السبت 06/يوليو/2024

الشورى عند الإخوان المسلمين في فلسطين

الشورى عند الإخوان المسلمين في فلسطين

مستخلص
شكلت الشورى فلسفة هامة ومؤثرة في حياة الجماعة المسلمة ما قبل قيام الدولة الإسلامية وما بعدها، وأضحت مثار اهتمام الحركات والجماعات الإسلامية المعاصرة في العالم العربي والإسلامي، وفي فلسطين على وجه الخصوص.

ولهذا تهدف هذه الدراسة إلى مناقشة الحراك الشورى للإخوان المسلمين في فلسطين عامة، ومدينة بيت المقدس على وجه الخصوص، كنموذج عملي للشورى عند الإسلاميين، وبالأخص مرحلة ما قبل النكبة عام 1948، التي طالما أهملها الباحثون إلا ما رحم ربي.

     ولأن بيت المقدس هو محور الصراع الحضاري القائم منذ آلاف السنين، آثرنا أن تكون هي النموذج لهذه الشورى من خلال الوقوف على النشاط الإخواني الشوري والدعوي والسياسي في بداية الأربعينات، وفي تلك المرحلة الحساسة التي كانت تقف على أبواب نكبة وكارثة مفجعة ألمت بفلسطين وأهلها، فسلط الباحث الضوء على النموذج الذي شكله الإخوان لهذه الشورى في حراكهم الدعوي والسياسي، لا سيما على صعيد القضية الفلسطينية وتفاعلاتها، حيث كانت بيت المقدس هي نقطة الانطلاق لهذا الحراك الشوري.

وتبرز أهمية هذه الدراسة كونها تناقش مسألة الشورى من منظور معاصر، وعلى صعيد عملي تطبيقي في ظل واقع سياسي ودعوي وفكري مربك على الساحة الفلسطينية، لا بل في بيت المقدس محور الصراع العالمي الحقيقي.

كما أن دراسة الشورى في فكر وممارسة الحركات الإسلامية المعاصرة، ولا سيما الإخوان  المسلمون في فلسطين هي من الأهمية بمكان، في الوقت الذي تصدرت فيه هذه الجماعة الحكم في مصر وتونس وفلسطين وغيرها.

وتوصل الباحث إلى أن الإخوان المسلمين ومن خلال مقر مدينة بيت المقدس، سعوا لتجذير عمل شوري فعال لخدمة الدعوة الإسلامية من جانب، وخدمة القضية الفلسطينية من جانب آخر، وكان لوجود المقر العام في مدينة بيت المقدس دلالة واضحة لإبراز أهمية بيت المقدس في العمل الدعوي المعاصر، إضافة إلى أن الأمور كانت تتم بوضوح بالانتخاب والشورى، وليس بطريقة بيروقراطية دكتاتورية، وهذه إشارة إلى أن الشورى في فكر الإخوان ملزمة، وليست معلمة، كما كان العمل الشورى المميز الذي مارسته الجماعة بدعم من اللوائح الداخلية هو الذي صنع قاعدة قوية متينة متراصة، تمكنت من اتخاذ القرارات الحاسمة بعيدا عن المؤثرات الخارجية التي كانت تراقب نشاطات الجماعة وخاصة تجاه فلسطين.

ويخلص الباحث إلى أن مسيرة جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين تؤكد أنها حركة شورية منظمة، تحتكم لقوانين ولوائح، ولها قياداتها الشورية المنتخبة من مجالس شورية، وتتم قراراتها كذلك بعيدا عن التجاذب السياسي أو الخضوع لإملاءات زعيم ملهم أو قائد استبدادي شمولي.

الكلمات الأساسية في الدراسة:
( الشورى، الإخوان  المسلمين، بيت المقدس، فلسطين) .

 تمهيد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وبعد، فإن نظام الحكم في الإسلام نظام شوري يقوم على احترام الإنسان، فينهل من معين طاقاته وخبراته، وبذلك يساس الناس بالعدل بعيدا عن الظلم والاستبداد.

وقد أراد الله لهذه الأمة أن تكون أمة شورية لقوله تعالى وهو يخاطب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم قائلا: “وشاورهم في الأمر” (آل عمران: 159)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه البخاري (1989: 258) مسندا عن الحسن “ما تشاور قوم قط، إلا هدوا لأرشد أمورهم”، وقال عنه الشيخ ناصر الدين الألباني صحيح.

ولقد شكلت الشورى فلسفة هامة ومؤثرة في حياة الجماعة المسلمة ما قبل قيام الدولة الإسلامية وما بعدها، بل دفعت نحو انطلاقة حضارية حققت الإبداع الإنساني من خلال إطلاق العنان لإعمال العقل، وإبداء الرأي وقبول المشورة والاستفادة من قدرات وطاقات النخب الفقهية والعلمية والسياسية وأصحاب التجارب نحو التفكير والتجديد والابتكار والمساهمة الفاعلة، واستيعاب تدافع الرأي والرأي الآخر، ضمن منهجية أدب الاختلاف التي جذرها فقهاؤنا وعلماؤنا.

كما شرع الله الشورى لتكون جزءا هاما من حركة الإنسان في الحياة، تضبط نزواته الشخصية والذاتية خشية الوقوع في السادية والظلم والاستبداد، لذلك ضبط هذا الجنوح بالشورى الملزمة نحو إدارة ناجحة وموافقة لشؤون الحياة كافة، حتى يتسنى لأهل الحل والعقد والرأي إبداء ما لديهم من طاقات وقدرات وتقديمها ووضعها بين يدي صناع القرار من قادة وأمراء ومسؤولين، كي يبدعوا في إنضاج وتصدير قراراتهم التي قد يطال جزء منها قضايا مصيرية تتعلق بمستقبل الأمة.

ولقد تجسدت الشورى في أروع صورها في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي شاور واستشار وأشار في السلم والحرب، في المنشط والمكره، استشار الرجال والنساء في المسجد والبيت والفلاة، استشار في الشؤون العامة والخاصة، كل ذلك كان فيما لم يرد فيه نص من وحي.

وأصبحت الشورى كأهم قاعدة من قواعد نظام الحكم في الإسلام مثار اهتمام الحركات والجماعات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، وفي فلسطين على وجه الخصوص.وقد شكل الإخوان  المسلمون نموذجا لهذه الشورى في حراكهم الدعوي والسياسي، لا سيما على صعيد القضية الفلسطينية وتفاعلاتها، فكانت بيت المقدس هي نقطة الانطلاق لهذا الحراك الشوري، الذي يسعى الباحث لتسليط الضوء عليه من خلال هذه الدراسة المتواضعة.

ولأن بيت المقدس هي محور الصراع الحضاري القائم منذ آلاف السنين، آثرنا أن تكون هي النموذج لهذه الشورى من خلال الوقوف على النشاط الإخواني الشوري والدعوي والسياسي في بداية الأربعينات، وفي تلك المرحلة الحساسة التي كانت تقف على أبواب نكبة وكارثة مفجعة ألمت بفلسطين وأهلها.

كما أن دراسة الشورى في فكر وممارسة الحركات الإسلامية المعاصرة، ولا سيما الإخوان المسلمون في فلسطين هي من الأهمية بمكان، في الوقت الذي تصدرت فيه هذه الجماعة الحكم في مصر وتونس وفلسطين وغيرها، ولا تزال تكابد، فهي بأمس الحاجة إلى الشورى التي تحافظ على ديمومة الحكم، وإصلاح شأنه بعد سنوات من الاستبداد والظلم.

وهنا تبرز أهمية هذه الدراسة كونها تناقش مسألة الشورى من منظور معاصر، وعلى صعيد عملي تطبيقي في ظل واقع سياسي ودعوي وفكري مربك على الساحة الفلسطينية، ساحة الصراعات، لا بل في بيت المقدس محور الصراع العالمي الحقيقي.

ولهذا سيناقش الباحث في هذه الدراسة الحراك الشورى للإخوان المسلمين في فلسطين عامة ومدينة بيت المقدس على وجه الخصوص كنموذج عملي للشورى عند الإسلاميين، وبالأخص مرحلة ما قبل النكبة عام 1948، التي طالما أهملها الباحثون إلا ما رحم ربي، راجيا من الله سبحانه وتعالى أن يوفق أمتنا لخدمة دينها ووطنها.

بدايات العمل الشورى الإخواني في فلسطين
نظم الإخوان  المسلمون أعمالهم ومؤسساتهم في فلسطين بطريقة شورية، فقد تم افتتاح دور ومراكز للجماعة في المدن والقرى الفلسطينية وخاصة في القدس وذلك “ما بين 1945م-1949م، لاستقبال أفواج المنتسبين، حيث بدأت هذه المقرات والشعب تستقبل المنتسبين وتسجل أسماءهم، وأصبحت بحاجة إلى عمل منظم، ولجان شورية تنسق مع المراكز الأخرى، مما دفع الإخوان  إلى عقد مؤتمرات تناقش مستقبل الإخوان  وحاجتهم إلى جسم قطري ينظم أمورهم في فلسطين” (أمنون كوهين، 1975: 133).

وقد كان لمقر الإخوان  المسلمين في مدينة بيت المقدس فضل السبق في دعوة شعب الإخوان المسلمين من  المدن والبلدات الفلسطينية كافة في مؤتمر جامع ناقش مستقبل العمل الإخواني في فلسطين، وضرورة وجود جسم يوحد جهود الإخوان  لتشكيل مركز عام لهم. وتذكر إحدى وثائق دار الإخوان  المسلمين في مدينة بيت المقدس (المحفوظة لدى أحد المقدسيين، وحصل الباحث على صورة منها) أنه “قد حضرت الوفود من المدن والقرى الفلسطينية كافة صباح يوم 30/3/1946م إلى مقر دار الإخوان في منطقة الشيخ جراح بمدينة القدس”. وتضيف أنه “قد افتتح المؤتمر الساعة التاسعة والنصف بكلمة ترحيبية من أمين سر جماعة الإخوان  المسلمين في القدس فضيلة الشيخ محمد أسعد الإمام الحسيني، رد عليه بالنيابة عن شعب الإخوان  في فلسطين الأستاذ نمر المصري، ثم انتخب الحاضرون فضيلة الأستاذ الشيخ عبد الباري بركات رئيسا للمؤتمر، كما انتخب لأمانة السر كلا من الأستاذ محمد العملة من نابلس وأمين سر جماعة الإخوان المسلمين في القدس. وقد خرج المجتمعون بالقرارات التالية:

–  توحيد جهود الجماعة وتنظيمها وتوحيد الدعوة على نسق واحد.

– تأليف هيئة مركزية عليا لشعب الإخوان تحت اسم: “المركز العام للإخوان المسلمين في فلسطين”، وأن ينتخب هذا المركز من بين أعضائه مكتبا دائما لإدارة أعماله، ومقره مدينة بيت المقدس، واسمه: “مكتب المركز العام للإخوان المسلمين في فلسطين”.

– اعتبار المركز العام للإخوان المسلمين في القاهرة هو الموجه الأول للمركز العام في فلسطين.

– أن تضع جماعة الإخوان في مدينة بيت المقدس مشروع قانون عام للإخوان، وأن ترسل منه نسخة لكل شعبة في مدة أسبوع لدراسته ومناقشته.

–  مناشدة الهيئات الوطنية والعاملين في الحقل الوطني، الاتحاد وتوحيد الجهود في سبيل إنقاذ الأمة والوطن”.

وبعد أسبوع من هذا اللقاء، عاد الإخوان  المسلمون ورؤساء الشعب من المدن الفلسطينية، والتقوا يوم الجمعة 10 جمادى الأولى 1365هـ، الموافق 12/4/1946م في مقر جماعة الإخوان  بمدينة بيت المقدس وقرروا القرارات التالية:

– إقرار اللائحة الداخلية القانونية “القانون الأساسي للإخوان المسلمين في فلسطين” بأغلبية أصوات الحضور.

– تأسيس مكتب عام للإخوان المسلمين في فلسطين تحت اسم “مكتب المركز العام للإخوان المسلمين في فلسطين”.

– انتخاب أعضاء مكتب المركز العام والذين أصبحوا أعضاء مجلس الشورى العام في فلسطين وهم:
•  الأستاذ الشيخ عبد الباري بركات   رئيسا.
•  الحاج ظافر الشوا                   نائبا للرئيس.
•  الشيخ محمد أسعد الإمام الحسيني أمينا للسر.
•  الأستاذ نمر المصري              أمينا للصندوق.
• الأستاذ محمد العمد                   عضوا.
•  الشيخ مشهور الضامن              عضوا.
•  الشيخ عايش عميره                 عضوا.
•  شكري أبو رجب                    عضوا.
• الحاج حسين سلهب                  عضوا.
• الأستاذ ظافر الدجاني              عضوا.

وقد تم الاتفاق على التواصل مع مكتب الإرشاد للإخوان في القاهرة، وأرسل محضر الاتفاق وأسماء مجلس الشورى، والقرارات المتفق عليها، إلى مكتب الإرشاد والمرشد العام حسن البنا في القاهرة (خالد الحروب، 1996: 340).

وقد كان واضحا أن الإخوان المسلمين ومن خلال مقر مدينة بيت المقدس يسعون لتجذير عمل شوري فعال لخدمة الدعوة الإسلامية من جانب، وخدمة القضية الفلسطينية من جانب آخر، وكان لوجود المقر العام في مدينة بيت المقدس دلالة واضحة لإبراز أهمية بيت المقدس في العمل الدعوي المعاصر.إضافة إلى أن الأمور كانت تتم بوضوح بالانتخاب والشورى، وليس بطريقة بيروقراطية دكتاتورية، وهذه إشارة إلى أن الشورى في فكر الإخوان هي ملزمة.

مجلس شورى الإخوان  وطريقة انتخاب

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

7 شهداء بعد قصف الاحتلال لمنزل في جنين  

7 شهداء بعد قصف الاحتلال لمنزل في جنين  

جنين – المركز الفلسطيني للإعلام استشهد 7 شبان فلسطينيين، صباح اليوم الجمعة، جراء قصف إسرائيلي بطائرةٍ مسيرة استهدف مجموعة من الشبّان في مخيم جنين...