الجمعة 10/مايو/2024

مدينة دورا.. مَعلمٌ لحضارة فلسطين وعنوان للمقاومة

مدينة دورا.. مَعلمٌ لحضارة فلسطين وعنوان للمقاومة

في الغرب من محافظة الخليل.. تتربع مدينة عريقة مفعمة بالحياة.. يأسرك جمال طبيعتها الخلابة وحقولها الخصبة وقصورها التاريخية وامتداد أراضيها وتعداد قراها وخربها وبلداتها، إضافة إلى تاريخها العريق ومقاومتها التاريخية للمحتلين؛ حيث تدافع شهداؤها نحو المجد، ولا زال عبق دمائهم يخيم على المكان في وادي الشاجنة، وسفوح بيت عوا، وأودية حدب العلقة، وسهل المجنونة وغيرها.. إنها مدينة دورا التي تحتضن 99 خربة وبلدة. 

تمتد مساحة أراضي “دورا” لترتبط بصحراء بئر السبع جنوبًا وبأراضي قطاع غزة والرملة واللد غربًا، وأراضي محافظة الخليل شمالاً؛ إذ تفوق في مساحة أراضيها وتعداد سكانها المحافظات الفلسطينية الشمالية مجتمعة (جنين وقلقيلية وطولكرم)، إضافة إلى كونها مدينة تاريخية مقاومة تحتضن النخب الفلسطينية، وقدمت المجاهدين والشهداء.

عبق التاريخ

يقول المؤرخ والباحث محمود النمورة، الذي ألّف عدة دراسات عن مدينة دورا، إن اسم دورا مأخوذ من “دور” وهو اسم كنعاني بمعنى مسكن، والاسم القديم لها هو “أدورايم” (Adoraim)” وفي العهد الروماني ذكرت باسم (Adora) وقد اشتهرت منذ القدم بكرومها وعنبها الذي عرف بـ(الدوري).

ويضيف النمورة في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “جذور مدينة دورا عميقة في التاريخ؛ حيث أقام فيها الكنعانيون قبل حوالي 5000 عام؛ إذ دلت الحفريات في تل “بيت مرسم” على الحضارة والديانة الكنعانية؛ حيث وجدت لوحات فخارية تدل على ذلك، وفي عام 586 ق.م دمر “نبوخذ نصر الكلداني” بيت مرسم بعد أن دمر مدينة القدس، واحتل الفرس دورا وأجزاء من فلسطين عام (332 ق.م) ، أما في العهد الروماني 63 ق.م -636 فقد قسمت البلاد إلى خمس مقاطعات، وجعلت دورا عاصمة منطقة “أدوميا”، كذلك في الفترة العثمانية تدل الوثائق على أن دورا ثارت في وجه إبراهيم باشا الذي تمرد على السلطان الشرعي بتحريض وتمويل من فرنسا.

التطور الحضاري

تطورت مدينة دورا حضاريا، وأصبحت مركزًا تراثيًّا وتجاريًّا وسياسيًّا، بل مركزًا للعديد من القرى والبلدات، فامتدت أراضيها وازداد عدد سكانها وتنامى عطاؤها؛ حيث يشير عباس مسالمة، مسؤول العلاقات العامة والإعلام في بلدية دورا، إلى ذلك فيقول: “تعد مدينة دورا مركزاً للقرى والبلدات التابعة لها؛ حيث تبلغ مساحة هذه المدينة وقراها نحو 240704 دونما، ويسكنها نحو مائة ألف نسمة، ويلحق بها نحو 99 بلدة وقرية وخربة، أكبرها بيت عوا، ودير سامت، وخرسا، والبرج، إضافة إلى أن مساحة دورا الجغرافية تعادل مساحة مدن جنين وطولكرم ونابلس (والتي تبلغ مجتمعة  145 ألف دونم)، فيما تتداخل مساحة دورا مع الكثير من المحافظات، وتتداخل مع بلدية الخليل القريبة منها.

ويضيف المسالمة لمراسلنا: “تقع مدينة دورا، التي تعد من مدن محافظة الخليل الواقعة جنوب الضفة الغربية، إلى الغرب من المدينة على بعد 6 كم منها؛ حيث تحدها مدينة الخليل ومدينة يطا ومخيم الفوار شرقًا، والجدار العازل والخط الأخضر غربا، وكل من بلدة ترقوميا وتفوح وإذنا شمالا.


null

ويعدّ القطاع الأساسي المشغل للأيدي العاملة في مدينة دورا هو العمل في الداخل الفلسطيني المحتل بمختلف القطاعات مثل البناء والزراعة والخدمات وغيرها من القطاعات، والذي يشغل ما لا يقل عن 60% من الأيدي العاملة في المدينة.

أما القطاع الثاني الأكبر، فهو العمل بالقطاع الحكومي المدني والعسكري والذي يشغل تقريبًا 25% من الأيدي العاملة في المدينة، ليأتي القطاع الزراعي، والذي يشكل 9 % من نسبة تشغيل الأيدي العاملة، ومن ثم التجارة والصناعة. علمًا بأن معدل البطالة في صفوف أبناء المدينة و قراها 20.6% و هو معدل مرتفع حسب تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للعام 2011.

الاستيطان في دورا

طُوقت مدينة دورا بالعديد من المستوطنات التي صادرت المئات من الدونمات من أراضيها، بل قطعت أوصالها، وباتت حجر عثرة أمام امتدادها السكاني والحضاري، وقد كشف لنا خبير الاستيطان في محافظة الخليل عبد الهادي حنتش، عن الطوق الاستيطاني الذي يحيط بمدينة دورا، فقال: “أول المستوطنات التي بنيت على أراضي مدينة دورا كانت مستوطنة “نيجوهوت” والتي تغير اسمها إلى يهودا؛ حيث أنشئت عام 1982م على أراضي قرية افقيقيس غربي دورا، تبعها بعد ذلك بناء مستوطنة أدورا التي أنشئت عام 1983م وقد بنيت هذه المستوطنة على أراض تابعة لمدينة دورا وقرية ترقوميا، كما صودرت تلة طاروسة واستخدمت كقاعدة عسكرية، ورغم أنها تركت وغادرها الجيش، إلا أن الأرض بقيت منطقة عسكرية تحت سيطرة الاحتلال.

ويضيف حنتش لمراسلنا: “لم تتوقف أطماع الصهاينة في أراضي دورا؛ حيث أقامت سلطات الاحتلال معسكرًا أطلق عليه “المجنونة” عام 1983م، ولا زالت تهيمن على المكان حتى اللحظة، كما أقيمت مستوطنة “عتنائيل” عام 1983م  على أراضي قرية كرمة من أراضي دورا، وكذلك مستوطنة “بيت حاجاي” على جزء من أراضي دورا، إضافة إلى مستوطنة “شيغيف” التي أقيمت على أراضي بيت عوا غربي دورا.

مدينة زراعية

تعدّ الزراعة في دورا أحد أهم الموارد الاقتصادية الرئيسية، بسبب اتساع أراضيها وخصوبة تربتها وامتداد المساحات السهلية فيها، وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية في المنطقة 16207 دونمًا، منها 373 دونمًا أراض مخصصة ومزروعة كبيوت بلاستيكية.

ويشير المهندس الزراعي محمد عمرو، لمراسلنا إلى أن القطاع الزراعي يعدّ المشغل الرئيس للأيدي العاملة في مدينة دورا، فبلغت نسبة الأيدي العاملة في هذا القطاع 21 %، وما يميز هذه النسبة أن غالبيتها من النساء؛ حيث تعدّ الزراعة من القطاعات الأساسية التي تشغل النساء، لأن معظم الرجال اتجهوا نحوا العمالة وتركوا أعمال الزراعة إلى نسائهم وأبنائهم. وبحسب البيانات المتوفرة لدى بلدية دورا؛ فإن حجم رأس المال المستثمر في القطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي، حوالي 20 مليون دولار.

آثار وحضارة

يوجد في مدينة دورا العديد من المواقع الأثرية والسياحية والدينية، إضافة إلى طبيعتها الخلابة والمطلة والمشرفة على المناطق المحيطة بها؛ حيث يوجد فيها: “مقام النبي نوح، ومقام أبو عرقوب، ومقام الشيخ حسن، ومقام متى، ومقام العابد المجاهد أبو جياش، والبير الغربي والشرقي، وفي المدينة موقع أثري يحتوي على بقايا برج مبني بحجارة مزمولة، وأرض مرصوفة بالفسيفساء، وقطع معمارية، وصهريج، إضافة إلى قصر المرق الكنعاني.

محطة مقاومة

لعبت مدينة دورًا هامًّا في النضال والمقاومة ضد المحتلين عبر التاريخ، فقدمت الشهيد تلو الشهيد؛ حيث يؤكد على هذه الحقيقة الشيخ النائب عن حركة حماس نايف الرجوب فيقول: “كانت دورا ولا زالت دومًا حاضنة للمقاومة، ويحق لها أن تفخر بكوكبة من الشهداء من أبنائها وأبناء شعبنا الذين استشهدوا على ثراها الطاهر، الشهيد عبد المجيد دودين، والشهيد محمد الفقيه، والشهيد عبد الكريم المسالمة، والشهيد إياد البطاط، والشهيد بسام المسالمة، والشهيد أكرم الأطرش، والشهيد مجدي أبو وردة، وغيرهم المئات”.

وقد وثقت أدبيات حركة حماس أن بداية انطلاقتها عام 1987م كانت من دورا؛ حيث أرَّخ المرحوم الدكتور عدنان مسودي عضو الهيئة التأسيسية لحركة حماس في مذكراته التي حملت عنوان (نحو المواجهة) والتي نشرها مركز الزيتونة، أن أول اجتماع لتأسيس حماس كان في منزل المرحوم المهندس حسن القيق في مدينة دورا؛ حيث اجتمع أعضاء المكتب الإداري للإخوان المسلمين في فلسطين في دورا، وقرروا تأسيس حركة مقاومة، واتفقوا على أن يوكل إخوان غزة بالإعلان عنها بحسب ظروفهم، وكان على رأس المجتمعين في دورا الأستاذ المجاهد عبد الفتاح دخان والدكتور إبراهيم اليازوري وغيرهما”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

صحة غزة: حصيلة العدوان ترتفع إلى 34943 شهيدًا

صحة غزة: حصيلة العدوان ترتفع إلى 34943 شهيدًا

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، اليوم الجمعة، إن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب 6 مجازر جديدة ضد العائلات في قطاع...

تحقيق صحفي يكشف انتهاكات صارخة ضد أسرى غزة

تحقيق صحفي يكشف انتهاكات صارخة ضد أسرى غزة

واشنطن – المركز الفلسطيني للإعلام كشف تحقيق أجرته شبكة "سي إن إن" الأميركية عن جوانب من الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضد أسرى قطاع غزة...