الجمعة 17/مايو/2024

اليوم الأخير بالمجزرة.. شهود عيان على تل الزعتر

اليوم الأخير بالمجزرة.. شهود عيان على تل الزعتر

“بعد حصار 52 يوماً، وقتال مرّ ومفاوضات أمرّ.. وعقب 72 هجوماً و55 ألف قذيفة، جاء الأمر من غرفة القوات المشتركة إلى قيادة العمليات في المخيم: إن على التشكيلات القتالية أن تتحرّى طريقها للخروج من المخيم في الجبال والأحراش المحيطة بالمخيم.. وبدأ المقاتلون بالخروج المنظّم أحياناً والعشوائي أحياناً أخرى.. جماعات وفرادى، استُشهِد نصفُهم على الطريق”.

“في هذه الليلة.. منذ 41 عاماً، كان أهالي مخيم تل الزعتر يودّعون بعضهم قبل موتهم القادم”، يقول ياسر علي، أحد الشهود العيان على هذه المجزرة.

لكن هذا البأس لم يصب المقاتلين وحدهم؛ فهذه قصة سليم علي معياري، نموذج لقصص الكثيرين من المفقودين من اللاجئين الفلسطينيين الذين لا يعرف مصيرهم حتى الآن، على الرغم من مرور 41 سنة على سقوط المخيم.

توفيت الحاجة صبرية ميعاري عمّة سليم وهي على أمل أن يعود من فقدته، وقد شهدت بأم عينيها الكثير من حالات الإعدام والقتل رمياً بالرصاص لمدنيين!

وقالت الحاجة في توثيق لها نشر قبل وفاتها: “خرجنا من المخيم بعد أن أعطونا الأمان، وأنا أمسك بيدي اليمنى يد سليم ابن أخي، وعند حاجز الكتائب على مدخل المخيم وأمام سمع وبصر الصليب الأحمر اللبناني والدولي، بالقوة أخذوا سليم مني، وكان حينها في الخامسة عشرة من العمر، رجوتهم وبكيت أمامهم أن يعطوني إياه، فهو لا يزال طفلاً وليس له شأن بالمعارك التي حصلت، أجابوني بالحرف “ما تقلقي شويْ وبِلحَقِك”، “وبعدني ناطرة”، لكنها توفيت وهي تنتظر.

ومنذ 41 عاماً تغض منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة الطرف عن ضحايا المجزرة البشعة؛ التي ارتكبتها أحزاب لبنانية يمينية متطرفة بحق الفلسطينيين واللبنانيين في مخيم تل الزعتر الفلسطيني شمال شرقي بيروت، التي ما يزال المئات من ضحاياها جثثاً بلا قبور معروفة حتى اللحظة.

ومخيم تل الزعتر هو أحد المخیمات الـ16 للاجئین الفلسطینیین في لبنان المسجلة لدى الأونروا، وكان عدد سكانه آنذاك نحو 60 ألفاً، معظمهم من اللاجئين الفلسطينيين، استهدف بأكثر من 55 ألف قذيفة على مدار 52 يوماً، من أحزاب يمينية متطرفة لبنانية، مصحوبة بحصار مشدد، أدى في النهاية إلى السيطرة على المخيم في 12 أغسطس/آب 1976.

وتشير التقديرات إلى استشهاد قرابة ألفي شخص غالبيتهم من المدنيين عن طريق التصفيات الجسدية، فيما تشير بعض الإحصائيات إلى أن عدد الضحايا منذ بدء حصار المخيم حتى انتهاء المجزرة يتراوح ما بين 3000 إلى 4280 ضحية، قتل نصفهم داخل المخيم.

يقول الشاهد على المجزرة ياسر علي في مقالٍ له: “في 12 آب (أغسطس) 1976، أكملت المجزرة تفاصيلها وضحاياها الـ 4200 بين قتل وذبح وسحل وفلخ وتصفية. كنتُ طفلاً أرقب كل هذا.. لتنمو الذكرى في وجدانِ الطفل وتكبر معه، في خيالاتِهِ، وتسيطر على أحلامِهِ ردهاً من الزمن”.

ويتحدث عن الليلة الأخيرة بالقول: “قبيل سقوط المخيم، عادت أمي باكراً من عملها في فرن الثورة، سمعتْ أحاديثَ الرجالِ المقاتلين هناك. نقلوا أحاديث المفاوضين بيأس وبؤس، عَلِمتْ أمي أنه حان وداع المخيم، إلى حياة أو موت جديد”.

ويعبر عن تلك الأيام وهو يقول: “استُشهدَ مخيم تل الزعتر، وما زلنا نحمل ذكراه منذ 41 عاماً. كان تل الزعتر درساً قاسياً، تسببَ في أن يُفضّل الفلسطينيّ أن يدخل في معركة خاسرة ومحرقة شاملة ولا يستسلم. لقد كان الدرس الأول عن الجدار الأخير. وهذا الدرس الذي فهمه الفلسطيني دفعه ألا يستسلم في حروب المخيمات، وفي مخيم جنين، وفي حروب غزة”.

ورغم مرور هذه الأعوام على المجزرة المروعة لم تحصل عوائل الضحايا على حقوقها، ولم تفتح أي منظمة دولية أو إقليمية ومحلية تحقيقات جدية لكشف ملابسات المجزرة، ومحاسبة الجهات المسؤولة عنها، كما لم تعرف عشرات العائلات مصير أبنائها حتى اللحظة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات