الثلاثاء 06/مايو/2025

المشهد السياسي الإسرائيلي.. سيل من الفرص السانحة

المشهد السياسي الإسرائيلي.. سيل من الفرص السانحة

في خطابه قبل نحو شهر ونصف من الآن، أشار عاموس يدلين، رئيس معهد دراسات الأمن القومي “الإسرائيلي”، أنّ على دولته إعداد خطط إستراتيجية واضحة، سواءً من الناحية السياسية أم الأمنية وغيرهما، في إشارة واضحة لصانع القرار بمستوياته كافة، أنّ تل أبيب لا تمتلك رؤية واضحة.

عدم وضوح الرؤية “الإسرائيلية”، لا يعتريه الكثير من التخبط السياسي، ولعلّ ذلك يعود إلى وجود فرص سانحة كثيرة، منحت تل أبيب دون الكثير من التخطيط، أرضية خصبة لتحقيق مكاسب سياسية كبيرة، في ملفات عدّة، تحديداً على المستوى الإقليمي.

أولى تلك الفرص، هي الحالة العربية المتردية، والتي تمثلت بتراجع دور الدول العربية، وزيادة انقسامها انقساماً، الأمر الذي دفع الكثير منها للهرولة نحو التطبيع مع “إسرائيل”، طوعاً أو كرهاً، رغم أنّ غالبيتها قالت أتينا طائعين، إلى جانب ذلك، فإنّ الاصطفاف الأمريكي غير المسبوق إلى جانب تل أبيب زاد من نشوتها وشهيتها، نحو اقتناص تلك الفرص، الأمر الذي كان وسيكون له انعكاس كبير على السياسة “الإسرائيلية” في التعاطي مع الكثير من الملفات.

ففي الملف الفلسطيني، باتت الرؤية “الإسرائيلية”، أكثر وضوحاً، وفي الوقت الذي كان فيه الفلسطيني يخال أنّ السيطرة على الأرض في الضفة الغربية، ستكون لأبعاد الاستيطان والمصادرة فقط، رغم كارثية الأمرين، إلّا أنّ “إسرائيل” ومن الممكن دون تخطيط، وصلت إلى سياسة فرض الأمر الواقع، والتي تقضي بالعمل على حلّ إشكاليتي شطري الوطن الفلسطيني، الضفة وغزة، كلٍّ بمعزل عن الآخر.

ومن يلاحظ التحركات المصرية الأخيرة إلى جانب التصريحات الأمريكية، بضرورة حلّ الاشكاليات الإنسانية في غزة، وفي ظل التلويح بامكانية التوصل لحلول منفردة في القطاع، وقد يكون تشديد الحصار يحمل في طيّاته إرغام متخذ القرار في غزة، لمضغ أقلّ الأمرين وهو الوصول لحلّ مجتزأ، يُعطي غزة متنفساً من نواحٍ عدّة.

إلى جانب ذلك، فإنّ المخطط الإسرائيلي في الضفة، يسير دون الكثير من الإزعاج، فعجلة الاستيطان تحولت إلى قطار لا يقف في طريقه أيٌّ من المعيقات، في ظل استعداد إسرائيلي واضح لضم المناطق الاستيطانية كاملة، وإبقاء ما تبقى من الضفة تحت حكم الفلسطينيين، أو ربما، الذهاب باتجاه بعض الأصوات الإسرائيلية التي تطالب بضم الضفة جميعها بسكانها، أو إلقاء عبئهم على الأردن.

في الملف السوري، كذلك، فإنّ “إسرائيل” والتي تخشى الوجود الإيراني، وتمدده في الأراضي السورية فإنّها تمتلك العديد من نقاط القوّة، والتي لربما تُساهم في خلق نوع من الحلول يعود عليها بالفائدة، فالمشهد على الأرض السورية والذي لا يزال ضبابياً، فيما يتعلق بطبيعة الترتيبات التي ستؤول إليها الأوضاع هناك، تسعى “إسرائيل” من خلاله لإعادة صياغته وفق ما تقتضيه مصالحها.

قد يكون ذلك مستحيلاً من خلال التدخل “الإسرائيلي” المباشر، فـ”إسرائيل” ليست الدولة التي تمتلك كل مفاتيح القوّة، ولكنّها تسعى لذلك من خلال المعادلات المتناقضة على الساحة السورية، والتي باتت تتكشف بشكل أكبر، فبداية وجود نوع من عدم التفاهم بين الولايات المتحدة وتركيا من جانب، وبين روسيا والولايات المتحدة من جانب آخر، ربما سيؤدي إلى احتكاكات عسكرية، أو تفاهمات سياسية تؤدي إلى إضعاف الفرقاء كافة بما في ذلك إيران.

هذا إلى جانب استمرار “إسرائيل” في سياسة الاستهداف على الأراضي السورية، والتي تسعى من خلالها إيصال رسائل لحاكم دمشق بشار الأسد، أنّ استمرار الوجود الإيراني، سيؤدي إلى استنزاف “إسرائيلي” متكرر للقوات السورية، الأمر الذي قد يدفع الأسد للمطالبة بتخفيف ذلك الوجود، وهذه الرؤية “الإسرائيلية”، كشفت عنها المؤتمرات الأمنية والسياسية الأخيرة في تل أبيب.

ويُجمل مركز القدس، الواقع السياسي “الإسرائيلي” بالقوّل إنّ “إسرائيل” تعيش أريحية على المستوى التكتيكي القريب، وغموضًا على المستوى الاستراتيجي البعيد، وتعمل ضمن التوجهات التالية:

– إبقاء الانقسام الفلسطيني، ومحاولة إيجاد حلول لملف غزة، تضمن الهدوء في الجنوب، وتضمن عدم تطوير المقاومة لسلاحها.

– استمرار الاستيطان في الضفة، والاستعداد لأي سيناريو محتمل، مع تفضيلها بقاء السلطة الفلسطينية لإدارة شؤون الضفة.

– في الملف السوري، استمرار العمل على مستوى الدول العظمى، من أجل خلق أرضية تحفظ أمن “إسرائيل”، وتبعد إيران عن حدودها.

– استمرار العمل مع الدول العربية، للوصول إلى تطبيع كامل، وتقوية العمل مع مصر، لترتيب أوضاع سيناء بما يخدم “إسرائيل”.

– على مستوى حوض شرق الأبيض المتوسط، استمرار عملها من أجل خلق نوع من الاحتكاك بين تركيا وجاراتها، لإضعاف الدور التركي المتصاعد.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات