الجمعة 28/يونيو/2024

الأسير محمد شماسنة.. ابن القدس الذي لم تنل 25 عاما من عزيمته

الأسير محمد شماسنة.. ابن القدس الذي لم تنل 25 عاما من عزيمته

خلف بوابات السجن المظلمة قصص وحكايات من البطولة والتضحية طال على أصحابها الزمن، فمرت عليهم السنوات تباعا وهم يتشبثون بالأمل، ويحلمون باليوم الذي يكسرون فيه القيد وينطلقون إلى فضاء الحرية.

من بين هؤلاء، الأسير محمد يوسف عبد الجواد شماسنة (49 عاماً) من بلدة قطنة شمال غرب القدس المحتلة، الذي استثني من كل الصفقات والإفراجات، وآخرها الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى عام 2013، ليكمل حتى الآن ربع قرن في غياهب السجون.

الأسير محمد شماسنة وهو من مواليد العام 1969، غادر مقاعد الدراسة بعد انتهاء المرحلة الابتدائية، ليلتحق بصفوف العمل لمساعدة عائلته في مواجهة تكاليف الحياة المعيشية الصعبة، وليؤسس لحياة زوجية كغيره من شباب جيله.

وفي فجر يوم (12–11–1993) دهمت قوات الاحتلال منزل شماسنة، واعتقلته بعد أن اعتدت عليه أمام زوجته وأطفاله.

ذكريات قاسية

حين اعتقل شماسنة كان يبلغ 24 عاماً، وكان لديه ثلاث زهرات، أصغرهن وفدت لحياته قبل ذلك بشهرين، واليوم قضى مثل عمره متنقلاً بين السجون، قبل أن يستقر به الأمر نهاية المطاف في سجن نفحة مع شقيقه عبد الجواد.

ورغم مرور كل هذه السنوات، لا زالت ابنته الكبرى “صفاء” تذكر جيدا تفاصيل تلك الليلة الصعبة التي عاشتها مع عائلتها وهي في سن الرابعة.

وتقول صفاء: “كانت لحظات قاسية جدا، فقد حضر الجنود لمنزلنا فجرا، وطرقوا الباب بقوة، وما أن فتح أبي الباب، حتى صوبوا بنادقهم نحوه، وطرحوه أرضا، وأخذوا يضربونه بأعقاب بنادقهم”.

وتضيف لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” أن الجنود أخرجوا جميع أفراد العائلة في العراء وفتشوا المنزل بدقة، وعاثوا فيه فسادا كبيرا، قبل أن يغادروه ويقتادوا والدها معهم.

أمضى شماسنة في أقبية التحقيق مدة 45 يوما، وبعد مرور عشرين يومًا على اعتقاله، داهمت شرطة الاحتلال منزله مجددا، برفقة شقيقه الأسير عبد الجواد، وأجبرت شقيقه على إخراج السلاح المدفون في أرض المنزل.

وجهت للأسير تهمة المشاركة بقتل ثلاثة مستوطنين في حي “راموت اشكول” بالقدس، وحكم عليه بالسجن ثلاثة مؤبدات وعشرين سنة، وأثناء وجوده في سجن عسقلان ضرب شرطيا، فحكم عشر سنوات إضافية، ليصبح حكمه ثلاثة مؤبدات وثلاثين عامًا.

محنة ومنحة

كانت سنوات السجن رغم قسوتها فرصة للأسير شماسنة لتعويض ما فاته من التعليم، فحصل داخل السجن على شهادة الثانوية العامة “التوجيهي”، ومن ثم تابع تحصيله الجامعي وحصل على شهادة البكالوريوس.

عائلة الأسير شماسنة وعلى مدار السنوات الطويلة التي أمضاها في الأسر، كانت تنتظر حريته في كل يوم، ولم تلتفت لحكم المؤبد ولم تعره بالاً، بل آمنت بأن الحرية ستقفز عن حكم المؤبد، ولن يمضي هذا العمر داخل السجن.

لكن السنوات طالت، وأمل والديه شاخ كعمرهما، وصبرهما استمات مع كل إعلانٍ لصفقة جديدة.

وخلال هذه السنوات كانت الزيارات هي البلسم الوحيد الذي يخفف آلام والديه وزوجته وبناته صفاء وسناء ومنال، قبل أن يسلبهم الاحتلال هذا الحق أيضاً، فيحرم والدته وبناته وزوجته من رؤيته.

يقول والده الحاج يوسف: “منذ ثلاث سنوات لم تره زوجته، يسمح لي أنا فقط الآن بزيارته، وحين تملك ابنته صفاء تصريحاً”.

ويضيف: “قبل أيام زرت محمد وعبد الجواد لوحدي، فقد أصبحت الأمل الوحيد لهما الآن، فغالبية العائلة ممنوعة من الزيارة”.

الزيارة في سجن نفحة ليست بالسهلة، فهي تعني أن يتحضر لكلامٍ مفرح وأخبارٍ سارّة سينقلها لولديه، وأن يمر عبر معابر الذل والتفتيش، وأن يجلس على الأرض ينتظر موعد الزيارة، وإن حالفه الحظ سيدخل في الفوج الأول، وإلا فسيدخل أخيراً.

لكن أكثر ما يزعج الحاج يوسف هو تكتم ولديه عن حالتهما الصحية، فلم يسبق لهما في أية زيارة أن أظهرا له ضعفاً أو قهراً، رغم محاولاته الدائمة أن يجتر الكلمات من ألسنتهما ويجبرهما على الحديث حول أمراضهما، وكيف يعيشان.

ويقول: “لم يخبراني بأي شيء سيئ، واكتفيا بالقول “أمورنا بخير.. دعواتكم ترافقنا، أبلغ العائلة منا السلام”.

يعلم الحاج يوسف أن الألم الذي يعاني منه نجله محمد كبيرٌ جداً، فهو يعاني من آلام في مفاصله كاملة، ومن آلام الديسك، ومن مشاكل في عينيه، حيث فقد 70% من مستوى بصره، ولم تلق إدارة السجن بالاً لذلك.

وخلال سنوات أسره الطويلة، كان اسم الأسير محمد شماسنة يخرج إلى السطح مع كل حديث عن صفقة تبادل أو حملة إفراجات، لكن آماله وآمال عائلته كانت تخيب لتتحول إلى انتكاسة مؤلمة.

ورغم ذلك، يعقد الحاج يوسف آماله على الله تعالى أن يجعل لقاءه بابنيه قريباً، وأن لا يسقط اسماهما في الصفقة القادمة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات