الأربعاء 07/مايو/2025

مستقبل تموضع حماس الإقليمي في ضوء وثيقتها وانتخاباتها الداخلية

مستقبل تموضع حماس الإقليمي في ضوء وثيقتها وانتخاباتها الداخلية

أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات الاستراتيجية، تقديره الاستراتيجي “99”، مستعرضا مستقبل تموضع حركة المقاومة الإسلامية “حماس” الإقليمي عقب إصدار وثيقتها السياسية وإجراء انتخابات الداخلية التي أفرزت رئيسا لمكتبها السياسي الأستاذ إسماعيل هنيه، ومكتبا سياسيا جديداً.

ويستعرض التقدير الذي وصل “المركز الفلسطيني للإعلام”، نسخة منه، التحديات التي تحيط بحركة حماس في المرحلة الراهنة على كافة الصعد المحلية والإقليمية والدولية، وهي بالرغم من ذلك تمكنت من إنجاز انتخاباتها الداخلية، متجاوزة عدة عقبات، على رأسها التباعد الجغرافي والتهديدات الأمنية، كما أنها أصدرت وثيقتها السياسية الجامعة، التي أجملت فيها رؤيتها السياسية العامة ومن ضمنها رؤيتها للصراع مع دولة الاحتلال، وكافة المسائل الكبرى في القضية الفلسطينية.

وفي مواجهة المرحلة المقبلة تحتاج الحركة لإعادة تموضع جديد. حيث إن أمامها عدة مسارات محتملة. منها؛ طرح مبادرة وطنية سواء بإتمام المصالحة عبر تنازلات معينة بهدف عبور المرحلة؛ أم تكتيل قوى المقاومة لمحاولة تجميع الصف الوطني في مواجهة جهود تصفية القضية الفلسطينية؛ أم بتبني رؤية إبداعية من خلال الاتكاء على مفردات الوثيقة السياسية، بغية اختراق الفضاء الإقليمي الذي يزداد ضيقاً؛ أم الصمود والحفاظ على المكتسبات الأساسية كقاعدة المقاومة في قطاع غزة، وسلوك مزيج من محاولة تمتين الجبهة الوطنية الفلسطينية، مضافاً لذلك السعي لاختراق الفضاء الإقليمي لتفكيك أو التخفيف من الحملة التي تستهدف الحركة.

ويبقى المسار الأخير هو المتاح حالياً من خلال التحرك وفق استراتيجية الصمود والدفاع عن الذات باعتبارها مهددة في الوقت الراهن، وبموازاة ذلك العمل على بذل الجهود لتمتين الصف الوطني الفلسطيني، ومحاولة اختراق الفضاء الإقليمي.

أولاً: صورة التحولات الدولية والإقليمية وأثرها على القضية الفلسطينية وفي قلبها حماس:

– ينبىء الصراع في النظام الدولي واضطراب نظامه عن عدم قدرة القوى الدولية على حسم الصراع الإقليمي، مما يسهم في إطالة أمد الفوضى الإقليمية، بما ينعكس سلباً على القضية الفلسطينية بتهميشها، أو استثمارها في صفقات التسوية الإقليمية.

– يتبدى تعاظم الدور الإسرائيلي في رسم سياسات المنطقة من خلال الطرف الأمريكي، واقتراب دول المنطقة من دولة الاحتلال، وانخفاض السقف العربي تجاه الصراع العربي الصهيوني، ولعل زيارة ترامب للمنطقة أبرز شاهد على ذلك.

– يزداد اقتراب الصين وروسيا من الدولة العبرية، ويلاحظ تكثيف التنسيق والتعاون الاقتصادي والأمني معها من جهتهما.

– ما انفكت المنطقة تخوض غمار فوضى إقليمية عارمة، على الرغم من محاولات التكتل الإقليمي في أثناء الصراع الجاري، ويجسد تحالف “الشرق الأوسط الاستراتيجي” الجديد الطبعة الأخيرة من هذه التكتلات الإقليمية؛ الذي ربما يعقبه تأجيج حروب بالوكالة، أو ربما ينعكس المسار بتسويات إقليمية جراء محاولة ضبط التوازن الذي أجراه هذا التحالف.

– المنطقة بلا قيادة إقليمية فردية أو جماعية، والجهود الدولية تمانع من ذلك لتبقى تحت الهيمنة الغربية بغية حماية “إسرائيل”، إلا أنها تتجه للتشكل حالياً في إطار حيِّز جيو-استراتيجي شرق أوسطي، مُفرَّغ من الهويتين العربية والإسلامية.

– ما فتىء الإسلام السياسي الذي تحمل حركة حماس لونه الأيديولوجي يتعرض لحملة شرسة من قبل الأطراف الدولية والإقليمية، مما يضغط على الأفق الإقليمي لحماس.

ويرافق ذلك كله على الصعيدين الفلسطيني والإسرائيلي، انقسام حاد في الحركة الوطنية على الصعيد الأول، إضافة إلى انغلاق أفق التسوية والضغط على خيار المقاومة لجهة طرفي الحركة الوطنية، بينما يتعاظم اليمين الصهيوني المتطرف على الصعيد الآخر في دولة الاحتلال، ويتمادى في برامج الاستيطان والتهويد، وتغيير الواقع على الأرض الفلسطينية بالضفة الغربية.

ثانياً: أداء الحركة في الفضاءين الدولي والإقليمي:

– نسجت الحركة بعض العلاقات الدولية غير الرسمية، وقد تواصل مع مكتبها السياسي نخب وقيادات غربية شتى في أكثر من مناسبة؛ إلا أنها لم تنجح في اكتساب الشرعية الدولية بسبب رفضها للاستحقاقات المفضية لذلك، لكونها تمس الثوابت الوطنية الفلسطينية.

– حافظت حماس على بقائها وتماسكها، وتمكنت من إجراء انتخاباتها الداخلية، وإصدار وثيقتها السياسية الجامعة لرؤيتها السياسية، إلا أنها لم تستطع المحافظة على كامل مكتسباتها، وعجزت عن ترجمة انتصاراتها العسكرية إلى حصاد سياسي، بسبب ممانعة الفضاءين الدولي والإقليمي.

– ما زالت حماس محافظة على قاعدة المقاومة في فلسطين بغزة، وتدفع بانبعاثها في الضفة الغربية، وتتمتع بشعبية كبيرة في الوسط الفلسطيني، وما انفكت تتمتع بظهير شعبي في الفضاءين العربي والإسلامي.

– فشلت كل محاولات حصار الحركة وإضعافها، وهي ما زالت تحتل مكانتها كمكون وطني كبير في المعادلة الفلسطينية، وكقائد رئيسي للمقاومة الفلسطينية. لكنها غير قادرة حتى اللحظة على تكتيل معظم الشعب على خيارها، بسبب انقسام الحركة الوطنية الفلسطينية، وضعف الأفق الإقليمي.

ثالثاً: سياسات الحركة في تحركاتها على الصعيدين الدولي والإقليمي والمحلي:

هناك عدد من المحددات تضبط حراك حماس السياسي على المستويين الدولي والإقليمي والمحلي، من بينها:

– صياغة مواقفها السياسية في خطابها العام على الصعيد الدولي متكئة على القرارات الدولية التي تدعم الحق الفلسطيني، وتجنب القرارات التي تمس الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

– إدارة العلاقة مع دول المنطقة بتوازن، وقد لاقت الحركة عنتاً شديداً جراء ذلك بسبب حدة الصراع والفرز الإقليمي، ولكن نجاحها كان نسبياً في إدارة هذا التوازن.

– طرح القضية الفلسطينية على أنها رافعة وجامعة لجميع مكونات المنطقة على اختلاف أطيافها، وتقبل مساندة القضية الفلسطينية من أي طرف لا يُلزمها باستحقاقات تتناقض مع مصالح القضية الفلسطينية.

– الاستمرار في بثّ الخطاب الوطني والقومي والإسلامي الجامع، ونبذ التحشيد الطائفي الذي يشرخ الأمة ويقسمها، ويمنح فرصة الارتياح لدولة الاحتلال، ويُغيّب صورة الصراع الحقيقي مع العدو الصهيوني.

– رفض التطبيع مع العدو، والتحذير منه وبيان خطورته على القضية الفلسطينية وعلى مصالح الأمة بأسرها.

– تعزيز الخطاب الوطني، وتفكيك الانقسام الفلسطيني، بتحقيق مصالحة وطنية قائمة على قاعدة الشراكة مع كافة القوى الفلسطينية.

رابعاً: تموضع الحركة الحالي في ضوء المعادلات الدولية والإقليمية والمحلية:

– الحركة خرجت من محور إقليمي كان يوفر لها الحماية الإقليمية إلى حدّ كبير؛ تجاه فراغ قد يسحبها إلى مسارات خطرة في ظلّ الاحتراب الإقليمي القائم.

– تلتجىء الحركة في الوقت الراهن إلى “حضن” إقليمي غير متجانس معها استراتيجياً تمثله قطر وتركيا، ولا تلتقي معه تماماً في خياراتها الاستراتيجية (خصوصاً من حيث تحرير فلسطين من النهر إلى البحر وعدم الاعتراف بـ”إسرائيل”)، وهو يوفر لها مظلة دعم إقليمي حالياً، لكن الأفق غير مضمون فيما لو اشتدت الضغوط.

– بالرغم من أن الحركة ظلّت مؤثرة في المعادلة الوطنية، غير أنها لم تتمكن من تجميع القوى الوطنية على أجندة مشتركة تخدم خيار المقاومة.

– أنجزت الحركة انتصارات عسكرية باهرة، وفي المقابل عجزت عن ترجمتها إلى حصاد سياسي يصعد بالقضية الفلسطينية، ويرفع من مكانة الحركة وطنياً وإقليمياً، جراء الفوضى الإقليمية السائدة.

– حاولت الحركة في إطار منظومة أوسلو، التي أوجدت السلطة الفلسطينية، المزاوجة بين السلطة والمقاومة؛ غير أنها لم تتمكن من ذلك بشكل كامل، لارتهان منظومة أوسلو للمعادلتين الدولية والإقليمية.

– حدَّ العدو، من خلال التنسيق الأمني بالضفة الغربية وفرض قواعد اشتباك في قطاع غزة على أرضية الحرب مقابل أي فعل مقاوم، من قدرة الحركة على تفعيل العمل المقاوم بشكل مؤثر على دولة الاحتلال.

– تمكنت دولة الاحتلال من سحب التركيز الاستراتيجي على جغرافيا محددة في قطاع غزة واستنفاد المجهود فيها، مما أفقد الحركة القدرة على توزيع جهدها على الجغرافيا الكاملة لباقي فلسطين، وخصوصاً في الضفة الغربية، الأمر الذي أدى إلى استفراد الاحتلال بالقدس وباقي الضفة.

– ما زال الفضاء الدولي معادٍ للحركة، وقد استطاع العدو أن يضعها في دائرة الإرهاب، لكن الحركة في المقابل أسهمت في إحداث دفع نسبي للجهود العاملة لنزع الشرعية عن دولة الاحتلال في الفضاء الغربي.

– الاحتراب الإقليمي شغل المنطقة بشؤونها الداخلية؛ مما أفضى إلى خفض مكانة القضية الفلسطينية في الأجندة الإقليمية، ما انعكس سلباً على مكانة حماس ذاتها.

– على الرغم من المعطيات الصعبة الآنفة؛ إلا أن الحركة ما زالت صامدة، وقد فشلت الجهود التي عملت على إضعافها وإزاحتها من المعادلة الفلسطينية بالرغم من شدة كثافتها حتى اللحظة، إلا أن المرحلة المقبلة ربما ستشهد جهوداً في الاتجاه ذاته أكثر كثافة مما مضى.

خامساً: المتغيرات الداخلية في الحركة وتحديات المرحلة المقبلة:

أجرت حماس مؤخراً انتخاباتها الداخلية على الرغم من الجغرافيا المتباعدة والممتدة في فضاء المنطقة، ومع التهديدات الأمنية التي تحيط بالحركة نجحت في إدارة توازناتها الداخلية، لتنتخب أطرها القيادية الجديدة للدورة المقبلة.

وينبىء هذا النجاح عن حيوية الحركة ومرونة نظامها الداخلي، الذي يتيح تبادل المواقع وتجديد الصف القيادي؛ ويجمع مزيجاً من التخصصات الفنية والتمثيل الجغرافي لإرساء الاستقرار والتوازن الداخلي. على أن التباعد الجغرافي لمفاصل القيادة تشكل تحدياً وتعقيداً في إدارة القرار.

وعلى الرغم مما قيل عن الصورة الجديدة لمنظومتها القيادية المعلنة، بـ”تَغوُّل” العسكري على السياسي كما حدث في مخرجات انتخابات غزة، إلا أن التغيرات بمجملها لا تعبّر عن تغيير مواقفها السياسية، لكنها قد تفتح أفقاً لأساليب جديدة في الممارسة السياسية، وهو ما يتسق مع الظاهرة الإنسانية في كل حال. كما أن التكوين البنيوي للحركة يتضمن المكوّنَين معاً العسكري والسياسي في بناء واحد منذ بدايات الحركة وحتى الآن.

أما ما يعزز المنحى الثابت في خطها السياسي؛ فهو أن الحركة تنظيم مؤسساتي يصعب خضوعه وتأثره بقيادات محددة بعينها، إضافة إلى أن تنظيمها غير مركزي وإنما متمدد في جغرافية واسعة. كما أن الكابح الأيديولوجي – الديني يلجم الحركة عن الانزلاق السياسي.

أما التحديات التي ستواجه القيادة الجديدة فيمكن إجمالها في الآتي:

– تحدي الانتقال القيادي، من قيادة تاريخية مَثَّلها خالد مشعل، وكان لها بصمتها الخاصة على أداء الحركة طوال عقدين، إضافة إلى أن القيادة الجديدة التي تتمثل في إسماعيل هنية تتموضع جغرافيا في قلب الحصار، وما يستتبع ذلك من تحديات معقدة.

– تحدي إدارة التوازن الداخلي بين مكونات الحركة، وبالذات ما يمكن تسميته تنظيم الأداء القيادي بين الداخل والخارج.

– تحدي إدارة الملف السياسي في أجواء إقليمية مضطربة واستهداف إقليمي ودولي للحركة.

سادساً: الوثيقة السياسية الجديدة ومدى قدرة الحركة على توظيفها:

أصدرت الحركة وثيقة سياسي

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات