السبت 27/يوليو/2024

القدس الكبرى.. الاستيطان بـخارطة تنظيمية

القدس الكبرى.. الاستيطان بـخارطة تنظيمية

بعد التوقيع على اتفاق أوسلو عام 1993 دخلت حكومتا “العمل” و”الليكود” الإسرائيليتين في سباق محموم مع الزمن، لاستكمال الطوق الاستيطاني حول مدينة القدس المحتلة في إطار ما يسمى “مشروع القدس الكبرى”، الذي نُفذ بنسبة 70% حتى الآن. 

ويقوم المشروع أساساً على تنظيم المستوطنات في كتل ضخمة يجعل نظام أمنها وبناها التحتية أكثر كفاءة، ويسمح بوجود مساحات مفتوحة بينها ليعلن أنها خارج القرى الفلسطينية والتوجه لمصادرتها لاحقاً.

وعليه فإن التجمعات الاستيطانية حول القدس تربك تماسك الوحدات الفلسطينية ديمغرافياً واقتصادياً وتحرم المواطنين من أراضيهم الزراعية وتحد من نموهم وتمددهم السكاني. 

ويقدم مشروع القدس الكبرى سلسلة من الخرائط التي تتضمن الاستخدام الأمثل لطبوغرافية الأرض والدمج المبرمج لمخطط القدس في عهد الانتداب البريطاني مع مخطط كاندل (1966) الذي أطلق عليه مخطط القدس الكبرى، إضافة إلى المخطط الصهيوني الذي بدأ في تجزئة المناطق العربية داخل القدس وخارجها (1967 – 1987) وتتويج ذلك بمخطط الاستكمال (1994 – 2025).

مفهوم القدس الكبرى

يختلف نظام “القدس الكبرى” حسبما هو مخطط له عن غيره من أنظمة المدن الكبرى، ويأتي الاحتلال من واقع السيطرة على مناطق مترامية غير مترابطة مع بعضها البعض في إطار بلدية.

ورغم تطبيق ما نسبته 70% من مخططات هذا المشروع إلا أنه قام على أساس التعامل مع بؤر استيطانية كبيرة مرتبطة بالمركز (المدينة) مباشرة، وبؤر استيطانية صغيرة ترتبط بالبؤر الكبيرة (أشباه المركز).

وقد وفر هذا النظام المجال أمام الحكومات الصهيونية المتعاقبة على أن تعمل بهدوء تام للسيطرة التدريجية على الأرض وعناصر الطبيعة دون أن تلزمها القوانين بمنح المواطنين العرب في محيط المستعمرات وحول الطرق الالتفافية أي حقوق بلدية أو إدارية.



الجذور الأولى للمشروع

وضعت النواة الأولى للمشروع ابتداءً مع ظهور الحركة الصهيونية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبمرور الزمن تجذرت ملامحها واتضحت أبعادها عام 1967 باحتلال الشطر الشرقي من المدينة وضمه للشطر الغربي المحتل منذ عام 1948، وجاء ذلك في إطار التوجهات الفكرية والخطط الاستراتيجية بعيدة المدى التي وضعتها الحركة الصهيونية وقى الاستعمار العالمي وعكفت على تطبيقها ميدانيًّا، الأمر الذي شكل القواعد الأساسية التي قامت عليها بنية المشروع.

الانطلاقة

انطلقت عجلة المشروع إلى الأمام بعد احتلال 1967 مباشرة، وفي ضوء ذلك شرعت الحكومة الصهيونية بوضع الخطط والبرامج اللازمة لتحقيقه وبموجب ذلك، فقد تم تحديد عام 2020 تاريخًا مناسبًا لإنجازه، وقد تركزت فعالياتها في ثلاثة محاور أساسية تتمثل فيما يلي:

1- الأراضي:

شكلت الأراضي البنية الأساسية للمشروع، ويتجلى ذلك في التطورات المضطردة في مساحتها، والتي حرصت الحكومات الصهيونية المتعاقبة على إدراجها تحت مظلته بصورة عامة، وحجم الأراضي التي استهدفتها بصورة خاصة، وذلك من خلال عمليات المصادرة والسمسرة والتحايل، كما كلفت سلطات الاحتلال لجنة هندسية متخصصة لوضع خطة مناسبة للمشروع صدرت نتائج أعمالها عام 1968 وتقضي بتوسيع حدود المدينة شرقًا، ومن ذلك الحين تسارعت وتيرة زيادة مساحة الأراضي المشمولة بالمشروع من حين لآخر.

تركزت توسيعات المشروع ابتداءً على محور قمم الجبال الممتد شمالاً وجنوباً بموازاة الخط الأخضر ومناطق الشفا المطلة على إقليم الأغوار من رام الله شمالاً إلى مدينة الخليل جنوباً، وظلت التوسعات تسير نحو الشرق بمسارات غير منتظمة إلى أن توقفت عند شاطئ البحر الميت وتداخلت مع الحزام الأمني الموازي لمجرى نهر الأردن، وهو ما وفر للمشروع حلقة وصل سهلة مع المدن الصهيونية داخل الخط الأخضر عبر ممر الأغوار، أما توقفه شمالاً عند قرية سنجل وجنوبًا على مشارف الخليل فجاء منسجمًا إلى حد كبير مع طبيعة المنطقة الجغرافية والتقسيمات الإدارية السائدة فيها، وإفساح المجال لخط الدفاع الشمالي الممتد عبر جبال نابلس، وإذا ما تحققت هذه الرؤيا فإن المشروع سوف يخترق فلسطين من البحر إلى البحر، وإن مساحة القدس سوف تصبح أكبر من مساحة العواصم الدولية الكبرى.

2- السكان:
حيث وضعت الحكومات الصهيونية العديد من الخطط والبرامج التي تعمل على حشد ما يقرب من مليون مستوطن مع نهاية المدة المحددة لتنفيذه، وفي المقابل مارست سياسة التضيق والتهجير القسري على السكان الفلسطينيين بغير الحفاظ على التوازن الديمغرافي لصالح المستوطنين في الحاضر والمستقبل.

3- الاستيطان:
يعد الاستيطان المحور الثالث الذي مورست عبره فعاليات المشروع، وقد انطلقت عجلة بنائها داخل المنطقة المشمولة به حتى يعمل على تحقيق أهدافه وفي مقدمتها استيعاب تيار الهجرة المتدفق من حين لآخر.



أهداف المشروع

تتضح أهداف المشروع في خططه وبرامجه وتطوراتها والتصريحات التي أفضى بها المسؤولون المدنيون والعسكريون الصهاينة منذ انطلاقته عام 1967 وحتى يومنا هذا وما رافقها من إجراءات وأعمال ميدانية تظهر فعالياتها في العديد من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويمكن إجمالها في بعدين رئيسيين هنا:

– البعد الاستراتيجي:
تقوم فكرة البعد الاستراتيجي على أساس إقامة خط دفاعي متين مجهز بأحدث التقنيات العسكرية يتحصن في نطاقه مجموعة كبيرة من المستوطنين الذين يشكلون -وباعتراف القادة الصهاينة- البنية الأساسية للجيش، الأمر الذي عزل المناطق المشمولة بالمشروع عن امتدادها الجنوبي والشمالي وجعلها قادرة على رصد التحركات المعادية على خط المواجهة مع الجبهة الأردنية والتصدي لأي تحرك عسكري قد يستهدف الاحتلال في فلسطين.

وفي سبيل تعزيز بنية المشروع العسكرية وتسهيل حركة وحدات الجيش والأمن في أطرافه، عمدت سلطات الاحتلال إلى بناء عدد من المعسكرات وأبراج المراقبة وشبكة من الطرق والأنفاق والجسور ومحطات النقل والوقود والإنارة، كما حرصت على ربط تجمعاتها الاستيطانية بمدينة القدس والمستوطنات الصهيونية داخل الاراضي المحتلة عام 1948، الأمر الذي يجعل من اختراقها عسكرياً أمراً في غاية الصعوبة.

– البعد السياسي:
وهو المحور الثاني التي سعت سلطات الاحتلال لتحقيقه من المشروع، وقد جاء ذلك على محورين:

الأول: ويتمثل في استمرارية تكريس فكرة تهويد فلسطين عامة والقدس خاصة، والتي تمارستها الحركة الصهيونية ميدانياً بشكل متواصل، والذي كان يأخذ في توجهاته عدة مسارات:

= في مقدمتها البنية الطبوغرافية أو المظاهر الخارجية للمواضع المستهدفة من الأراضي والمنشئات من خلال المعدات الثقيلة والمتفجرات.
= أما المسار الثاني فيتمثل بإصدار الأوامر العسكرية التي تحد من التوسع العمراني للمواقع المأهولة العربية المدنية والريفية والبدوية،.
= بينما يتمحور المسار الثالث حول الجانب الديموغرافي وركز في ذلك على حشد أكبر عدد من المستوطنين في الأراضي المشمولة بالمشروع بغية رفع مستوى النمو السكاني لصالحهم.

الثاني: وهو يتمثل بفرض واقع سياسي يحظى باعتراف المنظمات الدولية ودعم مؤازرة الدول الاستعمارية العظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وتجاوز أي قرار دولي مؤيد للحقوق العربية، ووضع المفاوض العربي في حيرة من أمره أمام الواقع القائم على الأرض والذي يصعب تغييره في ظل النظام العالمي الجديد وانحيازه السافر “لإسرائيل”.  

نص مشروع القانون

إن مشروع “القدس الكبرى” وفقاً لرؤية كيري، والتي تعبر عن مشروع صهيوني سابق ستشمل ما نسبته عشرة بالمائة من مساحة الضفة الغربية.

حيث إن الفلسطينيين لم يعودوا يملكون سوى 13 في المائة من مساحة القدس، والتي تشكل في الوضع الحالي 1.2 في المائة من مساحة الضفة الغربية، حيث استولى الاحتلال على 87 في المائة من أراضي شرق القدس ويقطن فيها مائتا ألف مستوطن، والتي يطالب بها الفلسطينيين كعاصمة لدولتهم.

فإنه حال تحوله إلى قانون فإنه سيتم ضم أكثر من 100 ألف مستوطن صهيوني إلى مدينة القدس بالتزامن مع إخراج أكثر من 120 ألف فلسطيني، أي ثلث عدد الفلسطينيين في المدينة، من المدينة، وفيما أن الفلسطينيين يشكلون 39% من عدد السكان في القدس بشطريها الشرقي والغربي الآن، فإن القانون سيعني عملياً تحويل الفلسطينيين في القدس إلى أقلية تقيم في جزر معزولة داخل القدس.

كما ويعني أن المستوطنات التي ستنضم إلى القدس ستحافظ على نوع من الاستقلالية البلدية بما أنها ستعدّ بلديات فرعية للقدس، وسيقرر وزير الداخلية توزيع السلطات بين البلدية والبلديات الفرعية، في حين أن أحياء القدس التي فصلت عنها من خلال السياج الفاصل (الجدار) والمنصوص عليها في القائمة الثانية ستعدّ بلديات فرعية للقدس.



مرتكزات ومفاهيم المشروع

أولاً: الطرق الطويلة: وتغطي الحزام الشرقي الذي يلتف حول القدس عبر منطقة الزعيم الطور، العيسوية، معاليه ادوميم. ويتقاطع في جهتها الجنوبية الشرقية مع مشروع مستعمرة أبو غنيم ثم جيلو، وافرات حتى بيت شيمس، وهنا يربط الشرق بالجنوب مجموعة من الشوارع الطويلة تلتقي في عدة مداخل خارج التجمعات السكنية العربية فتلتف حولها وتعزلها وتحول دون نموها العمراني. كما ربطت هذه الطرق المستعمرات مع بعضها البعض ومع مركز المدينة؛ حيث أصبح هذا المركز نقطة التقاء شمال المدينة بجنوبها إضافة إلى كونه نقطة التقاء غربها بشرقها.

ثانياً: تحقيق السيطرة الاقتصادية على القدس: ويتم ذلك بأساليب عدة:

1. تفريغ البلدة القديمة من سكانها بأسلوب تدريجي والقضاء على بنيتها التحتية، مما يدفع المواطن المقدسي إلى مغادرتها شمالاً.

2. تفريغ قلب المدينة من حركة المرور ونقل هذه الحركة إلى الشوارع الطولية التي تشكل الحزام الشرقي (شارع رقم 60 وشارع رقم 45) وإقامة المنشآت والمناطق الصناعية على طول هذا الخط. وتوفر هذه الشوارع “لإسرائيل” فرصة السيطرة على المصادر الطبيعية والأمن في المدينة، كما تعزل الأرض العربية حولها وتمنعها من الاستفادة من المقومات التي توفرها مثل هذه الطرق.

ثالثاً: الطريق العرضي: يربط المنطقة الصناعية القائمة بالقرب من مطار اللد مع المنطقة الصناعية القائمة قرب مطار قلنديا (عطروت)، ولهذا الطريق امتداد من الشمال للجنوب حتى منطقة كفر عصيون عبر نفق جيلو،

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات