الجمعة 10/مايو/2024

خليل الرحمن.. 6 آلاف عام من الحضارة والتاريخ والتحديات

خليل الرحمن.. 6 آلاف عام من الحضارة والتاريخ والتحديات

أمام المسجد الإبراهيمي في الخليل يقف الزائر محتارا من أين يبدأ رحلته كي يكتشف أسرار هذا الكنز المعماري الكبير حيث المآذن الشامخة والقباب العتيقة والأقواس الجميلة.

آية من الروعة والجمال تجسدت في هذا المسجد التاريخي الذي تختلف الروايات حول من بناه، حتى يصل بالبعض ليقول إن الجان ساهم في عملية البناء، فهناك حجارة وضعت في جسم البناء يصل طولها إلى عشرة أمتار، وعرضها يصل مترين، وهي قطعة واحدة، يعجز الإنسان عن صناعتها وحملها.

ناهيك عن جمال المسجد في الداخل حيث النقوش من الآيات والبلاط الحجري الكبير، إضافة الى المحاريب المتعددة التي تعبر عن مراحل بناء هذا المسجد.


null

مدينة لها تاريخ
وكذا الحال في شوارع المدينة وأزقتها وحاراتها المتعددة، حارة السواكنة والعقابة وبني دار، وحارة المشارقة الفوقا والتحتا وحارة قيطون، إضافة إلى زواياها العريقة: زاوية الشريف والجعبري وزاوية أبو الريش وزاوية الشيخ حسني القاسمي وغيرها.

وتحتوي المدينة أسواقا تاريخية عريقة ومنها: سوق اللبن والقزازين والحدادين، تلك التي اتخذ بناؤها شكلا معماريا فنيا داخل قناطر طويلة وممتدة.


null

العمران والتراث
ولعل قصورها التي لا زالت شاهدا حيا على العراقة والتاريخ ترسم معالم حركة حياتية مفعمة تعبر عن ماض لا زال الناس يعيشون على أمجاده.

هذه القصور تؤكد أن ثمة حركة حضارية تاريخية اقتصادية شهدتها المدينة، كقصور آل الدويك وآل النتشة والجعبري والتميمي، والأكراد، وقصر الشيخ محمد علي الجعبري عمدة المدينة الذي لا زال قائما، والمئات من القصور والمنازل المزينة بالقباب والأعمدة والزخارف الفنية.

وشكل وجود المسجد الإبراهيمي في الخليل بؤرة نزاع وصراع مع اليهود الصهاينة الذين حولوا نصفه إلى كنيس، وخاصة بعد المجزرة الشهيره عام 1994م والتي قتل اليهود فيها أربعين فلسطينيا في صلاة الفجر، ولا زال المسجد ومحيطه يخضع للإجراءات الأمنية الصهيونيية.


null

شهادات المؤرخين
عدنان أبو تبانة أستاذ التاريخ الإسلامي، والمؤرخ المتخصص في تاريخ الخليل يؤكد على عراقة وإسلامية هذه المدينة ومسجدها، مشيرا إلى الجذور التاريخية لمسجدها الإبراهيمي فيقول: سكن سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام المدينة لاجئا سنوات طوال، وعندما توفيت زوجته ساره اشترى لها أرضا من الملك (أُربع العناقي) وهو كنعاني وذلك عام 3800 ق.م وحفر في هذه الأرض مغارة دفن فيها زوجته، وأصبحت فيما بعد مدفنا له ولأبنائه وزوجاتهم.

وكشف أبو تبانة حقيقة دفن الأنبياء في المسجد الإبراهيمي فقال في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام”: “تشير الدراسات والأبحاث، أن سيدنا إبراهيم عليه السلام مدفون في هذه المغارة أسفل المسجد الإبراهيمي، وكذلك أبناؤه يعقوب وإسحق وزوجاتهم .. هذه المغاره التي يسميها اليهود (الماكفيلا) فيما يسميها المسلمون (الغار)”.



الاحتلال الصليبي
وأضاف أبو تبانه أن مدينة الخليل تعرضت للاحتلال الصليبي في عام 492 م فعاثوا فيها فسادا وحولوا مسجدها الإبراهيمي إلى بطريركية مركزية أطلقوا عليها اسم (سانت إبراهيم) وبنوا قلعة في حرم المسجد. واستمر الصليبيون محتلين للمدينة ومسجدها طيلة تسعين عاما إلى أن حررها القائد المظفر صلاح الدين الأيوبي، فهدم قلعة الصليبيين وبنى مدرسة لتعليم المسلمين سماها على اسمه (المدرسة اليوسفية) التي تقع في المنطقة الغربية من المسجد.

عصر المماليك
انتعشت المدينة عمرانيا وحضاريا وتجاريا في العصر المملوكي حيث ساهم المماليك في بناء المساجد وترميم الزوايا والأسواق وتوسعة المسجد الإبراهيمي.

وحول هذه المرحلة يشير أبو تبانة إلى أن “مرحلة الحكم المملوكي كانت من أهم المراحل التاريخية في رفعة المدينة حضاريا وعمرانيا؛ حيث عينوا ناظرا برتبة وزير للاهتمام والإشراف على المسجد الإبراهيمي والمسجد الأقصى أطلق عليه ( ناظر الحرمين الشريفين) وبنوا مآذن المسجد الحالية والمسجد الجاولي الملاصق للمسجد الإبراهيمي والذي أصبح جزءا منه؛ حيث بناه الحاكم المملوكي (سنجر الجاولي) من ماله الخاص، كما رمم المماليك الأسواق التاريخية للمدينة، ولا زالت مآثر المماليك شاهدة إلى يومنا الحاضر.



الاحتلال الصهيوني للمدينة
بعد حرب عام 1967م احتل اليهود الصهاينة مدينة الخليل وسيطروا على مسجدها الإبراهيمي، وصادروا آلاف الدونمات من أراضيها وأقاموا عليها عشرات المستوطنات التي طوقت المدينة من جهاتها الأربع، وأصبحت مثل السوار في المعصم، هذا بالإضافة إلى استيطانهم في قلب المدينة والاستيلاء على سوق الخضار ومدرسة الدبويا ومدرسة أسامة ابن المنقذ ومحطة الباصات المركزية وتل الرميده وشارع الشهداء، وإسكان مستوطنين صهاينة داخلها وذلك تحت حماية الجيش الصهيوني المدجج بالسلاح.

يقول الباحث في شؤون الاستيطان عبد الهادي حنتش: “كان الاستيطان في الخليل وقلبها وحولها يهدف إلى تهويدها وطمس هويتها الحضارية الإسلامية، وقد غيرت سلطات الاحتلال الكثير من المعالم والمسميات، كان أبرزها تغير اسم المسجد الإبراهيمي إلى اسم عبري وهو: مغارة ما كفيلا إضافة إلى تقسيمه وتحويل جزء هام منه إلى كنيس”.



مخاطر الاستيطان
ويضيف الباحث حنتش في حديث خاص لمراسلنا إن الاحتلال حاصر محافظة الخليل بالعشرات من المستوطنات كان أهمها وأبرزها كريات أربع الملاصقة تماما للأحياء الفلسطينية والتي تحتضن غلاة المستوطنين الذين يعيثون فسادا في البلدة القديمة من الخليل، “وقد شكل الاستيطان الصهيوني في محافظة الخليل حزاما أمنيا يخدم مصالح اليهود الصهاينة؛ حيث تم بناء طرق وشوارع التفافية على حساب الأراضي الفلسطينية”.

وحول هذا الطوق الأمني يقول حنتش: “أغلق الاحتلال المنطقة الشرقية لمحافظة الخليل بالمستوطنات، فبنى مستوطنة حاجاي ومستوطنة عتنائيل وسوسية وماعون وكرميئيل ومعاليه هافار ومتساد آسفر ومتساد شمعون، وفي المنطقة الشمالية، بنى مستوطنة كارمي تسور وخارصينا ومستوطنات إفرات وتقوع وقام بتوسيع مهول لمستوطنة عتصيون، وفي الجنوب أقيمت مستوطنة بيت يائير وشيمعه ومستوطنة تينه، وفي الغرب من مدينة الخليل أقام الاحتلال مستوطنة نيجوهو، وافقيقيس وأدورا وتسوريت وتيلم وناحيل ادوريم.

وشكلت هذه المستوطنات عبئا كبيرا على سكان محافظة الخليل وصعوبة تنقلهم نحو أراضيهم، هذا بالإضافة إلى آلاف الدونمات التي صودرت من أراضي الفلسطينيين والتي بنيت هذه المستوطنات عليها.



مدينة التراث والثقافة
تشتهر مدينة الخليل بالعديد من الصناعات التراثية، كصناعة الزجاج والخزف والفخار والجلود والتحف الخشبية والنحاسية التي يحرص زوار المدينة على اقتنائها، والتي حصدت جوائز عالمية، مما جعلها من المدن الثقافية العالمية، وهذا بدوره شكلا تحديا للاحتلال الصهيوني الذي يعمل على تهويد الخليل وتفريغها من سكانها.

وتحتضن مدينة الخليل العديد من الجامعات والمعاهد العليا : جامعة الخليل ، وجامعة بوليتكنك فلسطين، وجامعة القدس المفتوحة، وكلية العروب التقنية، إضافة إلى العشرات من المؤسسات الثقافية والفكرية والتراثية.

وقد تمكنت فعاليات مدينة الخليل ممثلة ببلديتها ولجنة الإعمار فيها ومؤسساتها الأكاديمية الثقافية ومن خلال دبلوماسيين فلسطينيين من تنسيب المدينة التاريخية ومسجدها العريق إلى منظمة اليونسكو لإدراجها ضمن مدن التراث العالمي حتى تحظى بالحماية الدولية.

وكانت لجنة التراث العالمي في اليونسكو قد أجرت تصويتا سريا، في قمتها السنوية رقم 41 التي انعقدت في مدينة كاركاو في بولندا مؤخرا، وهي خطوة غير مألوفة اتخذت بناء على طلب ثلاث من الدول الأعضاء في المنظمة، حيث صوت 12 عضوا لصالح القرار في حين رفضته ثلاث دول أخرى، وامتنعت ست عن التصويت.

وكانت لجنة التراث العالمي في اليونيسكو قد أجرت تصويتا سريا، في قمتها السنوية رقم 41 التي انعقدت في مدينة كاركاو في بولندا مؤخرا، وهي خطوة غير مألوفة اتخذت بناء على طلب ثلاث من الدول الأعضاء في المنظمة، حيث صوت 12 عضوا لصالح القرار في حين رفضته ثلاث دول أخرى وامتنعت ست عن التصويت.



الخليل مدينة تراث عالمي
وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

صحة غزة: حصيلة العدوان ترتفع إلى 34943 شهيدًا

صحة غزة: حصيلة العدوان ترتفع إلى 34943 شهيدًا

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، اليوم الجمعة، إن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب 6 مجازر جديدة ضد العائلات في قطاع...