الجمعة 17/مايو/2024

كي الوعي الفلسطيني ومشاريع التحرر

رضوان الأخرس

حركات التحرر تنجح ويكون لها صداها وعنفوانها إن ارتبطت بفكر ثوري مبادئي نقي، وحجم ارتباط الأفراد بها، واستعدادهم للتضحية متعلقٌ بقدر أصالة هذه الأفكار وقوتها في وجدانهم.

كانت قدرة الفصائل الفلسطينية كافة على تجنيد الفدائيين، خصوصاً في الضفة الغربية، عالية في سنوات انتفاضة الأقصى، وفي السنوات الثلاث الأخيرة باتت العمليات تأخذ في جلها الطابع الفردي لا التنظيمي.

وتوجد أسباب موضوعية لهذا الأمر غير تلك المتعلقة بالملاحقة الأمنية المزدوجة، مرتبطة بتداخلات المال والسياسة. في السنوات الأخيرة جرى كي الوعي الفلسطيني، ليتمحور حول الراتب، ولقمة العيش، حصراً، أو هكذا أرادوا، لم يكن الاحتلال وحده من فعل هذا، وإن كان هو المحرك أو المتسبب الأساسي في مآسينا.

من الطبيعي أن يبحث الإنسان عن لقمة العيش، لكن الخلل هي أن تكون محور اهتمامه الوحيد في الحياة، وهنا لست في إطار لوم الشعب، فهو ضحية لحصار الاحتلال والعبث والفساد الرسمي الفلسطيني.

كان الحصار على قطاع غزة لجعل سكانه يتمحورون خلف البحث عن رمق العيش لا عن المقاومة وغيرها من أبجديات مشاريع التحرر، وفي الإطار ذاته يأتي كل تضييق وكل عقوبات، إلا أن غزة «أمّ المتناقضات»، فلا أستطيع القول إن هذا المخطط فشل ولا أستطيع القول إنه نجح، لأن الأمر نسبي جداً، ولكلٍّ شواهده، لكن أن تكون لفشل هذه المخططات شواهد في الواقع المأساوي فهذا مذهل.

المنظومة السياسية الرسمية في فلسطين تعيش وهم السلطة والنفوذ، في ظل وجودٍ مكبل تُنتزع سيادته يومياً، ولا أدل على ذلك مؤخراً من تبجح حزب الليكود، بسعيه لضم الضفة إلى الكيان، كما أن هذه المنظومة في جزء من جوانبها غير أخلاقية، تزاوجت في إطار غير شرعي مع المال والاقتصاد، وهيمنت عليهما، وعلى المؤسسات والشركات الكبرى في العلن والخفاء، محتكرة الجزء الأكبر من سوق العمل، ضمن حلقات شخصية، أو عائلية، أو مصلحية. حجم هذه الحلقات يزداد، كما حجم التنافس والصراعات داخلها على النفوذ والموارد، في ظل غياب مؤسسات رقابة حقيقية، تمنع تداخل السلطات أو الاستفراد بها، أو تمنع تغوّل السلطة التنفيذية على الاقتصاد، ومن ثم توحش هذه الحلقات الهجينة على حساب باقي فئات المجتمع.

اتساع هذا التوحش يجعل هذه الحلقات المتداخلة والمتنفذة في الحياة السياسية لا تبالي كثيراً بمعاناة المواطنين، لأنها لا تشعر بها، ولا تتأثر بها كثيراً أو سريعاً، وهذا من شأنه تهديد المسيرة الوطنية، لأنه مع عوامل القهر والحصار يترك قناعات وأفكاراً سيئة لدى المواطنين حول «قياداتهم»، وبالتالي يضعف تأثير الحركات في المجتمع، بل تزداد الفجوة النفسية والطبقية بينهم، ويعيش بذلك جزء من المجتمع صراعاً طبقياً يؤثر سلباً لصالح الاحتلال.

من الضروري إجراء مراجعات جذرية للحالة الفلسطينية، وبما في ذلك منظومة الاقتصاد والمال، لتكون معول بناء للإنسان الفلسطيني لا هدم، مع بحث كيفية تحرير هذه المنظومة قدر الإمكان من تأثيرات وتدخلات الاحتلال فيها، لأن ما سبق ذكره أيضاً في جانب كبير منه مرتهن بتحكم الاحتلال، أو مرتبط فيه، ولأن تحرر الإنسان من عقدة الحاجة الملحة يجعله أكثر عطاء وانتماء لوطنه.

رغم ذلك يذهب الفدائيون أفراداً لتنفيذ عمليات فدائية بالضفة، وينضم الشباب جماعاتٍ لتشكيلات المقاومة في غزة حباً وطواعية، بما يدل على أن هذا الشعب ينتمي لأرضه ولعقيدته ومقدساته أكثر من الانتماء لعناوين وأشخاص، لذلك لم تتلوث أرواحهم، نتيجة تلوث المناخ العام.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

25 ألف مصلٍ يؤدون الجمعة في المسجد الأقصى

25 ألف مصلٍ يؤدون الجمعة في المسجد الأقصى

القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أدى عشرات الآلاف من المواطنين صلاة الجمعة اليوم في المسجد الأقصى المبارك، رغم العراقيل والقيود التي فرضتها...