في مختلف فعالياتها منذ البداية، وانضم إلى جهاز العمل الجماهيري التابع لحركة حماس، وكان يقوم بالعديد من الأنشطة الموكلة إليه وخلال سنوات الانتفاضة الأولى اعتلقه الاحتلال خمس مرات، وكان يحكم عليه في كل مرة بستة أشهر إداري.

ويقول شقيقه محمد الذي يصغره سناً: إن القائد حسن كان يحب المقاومة منذ نعومة أظفاره، ليشارك في مختلف فعاليات الانتفاضة الأولى عام 1987م، حيث اعتقل خمس مرات من الاحتلال، وكان يحكم عليه في كل مرة 6 أشهر إداري.

وانضم القائد حسن إلى مجموعات الصاعقة الإسلامية التابعة لحركة حماس، التي كانت تنشط في قطاع غزة لملاحقة العملاء والمتعاونين مع الاحتلال، وترأس إحدى هذه المجموعات العاملة في مدينة خان يونس، ونتيجة لاعتقال أحد أفراد المجموعة؛ كلفته قيادة الحركة بالسفر إلى خارج فلسطين لكي لا يعتقل، و تنقل بين العديد من الدول العربية مثل سوريا وإيران وليبيا والسودان، وقد شارك خلال تلك الفترة بالعديد من الدورات العسكرية التي أهلته ليكون جندياً وقائداً عسكرياً متميزاً.

ومع بداية دخول السلطة إلى غزة عام 1993، عاد حسن سلامة إلى قطاع غزة عبر الحدود المصرية الفلسطينية، وكان برفقته الشهيد عماد عباس، وقد اعتقلتهما السلطة لحظة وصولهما، ومكثا في سجون السلطة خمسة أشهر إلى أن تدخلت قيادة حركة حماس في قطاع غزة وأفرج عنهما، ليلتحق مجدداً بالجناح العسكري لحركة حماس كتائب القسام في قطاع غزة، وأصبح يعمل مباشرةً إلى جانب القائد العام للجناح العسكري آنذاك محمد الضيف، وكان على علاقة وطيدة مع المهندس الشهيد يحيى عياش، وقد تمكن خلال هذه المرحلة من تنفيذ العديد من عمليات إطلاق نار على جيبات ومواقع الاحتلال المترامية حول قطاع غزة.

مرحلة جديدة بعد اغتيال المهندس
بعد اغتيال المهندس يحيى عياش، أوكلت له قيادة القسام مهمة تخطيط وتنفيذ عمليات الرد على اغتيال المهندس عياش، لتبدأ مرحلة جديدة من حياة القائد حسن الجهادية؛ حيث انتقل إلى الضفة الغربية عبر حاجز حدودي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

وبعد مرور 40 يوماً على حادثة الاغتيال تمكن المجاهد حسن سلامة وعدد من إخوانه المجاهدين هناك من تنفيذ ثلاث عمليات استشهادية في العمق الصهيوني، أدت العمليات الثلاثة في حصيلتها النهائية حسب الإعلام الصهيوني إلى مقتل 46 صهيونياً وإصابة العشرات بجراحات مختلفة.

يذكر أن كتائب القسام نشرت قبل أيام سلسلة من الحلقات التي تتحدث عن حكاية القسام في عمليات الثأر، بدءًا من صدور الإشارة بالرد على اغتيال عياش من القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف ووصولاً إلى التنفيذ.

وبعد تنفيذ تلك العمليات، جُن جنون الكيان “الإسرائيلي”، وشنت قوات الاحتلال حملة اعتقالات ضخمة في صفوف حركة حماس، أوصلته بأن من يقف خلف تنفيذ تلك العمليات هو القائد حسن سلامة، لتبدأ بأكبر حملة مداهمات ورصد ومتابعة لهذا البطل.


حادثة الاعتقال

وبتاريخ 17-5-1996م اعتقل القائد حسن سلامة، بعد نصب الاحتلال حاجز عسكري مفاجئ في أحد شوارع مدينة الخليل، وأوقفت السيارة التي يستقلها، حيث تفاجأ سلامة بهذا الحاجز ولم يتمكن من فعل شيء، وخلال محاولته الانسحاب باغتته قوات الاحتلال بإطلاق النار عليه؛ مما أدى لإصابته في بطنه.

استمر القائد حسن في الانسحاب من المنطقة، رغم الإصابة إلى أن أغمي عليه، ووقع على الأرض، ونقله أحد المواطنين إلى إحدى مستشفيات الخليل، وأجرى عملية جراحية سريعة له دون أن يتعرف عليه أحد، ولم يمض وقت طويل حتى بدأت قوات الاحتلال بمحاصرة المستشفى واقتحام أقسامها، واختطفته ونقلته عبر مروحية عسكرية إلى مستشفى هداسا داخل الكيان.

وبذلك تمكن جيش الاحتلال من أسر هذا المجاهد بعد إتمامه وتنفيذه للمهمة التي أوكلت إليه، والمتمثلة في تنفيذ عمليات الرد على اغتيال المهندس الشهيد يحيى عياش، والتي عرفت لاحقا بـ”عمليات الثأر المقدس”.

المحاكمة
وبعد خضوعه للتحقيق مدة 3 أشهر تعرض خلالها لشتى صور التحقيق والتعذيب، عرض القائد حسن على المحكمة العسكرية في مدينة الرملة والتي حكمت عليه بالسجن 48 مؤبداً.

وفور انتهاء صدور الحكم أرسل إلى سجن المجدل، ثم نقل إلى نفحة، وبعد عامين على اعتقاله حجز في عزل انفرادي في سجن السبع قسم أيلون، وبعد ذلك بدأت مسيرة عزل دامت أكثر من 13 عاما، انتهت قبل سنوات بعد إضراب خاضه الأسرى عام 2012م.

خطوبة في الأسر
وخلال أسره، عقد المجاهد حسن سلامة قرانه على الأسيرة المحررة غفران زامل من مدينة نابلس، وحدث ذلك عندما كانت غفران رهن الاعتقال.

وبعد الإفراج عنها بعد قضاء عشرة أشهر استكمل عقد القران في المحكمة الشرعية بمدينة نابلس، لتكتمل مقولة أبو علي “إرادة السجن لن تكسر فينا الأمل”.

وتقول زامل لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: “مضى على خطوبتنا أنا والأسير حسن سلامة ما يقارب الـ٨ سنوات، ومنذ اليوم الأول الذي عرفته فيه حتى هذا اليوم لم أسمع منه كلمة شكوى أو تذمر لسنوات سجنه الطويلة”.

وتضيف: “رغم قهر السجان وتعرضه لكل أنواع العقاب والعذاب، إلا أن أبو علي معنوياته عالية، ودوما متفائل بالفرج القريب، حتى روحه الجميلة لا زالت تحتفظ بكل المعاني السامية، ولم يمسها من عذاب السنوات الطويلة أي وهن”.

وتمضى الأيام ولم يسمح الاحتلال لغفران بزيارة خطيبها، ففي كل مرة تتقدم لطلب تصريح زيارة عبر الصليب الأحمر يأتي الرد بالرفض الأمني المشدد، مشيرة إلى أن إرادة الأسرى وتحديهم لقوانين الاحتلال، سمحت لهم بالتواصل مع عائلاتهم عبر أجهزة خلوية مهربة.

وعن مواقفه التي لا تنسى؛ تذكر غفران حين حدثها حسن أن إدارة السجن أرادت التخلص منه عن طريق وضع أسير يعاني مرضا نفسيا في زنزانته وكان يشكل خطرا على كل من يعيش معه خاصة أنه يقضي طوال فترة حكمه في زنزانة خاصة نتيجة وضعه النفسي.

وتكمل غفران: “استطاع حسن ترويض هذا الأسير كالطفل الصغير، فنظفه، وقص شعره، ورتبه وأطعمه، وعامله بطريقة جيدة وإنسانية، فما كان من إدارة المعتقل إلا أن أخرجته من الزنزانة وخابت مساعي الاحتلال وظنونه فمن أراده أن يقتل حسن تحول لإنسان آخر برفقته”.

ولا تزال العائلة ومحبو القائد سلامة يترقبون حريته في صفقة التبادل القادمة مع الاحتلال.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات