عاجل

الثلاثاء 07/مايو/2024

على مشارف الوطن.. حكايات مرج الزهور التي أغلقت باب الإبعاد

على مشارف الوطن.. حكايات مرج الزهور التي أغلقت باب الإبعاد

على جنبات وادي “الفاتر” ، وبين مرتفعات وتلال “لبايا” وعبر سهول وحقول مرج الزهور في الجنوب اللبناني، كتبت هذه المذكرات ونشرت عام 1993م، وقد نسجها صاحبها وهو في أوج المحنة (محنة الإبعاد عن الوطن).

كانت المذكرات انعكاسا حقيقيا من قلب المعركة والمواجهة مع الاحتلال من أجل الظفر بالعودة، بعد تسجيل صمود أسطوري لأربعمائة مبعد انتزعوا في جنح الظلام من بين أسرهم وأطفالهم ووطنهم ليجدوا أنفسهم في العراء والثلج والصقيع بين الجبال والصخور.. بلا هوية ولا وطن.

تقديم الرنتيسي

إنها مذكرات كتبها المبعد – آنذاك – الدكتور نزار رمضان بعنوان (على مشارف الوطن) في 278 صفحة من القطع الكبير، ونشرتها دار الرشاد الإسلامية في بيروت، وقدم لها الناطق باسم المبعدين الدكتور عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله، وهو يؤكد على أهميتها.

وجاء في تقديم الدكتور الرنتيسي: “كتاب على مشارف الوطن.. يصلح أن يكون مصدرا للتوثيق ومنهلا للحقيقة ترتوي منه الأجيال القادمة.. فقد نقل المؤلف الحقيقة المجردة، ووثقها بالوثائق والصور، ثم ربط الماضي بالحاضر، كي تكتمل الصورة، صورة المعاناة القديمة الحديثة لشعبنا الفلسطيني المنكوب”.

ويضيف الدكتور الرنتيسي: “كم كان المؤلف رائعا وهو يتابع تصريحات ومواقف العدو والصديق ليحيط القارئ بجميع جوانب الحدث، فيخرج بعد ذلك بصورة صادقة متكاملة لقضية المبعدين في مرج الزهور التي تعاطف معها كل العالم، وجذبت اهتمام الإعلام العالمي على مدى شهور طوال، وأظهرت للعالم أجمع نموذجا إسلاميا فريدا، تميز بقدرته على تحمل المشاق من أجل الحفاظ على المبدأ، وفي القدرة على مخاطبة العالم أجمع وعلى صناعة الحدث أيضا”.

تميزت هذه المذكرات (على مشارف الوطن) بالتوثيق التاريخي الدقيق لمجريات أحداث رحلة الإبعاد، والمدعمة بالعشرات من الوثائق والصور والتصريحات والمقابلات، والتي شكلت بمجملها قراءة متأنية لمرحلة دقيقة في حياة الحركة الإسلامية الفلسطينية المعاصرة.

سجل الأحداث

وثقت المذكرات رحلة الإبعاد من أول يوم حتى آخر يوم، ولعل السجل التاريخي لتسلسل الأحداث والذي ثبته المؤلف في مقدمة المذكرات، كشف الكثير من المعطيات والجهد الذي بذله المبعدون من أجل العودة حيث كان على النحو الآتي:

–         13/12/1992م اختطاف الجندي الصهيوني (ناسيم توليدانو) .

–         13-16/12/1992م حملة اعتقالات واسعة في صفوف أنصار حماس .

–         15/12/1992م إعدام حماس للجندي المختطف وصدور بيان لحماس.

–         16/12/1992م صدور قرار الاحتلال بتنفيذ عملية إبعاد جماعي.

–         17/12/1992م تنفيذ عملية إبعاد 415 فلسطينيا من حماس والجهاد.

–         18/12/1992م تأسيس أول خيمة في مرج الزهور في الجنوب اللبناني.

–          18/12/1992م صدور قرار 799 عن مجلس الأمن بعودة المبعدين.

–         24/12/1992م اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة لبحث القضية.

–         25/12/1992م صدور أول بيان عن المبعدين يطالب بتنفيذ قرار 799 .  

–         4/1/1993م  الأمين العام للأمم المتحدة: الإبعاد مخالف لاتفاقية جنيف.

–         7/1/1993م سكرتير الأمم المتحدة يطالب “إسرائيل” بإعادة المبعدين.

–         9/1/1993م وصول طائرة للصليب الأحمر إلى مخيم مرج الزهور، وإعادة المبعد خطأ باسم السيوري إلى الخليل.

–         11/1/1992 اجتماع لوزراء الخارجية العرب في القاهرة بشأن المبعدين.

–         26/1/1993م أعلنت “إسرائيل” أن هناك ستة من المبعدين أبعدوا خطأ.

–         23/1/1993م زيارة ثانية للجنة الدولية للصليب الأحمر، وطبيبة للمبعدين.

–         1/2/1993 “إسرائيل” توافق على إعادة 101 مبعد إلى فلسطين.

–         2/2/1993م المبعدون يرفضون الصفقة الإسرائيلية.

–         17/2/1993م زيارة وارن كريستوفر وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة.

–         17/4/1993م وزراء الخارجية العرب في دمشق يقررون العودة للمفاوضات بعد توقفها أربعة أشهر بسبب عملية الإبعاد.

–         27/4/1993م الوفد الفلسطيني يشارك في مفاوضات واشنطن قبل العودة.

–         20/6/1993م عودة المبعد علي أبو عجوة بعد تدخل الصليب الأحمر بسبب مرضه النفسي المزمن.

–          12/8/1993م موافقة المبعدين على عودة 200 مبعد إلى الأراضي الفلسطينية.

–         1/9/1993م عودة الفوج الأول من المبعدين إلى فلسطين.

          15/12/1993م عودة بقية المبعدين، وهدم أول مخيم في تاريخ الشتات الفلسطيني منذ نكبة عام 1948م .

رحلة الإبعاد

مسيرة الأكفان، كانت حدثا بارزا في رحلة الإبعاد حيث حمل المبعدون أرواحهم على الأكف، وتوجهوا نحو حقول الألغام التي زرعها الاحتلال في منتصف الطريق، لا بل قامت قوات الاحتلال وقوات لحد بقصفهم بقذائف المدفعية.

يصف صاحب المذكرات المشهد فيقول: “كانت الساعة تقترب من الثانية عشرة والدقيقة العشرين حيث اصطف جموع المبعدين لأداء صلاة الظهر، تلك الصلاة التي لم أصل مثلها صلاة قط،ـ لقد كانت ممزوجة بالتوجه النقي الصادق إلى الله، رافقها دوي قذائف المركافا الإسرائيلية، وصرخات أحد المبعدين وهو يقول: جريح جريح .. يا دكتور .. يا دكتور”.

ويضيف “تستمر الصلاة التاريخية دون انقطاع، والمدفعية الإسرائيلية ترمي بلهيبها صوب المبعدين.. الكل فينا نسي ما في الوجود من متع وشهوات، البيت، الأهل، الأطفال، الأموال وحتى العودة !! وينتظر ساعته!! والشيخ حامد البيتاوي خطيب المسجد الأقصى الذي يؤم المبعدين لا زال رافعا يديه للسماء يدعو الله أن يثبت المبعدين ويربط على قلوبهم، وتستمر الصلاة دون انقطاع رغم دماء (أمجد زامل) التي سالت متدفقة بغزارة على ثرى لبنان الأشم! على بوابة الوطن، وتنتهي الصلاة التاريخية، ويحمل جريح المعركة على الأكتاف وقد أصيب بشظية في فكه الأسفل أدت إلى كسره”.

ويتابع كاتب المذكرات: “ما كنت أتوقع في حياتي قط أن أرى بأم عيني نفوسا تتقدم نحو الموت المحتم كما شاهدت في مسيرة الأكفان في ذلك اليوم وهو الحادي والعشرين من كانون الأول عام 1992م”.

شهادات حية

لقد أجرى صاحب المذكرات أكثر من خمسة وأربعين مقابلة مع كبار الإعلاميين العالميين والسياسيين الذين زاروا مخيم الإبعاد، ورصد من كتب من مقالات وكتابات حول الحدث،  فشكل ذلك مجموعة من الشهادات الحية لحدث (الإبعاد) ولرجاله الصناديد وهم المبعدون وكان من هذه الشهادات:

–  شهادة برانت سدلر مراس شبكة “CNN” الذي قال: “المبعدون يعيشون ظروفا صعبة للغاية حيث البرد القارس والثلوج وسوء التغذية، ورغم ذلك مواقفهم السياسية صلبة نفسياتهم عالية، فهم متكاتفون متحدون برغم غموض المصير الذي ينتظرهم”.

– شهادة روبرت فسك مراسل “الاندبندنت” البريطانية الذي قال: “كان المبعدون غاية في البراعة، حيث استطاعوا أن يستقطبوا الصحافة العالمية بأعمالهم وابتساماتهم التي كانت ترتسم على وجوههم، ولم أجد بقعة في العالم استطاعت أن تستقطب هذا الكم من الصحفيين كمرج الزهور المكان الذي يعسكر فيه المبعدون”.

– الصحافي الهولندي ادريانوس دندرن مصور ومراسل مجلة هولندا الحرة الذي مكث أسبوعا بين المبعدين يأكل ويشرب وينام معهم، فقال: “لقد مرغت إسرائيل وجهها بإبعادكم، فأنتم أصحاب حق لا بد أن تحصلوا عليه، ولو كنتم إرهابيين كما يدعي الاحتلال لما كان خطابكم متوازننا بهذا الشكل، لقد لمست في المبعدين حب العقيدة والفهم والفكر.. لم أكن خائفا لحضوري بينهم وذلك في أعقاب خطف الأجانب في جنوب لبنان.. لكنكم قمة في العطاء والثقة واحترام الآخر لاسيما الإعلاميين الأجانب.. لقد كانوا قادة فعلا وكبار يعرفون مهمتهم ورسالتهم التي يريدون ايصالها للعالم”.

–  شهادة الإعلامي جيمي يور مراسل BBC البريطانية فقال: “إن صمود المبعدين الاسطوري في هذه الظروف الصعبة سيكون له تأثير على القرارات السياسية المستقبلية التي ستحدد مصيرهم، وأنا واثق أن خطابهم الحكيم المتوازن سيعيدهم إلى أوطانهم وأسرهم.. لقد أحرجوا “إسرائيل” عالميا”.

– الصحفية البلجيكية (مارلين بوذاتيكا) التي تعمل لصالح التلفزيون البلجيكي، قالت: “إن تكوينة شريحة المبعدين: علماء وأطباء وأكاديميين ومهندسين وقادة سياسيين وشخصيات وازنة، تكذب إدعاءات “الاسرائيليين” بأنكم إرهابيين، لا بل مشاهداتي لكم واستماعي إليكم زاد من قناعاتي أنكم أصحاب حق”.

– الصحفية جورجيت باندي، مراسلة فرنسية تعمل لصالح وكالة الأسوشيتدبرس الأمريكية قالت: “أكبر فيكم جهودكم وثباتكم رغم الثلج والبرد القارس، أكبر فيكم عدم حقدكم على المسيحيين حيث قرأت تهنئتكم لهم في عيد الميلاد، ووقفت أنظر إلى مواقفكم السياسية المتوازنة، فخرجت بنتيجة مفادها أنكم أنتم الممثل الشرعي الحقيقي للشعب الفلسطيني”.

وقد وثق صاحب (على مشارف الوطن) في هذه المذكرات العشرات من الرسائل والبيانات التضامنية الهامة لشخصيات اعتبارية هامة وأحزاب وقوى.

كما تم توثيق العشرات من الصور الحية من داخل حياة المبعدين، التي شكلت بمجملها شهادات حية على مرحلة مر عليها 25 عاما من تاريخ مشرق للحركة الإسلامية الفلسطينية، والتي قال فيها القائد الفلسطيني صلاح صلاح من قيادات الرعيل الأول في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وممثل منظمة التحرير في لبنان آنذاك: “لقد تمكن مبعدو حماس في مرج الزهور بصبرهم، ووحدة كلمتهم، وعدم تبعثرهم، ورصانة مواقفهم من العودة، لا بل إقفال وإغلاق باب الإبعاد إلى الأبد”.  

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات