الإثنين 12/مايو/2025

بين اللثام والأنفاق.. هكذا تخفى مصبح مقاومًا وشهيدًا

بين اللثام والأنفاق.. هكذا تخفى مصبح مقاومًا وشهيدًا

لسنوات نشط الشهيد بدر مصبّح في صفوف المقاومة وأخفى مهماته عن أكثر المقرّبين إليه، حتى اللثام لم يرفعه عن وجهه وهو يحفر الأنفاق ويبيت الليالي الطوال مع زملائه في العمل بوحدات الأنفاق ورجال الإسناد وتجهيز القذائف الصاروخية.
 
في أسابيعه الأخيرة من العمل كان يرتّب للعيش في مكان بعيد عن أسرته خشية تعرضهم لعدوان الاحتلال، وعندما كان يسأله أصدقاؤه المقرّبون عن إغلاق هاتفه النقّال المتكرر، وغيابه عنهم لأسابيع، كان يعلل ذلك بكثير من القصص حفاظًا على سريّة العمل.

وكان الشهيد بدر مصبّح، استشهد قبل أسبوع خلال تواجده في أحد أنفاق المقاومة قرب السلك الفاصل عندما قصف الاحتلال بخمسة صواريخ “نفق الحريّة” فاستشهد فيه 12 مقاومًا من “سرايا القدس” و”كتائب القسام”، وأصيب قرابة 20 من رجال المقاومة ورجال الإنقاذ من أثر الغازات السّامة.

وأعلنت “سرايا القدس” صباح الجمعة الماضي انتهاء أعمال البحث في نفق الحرية على حدود دير البلح، مؤكدةً أن المقاومين الخمسة المحتجزين في النفق، ومن بينهم مصبّح، هم شهداء، قبل أن يكشف الاحتلال لاحقًا أن الشهداء أصبحوا بحوزته فوق الأرض.

الاستعداد للتضحية

“الآن أنا على استعداد لتقديم روحي كما قدمها ابني بدر، فداءً لفلسطين ومن أجل تحرير الأسرى”.. بهذه الكلمات يحدد والد الشهيد بدر موقفه من حادثة استشهاد ابنه قبل أسبوع، وقد أعجزته الحادثة في الساعات الأولى عن التصريح بموقفه.

يتحامل السيّد كمال والد الشهيد على إصابته التي وقعت له قبل أسابيع من أثر حادث خلّف قضبان البلاتين في ساقه، ليجلس مقعدا في خيمة العزاء، واصفًا ابنه الشهيد بدر بقوة الشخصية وكتمان الأسرار.


كمال مصبح والد الشهيد بدر

وكان بدر قد أنهى قبل سنوات دراسة دبلوم إلكترونيات، والتحق بصفوف المقاومة، وتدرّج في تخصصاتها، مبديًا تفوّقًا وحسن أداء في كل موقع أسند إليه، حتى انتهى به المطاف في وحدة البنية المختصة بحفر الأنفاق.

ويتابع: “ناقشته في بداية عمله عن خطورة طريق المقاومة، لكنه أقنعني بأنها طريقه عن قناعة، واليوم استشهد ولا زال الاحتلال يحتجز جثامين الشهداء، لكن ذلك لن يؤثر فينا، وأفتخر أن ابني شهيد وأنا مستعد أن أقدم روحي كما قدمها بدر”.

يقول أبو البراء، أحد قادة سرايا القدس، إن الشهيد بدر نشط بعد حرب عام 2014 وأبدى براعةً في مجال الإسناد قبل الالتحاق بالعمل في مجال الأنفاق حتى يوم استشهاده.

وكثيرًا ما سأل أصدقاء أبي البراء عن ذلك المقاوم الملثم الذي لم يكشف عن وجهه طوال ساعات العمل سواء في الليل أو النهار، وحتى عندما كان يضطر للمبيت في مهمات المقاومة، كان يتجنّب الحديث، ويخفي وجهه حفاظًا على سريّة العمل.

ويضيف أبو البراء: “بدر أبدى براعةً في كل المجالات، وحصل على ترتيب الأول أو الثاني في كل دورة عسكرية أنهاها بدءًا من العمل الميداني وحتى القنص، والتحق بالأنفاق، وأمضى معظم أيامه مؤخرًا فيها حتى استشهد”.

أصدقاء الطفولة

وترك بدر مصبّح حزنًا غائرًا في قلوب أصدقاء الطفولة الذين عاشوا معه سنوات طوال من أيام التعليم الابتدائي وحتى دراسة الكلية، وقد صاروا اليوم يشعرون بآلام غيابه.

في الشهور الأخيرة لاحظ صديقه ياسر أبو عبيد أن برنامجه اليومي تبدّل كثيرًا، فهاتفه النقّال مغلق باستمرار، وظهوره أصبح نادرًا عن فرقة الأصدقاء خلافًا عن للمعتاد.


خيمة عزاء الشهيد بدر مصبح

ويقول ياسر: “صديقي بدر من أيام الدراسة الأولى ومن يوم عرفت الدنيا شاب قليل أمثاله، دومًا يجمعنا ونتناول العشاء سويًّاً -يبتسم- يقول بدنا نعمل غارة – يعني نتعشى سوا، لكنه في المقاومة لا يتكلم مطلقًا”.

ومنذ لحظة اختفاء بدر في نفق الحرية الذي قصفه الاحتلال قبل أسبوع، يتنقل صديقه أمير العزايزة بين مسرح الحدث ومنزل بدر حتى انتهى به المطاف مقدمًا للمساعدة في خيمة العزاء.

يصب أمير القهوة للمعزين قبل أن يمنح نفسه فرصة الحديث عن صديقه الراحل فيقول: “اليوم أشعر أنني فقدت روحي.. أكثر من روحي، الله يعلم كم أحبه، من لحظة قصف النفق وأنا أتنقل بين مكان النفق وبيت بدر وخيمة العزاء”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات