الإثنين 20/مايو/2024

الجيب الاستيطاني بالخليل.. قصة بدأت بـكريات أربع

الجيب الاستيطاني بالخليل.. قصة بدأت بـكريات أربع

تحت مظلة الدعاوى التوراتية وتزوير الصهاينة العنصريين لوقائع التاريخ، استوطن اليهود الصهاينة في قلب الخليل العربية الإسلامية، وهيمنوا على بعض البنايات التاريخية بحجة أنها بنايات تعود ملكيتها لليهود الذين سكنوا المدينة بحسب الادعاءات الصهيونية في حقب ماضية.

كريات أربع .. البداية
جذور الاستيطان في الخليل بدأت عام 1968م عندما أقامت مجموعة من المستوطنين عدة أسابيع في فندق بارك في الخليل الذي كان معروفا بفندق (النهر الخالد) وبعد احتجاج آل القواسمي أصحاب الفندق، خرج المستوطنون وأقاموا في بناية بجانب مقر الحكم العسكري في قلب الخليل.

عام 1969م سيطر اليهود على منطقة جبلية مرتفعة شرقي الخليل تقع بالقرب من وادي الغروز والبويرة والبقعة، تبلغ مساحتها (4940 دونما) وأقاموا عليها مستوطنة كريات أربع بقرار من حكومة حزب العمل حيث قدم المشروع (شمعون بيرز ويغال الون) وكان بيرس يشغل منصب وزير البنى التحتية.

بدأت بنايات كريات أربع ترتفع عام 1970م، وقد سكنها غلاة المستوطنين من حزبي (هتاحيا وموليدت)، وانطلقت من داخلها حركة (غوش أمونيم) وهي حركة استيطانية متطرفة، التي استجلبت بدورها الآلاف من المستوطنين العنصريين الحاقدين الذين بلغ عددهم نحو سبعة آلاف مستوطن، حيث سبب وجودهم مجازر وعمليات قتل واعتداءات على الفلسطينيين مما عكر صفو حياتهم.

ولعل مجزرة المسجد الإبراهيمي التي نفذها المستوطن (باروخ غولدشتاين) ضد الفلسطينيين وهم يصلون الفجر في شهر رمضان عام 1994م، والتي ارتقى فيها نحو 39 شهيدا، ونحو مائتي جريح، أكبر شاهد على جرائم المستوطنين، إضافة إلى الاعتداءات اليومية المتكررة على منازل الفلسطينيين في حارة جابر ووداي النصارى ووادي الحصين والبويرة والبقعة ومنطقة الكسارة.



“بيت هداسا”  سرطان في القلب
في نهاية شارع الشهداء وعلى مفترق طرق يربط منطقة باب الزاوية بمنطقة ساحة الكراج القديمة، وبالقرب من مستوصف الإخوان المسلمين سابقا، تقع بناية قديمة جميلة عرفت عند أهل الخليل بـ (مدرسة الدبويا)، بنيت نهاية القرن الثامن عشر، وهي مكونة من طابقين، وقد بنيت على أرض لا تزيد مساحتها عن دونم، وقد استخدمتها وكالة غوث اللاجئين كمدرسة أساسية للطلاب الذكور لعدة سنوات، فيما يدعي اليهود أنها كانت مستشفى لهم قبل عشرات السنين يطلق عليه ( بيت هداسا).

عام 1978م استولى مجموعة من نساء المستوطنين على هذه البناية وقام جيش الاحتلال بحمايتهن على الدوام، وتزايد عدد الساكنين في الدبويا، وأحضروا عائلاتهم وسكنوا فيها رسميا، فيما انطلقوا بزيارات مكوكية يومية صباح مساء من الدبويا إلى الحرم الإبراهيمي، وخلال ذهابهم وإيابهم كانوا يعتدون على الفلسطينيين، مما دفع رجال المقاومة الفلسطينية القيام بعملية عسكرية بطولية عام 1980م ضدهم، حيث قتل فيها ستة مستوطنين وأصيب العشرات بجراح.

على إثر عملية الدبويا هدم جنود الاحتلال العديد من الحوانيت التي جرت العملية من فوقها، وسيطروا على بناية مستوصف الإخوان المسلمين والبنايات المجاورة، كما سيطروا على المحطة المركزية للباصات، ومحطة الجعبري للمحروقات، ومدرسة أسامة ابن المنقذ، وباتت المنطقة عسكرية بامتياز، وطردت العديد من العائلات الفلسطينية وأغلقت المنطقة كاملة أمام حركة السكان الفلسطينيين.

يسكن في تجمع بيت هداسا والبنايات المجاورة 25 عائلة يهودية، وقد برز من بين المستوطنين العنصريين الساكنين الحاخام المتطرف (موشيه ليفنغر) الذي قتل بيديه عددا من الفلسطينيين كان من بينهم التاجر كايد صلاح عام 1986م.

بيت رومانوا .. بؤرة ملتهبة
في منطقة يطلق عليها سكان الخليل (عين العسكر) بالقرب من مقر البلدية القديم في البلدة القديمة من الخليل، وبمحاذاة سوق الخليل القديم تنتصب بناية قديمة على دونمين من الأرض ومحاطة بالأسوار العالية، حيث كانت في العهد التركي محكمة، فيما أصبحت في العهد الأردني مدرسة أساسية حكومية للذكور أطلق عليها مدرسة أسامة بن المنقذ، حيث كان يدرس فيها طلبة البلدة القديمة، ويدعي اليهود أن رجل أعمال يهودي من أصل تركي يدعى (رومانو) هو الذي شيد هذا البناء نهاية القرن الثامن عشر، لكن الفلسطينيين يعدّون ذلك افتراءات ومبررات للاستيطان والهيمنة.

عقب عملية الدبويا سيطر الجيش الصهيوني على المدرسة، وحولها إلى معسكر له، وفي عام 1984م جرت حفريات في الموقع وحوله وتم تشييد عمارة كبيرة مكونة من خمسة طبقات وبمساحة كبيرة، أسس بداخلها معهد ديني ومقر لشبيبة المستوطنين والعديد من الشقق السكنية، وأحيطت البناية بالأبراج العسكرية والبوابات الإلكترونية، وأطلق المستوطنون على هذا التجمع (بيت رومانو) وقد بلغ عدد العائلات التي تسكن هذا الجيب الاستيطاني 18 عائلة.



أبراهام أفينو.. على مشارف الحرم الإبراهيمي
في ساحة سوق الخضار المركزي المسمى بالحسبة، وبالقرب من مسجد أهل السنة وعلى مشارف الحرم الإبراهيمي الشريف، أقام المستوطنون حيا استيطانيا مكونا من عدة بنايات، إضافة إلي السيطرة على عشرات المنازل العربية الفلسطينية القديمة التي يعدّها اليهود جزءا من حارة اليهود في الخليل، التي تركوها هاربين بعد انتفاضة البراق عام 1929م كما يدعون.

في هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها نحو 67 دونما أقام المستوطنون مائة وحدة سكنية، يسكنها نحو خمسين عائلة، إضافة إلى تخصيص جزء منها ليكون روضات أطفال ومدارس ومراكز ثقافية للشابات والشباب ،وكنيسا مصغرا وبعض حوانيت البيع.

بسيطرة المستوطنين على هذه المنطقة الواسعة فقد أهل الخليل أهم أسواقهم التاريخية ومراكزهم التجارية الحيوية ومساجدهم وهي على النحو الاتي :
– اغلاق مسجد الأقطاب نهائيا ورفع العلم الصهيوني على سطحه والسيطرة عليه ومنع الصلاة فيه.

– إغلاق مسجد الكيال في سوق السهلة والسيطرة عليه ومنع الأذان والصلاة فيه.

– إغلاق سوق الخضار المركزي (الحسبة القديمة التحتا والفوقا) والسيطرة عليها.

– إغلاق سوق الملابس القديمة وسوق الأصواف وسوق الحدادين والمئات من المحال التجارية.

– السيطرة على مقر دائرة الأوقاف القديمة ومنطقة الخان وقنطرة الحمام.

– تحويل غالبية أسطح المنازل القديمة وسوق الخضار إلى أبراج عسكرية وثكنات للجيش الصهيوني.

وقد باتت تلك المنطقة مهجورة بسبب مضايقات المستوطنين للفلسطينين والاعتداء عليهم والاعتداء على المنازل الفلسطينية القديمة المجاورة في حارة بني دار وقيطون ومنطقة المدرسة الإبراهيمية وحارة جابر وغيرها.



تل الرميدة .. تل الشهداء
على سفح جبل مطل على مدينة الخليل بكل أحيائها وعلى المراكز والتجمعات الاستيطانية يقع تل الرميدة التاريخي الذي يحتضن مسجدا أطلق عليه ( مسجد دير الأربعين)، هذا الموقع الذي له حكاية تاريخية، حيث بني على هذه التلة دير للمسيحيين في العهد الروماني، وجدد الدير في عهد الصليبيين، ويروى أن الصليبيين ذبحوا أربعين مجاهدا مسلما من أهل الخليل تدحرجت رؤوسهم نحو الوادي أسفل السفح فسمي ذلك الوادي بشارع الشهداء حتى اليوم.

وقد أقام المسلمون بعد الفتح الإسلامي وطرد الصليبيين؛ مسجدا مكان الدير، سمي مسجد دير الأربعين، وفي إحدى الروايات أطلق عليه مشهد الأربعين، وبعد دخول الاحتلال مدينة الخليل عام 1967م صعد المستوطنون مرات عدة على سفح تل الرميدة وأقاموا صلوات تلمودية مدعين أن مكان هذا المسجد كان كنيسا يهوديا وليس كنيسة مسيحية.

في عام 1987م وعلى أبواب الانتفاضة الأولى سيطر مجموعة قليلة من المستوطنين على منطقة مسجد دير الأربعين البالغة مساحتها دونما واحدا، وأقاموا فيها العديد من الكرفانات الحديدية، وسكنوها تحت حماية الجيش الذي اعتلى العديد من أسطح المنازل المجاورة، ونصبوا الأبراج العسكرية وباتت كل المنطقة المحيطة بها تحت السيطرة الأمنية الصهيونية.

وفي عام 1990 قامت سلطات الاحتلال بتوسيع هذا التجمع الاستيطاني واستولت على عدد من الدونمات المجاورة التي أقاموا عليها بعض الأبنيه المؤقتة من الاسبست والصفيح وبعضها من الباطون، وقد تعرض هذا التجمع الاستيطاني لهجمات المقاومة، فقد تمكن القسامي سالم الصرصور من اقتحام الأسلاك الشائكة والنقاط العسكرية خلال انتفاضة الأقصى عام 2000م وقتل حاخام تل الرميدة ذبحا بالسكين، وتمكن من الانسحاب بهدوء، فيما اعتقل لاحقا وحكم عليه بالمؤبد وأفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار.

وعلى مداخل هذا التجمع الاستيطاني المعروف بتل الرميدة استشهد نحو ثمانية شهداء في انتفاضة القدس بتهمة محاولات طعن للجنود الصهاينة في المكان، ويعدّ التجمع الاستيطاني في تل الرميدة من أكثر التجمعات التي تحيطها المنازل الفلسطينية من كل حدب وصوب، لذلك يخاف المستوطنون السكن فيه على الدوام، حيث يسكن هذا الجيب الاستيطاني عائلتان مكونتان من أحد عشر نفرا ، يحرسمها نحو ثمانين جنديا.

وقد أشار العديد من الباحثين في شؤون الاستيطان أن البؤر والجيوب الاستيطانية في قلب مدينة الخليل لا يزيد عدد ساكنيها عن 800 مستوطن في أحسن الأحوال، حيث تتراجع هذه النسب في ظل تصاعد الانتفاضة وأعمال المقاومة.

ولعل من أخطر آثار الاستيطان داخل قلب مدينة الخليل وخاصة البلدة القديمة، قتل الحركة التجارية وتهجير السكان من أحيائهم، وقتل أبنائهم واستشهاد العشرات منهم برصاص الاحتلال، وإغلاق المئات من الحوانيت والأسواق، والعمل على تهويد المدينة والسيطرة على المزيد من المنازل بالقوة مثل منزل الرجبي ومنزل آل أبو رجب وغيرها. 


الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات