الشهيد القائد أبو مرشد.. رؤيا الشهادة الصادقة تحققت

كل شيء في رحلة حياة الشهيد عرفات أبو مرشد قائد لواء سرايا القدس في وسط القطاع يكشف عن شخصية متفانية لخدمة من حوله من أقارب وأصدقاء ورفاق في المقاومة.

أكثر ما كان يشغل باله في الآونة الأخيرة هو كيفية تحرير الأسرى الفلسطينيين والعرب من سجون الاحتلال، وهو الذي أدى بيديه معظم مراحل الإعداد إلى جانب أبنائه في العمل المقاوم.

وكان الاحتلال قصف يوم الاثنين ما زعم أنه أحد أنفاق المقاومة شرق موقع (كسوفيم) العسكري أكبر مواقع الاحتلال على طول السلك الفاصل مع قطاع غزة، ما أدى لاستشهاد سبعة من سرايا القدس وكتائب القسام وإصابة (13) آخرين من المقاومة ورجال الإنقاذ، فيما لا زال خمسة مقاومين آخرين مصيرهم مجهولا.

الصديق والأب

في خيمة عزاء الشهيد عرفات أبو مرشد تسود حالة من السكون فمعظم الجالسين في الفترة الصباحية جمعتهم به سنوات من الصداقة والعمل المقاوم، ما دفعهم لملازمة أبنائه منذ لحظة استشهاده.

اليوم يشعر عبد العزيز أبو مرشد (50 عاما) شقيق الشهيد عرفات، أنه فقد من ضحى لأجله وسانده في حياته منذ كان طالباً في الثانوية العامة، رغم أن عرفات يصغره بعامين.

عبارات عبد العزيز مبعثرة وهو يغالب عينيه مجتهداً في الحديث عن شخصية الشهيد، وهو يقول: “بعد وفاة أبي تفانى من أجلنا؛ فنحن 5 أشقاء و9 شقيقات من أمِّين، من بيننا اثنان في الخارج، ونحن ثلاثة في القطاع، ترك عرفات الدراسة، وتكفّل بالإنفاق عليّ وعلى شقيقي الشهيد أبو عبد الله حتى أنهينا الجامعة”.
 
ويتابع: “بالفعل فقدت سندي في الحياة، فهو رجل قوي جريء، لن أنسى كيف كان يخاف عليّ فأذكر عندما حفرنا بئرا للمياه بعمق 18 مترا كان يرفض نزولي للحفر خوفاً علي، وفضل أن يحفره وحده حتى انتهى”.
 
في كل القضايا المعضلة كان الأهل والأصدقاء يلجئون إليه لحل أكثر مشاكلهم نظراً لرجاحة عقله، وكثيراً ما كانت مشاكل الأبناء في العائلة تنتهي بمجرد الحديث عن احتمال التوجه إلى عرفات ليتولى الأمر احتراماً له وخوفاً من حزمه.

موعد الرحيل

“لن نكون في الجهاد الإسلامي وسرايا القدس إلا صمّام أمان مع إخواننا في حركة حماس والقسام، خسارة الجهاد لحركة حماس تعني خسارتها لنفسها، فهم إخوة دم وفكر وعقيدة” كانت تلك آخر عباراته مع أقرب الأصدقاء إلى قلبه ويدعى (أبو أحمد).

في خيمة العزاء دلوني عليه فهو صديقه منذ (15) عاماً، وهو متواجد إلى جوار أسرة أبو مرشد منذ لحظة استشهاده، وقد كان من بين قلّة تبادلوا معه الحديث قبل ساعات من قصف الاحتلال للنفق.

كثيرون أجمعوا على تميز القيادي في سرايا القدس عرفات أبو مرشد بمشاركة أبناء المقاومة كافة في الجهاد الإسلامي مناسباتهم الاجتماعية لكن (أبو أحمد) حظي بتفصيل إضافي عند عرفات حين أخبره أنه يكون سعيدا ويشعر بنجاح العمل والتوفيق كلما واظب على مشاركة أبنائه والمجتمع.
 
يقول أبو أحمد:”سؤالك عن عرفات كإنسان بالفعل فاجأني، فأنا لا أستطيع استجماع قواي لأحدثك عنه، هو رجل مزيج بين القائد والأخ الحنون، أتمنى لو فقدت نفسي ولم أفقده، فهو صديقي من 15 عاما، آخر جلساتي معه قبل أيام وساعات كنا نتحدث عن المصالحة، وكان هو مع أي شكل يخفف صعوبة الحياة بغزة”.
  
ويتابع: “في قرية المغراقة تعرضنا يومها للموت من طائرات الاستطلاع، وقال “لازم تبعد عني، وقلت أريد أكون معك، ولولا الخجل لوضعت يدي في يده من شدّة محبّتي له وتمنياتي الموت معه له، لكنه أبعدني وقال هذا أمر عسكري ابتعد فوراً عنّي”.

وكان الشهيد عرفات أبو مرشد قائد سرايا القدس في وسط القطاع تعرّض لثلاث محاولات اغتيال، أشهرها قبيل انتهاء حرب (2012) بربع ساعة عندما نجا من قصف طائرات الاستطلاع، والثانية قصف منزله عام (2014).
 
ويرجع تاريخ أبو مرشد في العمل مع حركة الجهاد الإسلامي منذ أوائل التسعينات، لكنه انخرط بشكل كامل في سرايا القدس بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام (2000)، وتدرّج في العمل المقاوم حتى أضحى مسئول لواء الوسطى في سرايا القدس بعد استشهاد شقيقه (أبو عبد الله) عام 2009.

ويؤكد أحد قادة سرايا القدس الذي فضل عدم كشف هويته، أن أكثر ما كان يشغله في الآونة الأخيرة هو الإعداد لعمليات لاختطاف جنود يحرّر بهم الأسرى من سجون الاحتلال، وكان مقلّا في الحديث عن الأمر نظراً للسريّة التامة لما كان يجهزه.

ويستذكر أحد قادة سرايا القدس الذين تعرضوا لمحاولة اغتيال مع أبو مرشد في حرب عام (2012) قائلا: “كنت أنا وأبو مرشد وحسن أبو حسنين في شقة سكنية بمخيم النصيرات، وقبل دقائق من دخول اتفاق وقف إطلاق النار النهائي، أطلقوا علنيا صاروخا أصاب في طريقه إلينا شرفة منزل مجاور، ووصلتنا شظاياه، ونجونا بصعوبة”.
 
ويضيف: “يومه كله في عمل المقاومة من السابعة صباحاً وحتى منتصف الليل، وكثيراً تجده متابعا للعمل وحده، واهتم كثيراً في الفترة الماضية بتحسين القدرات مثل الأنفاق والقذائف”.

رؤيا الشهادة

“أشاهد في الرؤيا أنني في نفق محاصر وليس أمامي إلا جنود الاحتلال، وأنا لا أملك السلاح، فأحتار ماذا أفعل، وأنا أفضل الموت على الوقوع في الأسر” هذا هو ملخّص الرؤيا التي كرر الحديث عنها لشقيقه عبد العزيز وأصدقائه المقرّبين.

منذ أسبوعين وعرفات يحدث شقيقه عبد العزيز بهذه الرؤيا معلناً عن اقتراب الرحيل، ووقتها وقعت حادثة بالنفق دفعته للإسراع في دخول نطاق الخطر؛ حيث اعتاد مشاركة أصغر رفاقه في جميع المهمات.
 
عاد أبو مرشد مسرعاً من مدينة غزة إلى مسرح العملية شرق دير البلح، وفي الطريق كان يجري الاتصالات مع نشطاء سرايا القدس المتخصصين في الأمر، ومنهم الشهيد أحمد أبو عرمانة، حتى وصل فوهة النفق ومشى فيه لنصف ساعة، أصيب بعدها باختناق مع صديقه ونائبه الشهيد حسن أبو حسنين.
 
ووصل إلى المكان نشطاء وقادة من كتائب القسام الذين جمعتهم بعرفات علاقة قوية، وقد حاولوا الوصول لرجال المقاومة، لكنهم وقعوا بين شهيد ومصاب بسبب الغازات السّامة.

وودّع مخيم البريج في اليوم التالي في موكب تشييع ضمّ الآلاف، جثمان الشهيد عرفات أبو مرشد قائد سرايا القدس بحضور قادة من المقاومة والفصائل الوطنية الفلسطينية.