غزة.. سيناريوهات التهديد وكلفة المواجهة (تقدير موقف)

سلسلة من القرارات، تزامناً مع كم كبير من التصريحات النارية، حاولت من خلالها السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس التأسيس لنهج أكثر وضوحا للتعاطي مع قطاع غزة، فيما استكملت حكومته باقي الحلقات عبر تنفيذ هذه القرارات على الأرض.
فغزة، التي تم “المشاركة” في حصارها وعزلها، تتهم اليوم أنها “خارجة عن الإرادة”، ويُطلب تسليم مقاليدها للسلطة، رغم أن وزراءها ومؤسساتها لا تلبي أيًّا من احتياجات القطاع، تحت عنوان مطالبة “حماس” بضرورة تسليم السلطة الحكم كاملًا، أو تحمل المسؤولية كاملة عن الحكم.
إلا أن مجريات الواقع، وتعقيدات المشهد توضح بما يدع مجالا للشك أن الهدف هو “المقاومة” بـ”سلاحها” ومبادئها، وهو ما يعزز وجود العديد من المنطلقات لإيصال القطاع لهذه الحالة من خلال دوافع عدد من الأطراف.
دوافع أمريكية
إن أهم الأسباب التي أدت إلى تغيير السياسة المعتمدة نحو القطاع وثيقة الارتباط بالتحرك الأميركي المتسارع لإحياء المفاوضات الفلسطينية- “الإسرائيلية”، بهدف تحقيق إنجاز “تاريخي” لم يستطع أن يحققه الرؤساء الأميركيون السابقون.
ويرجح محللون أن خطاب عباس الأخير تجاه قطاع غزة شكل بداية لتطبيق الخطة التي رسمتها الإدارة الأمريكية بالتعاون مع اللجنة الرباعية العربية، وأطلق عليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اسم “صفقة القرن”.
وتهدف لإغلاق ملف القضية الفلسطينية، وقال: إن كل طرف من الأطراف المشاركين في “صفقة القرن” له دور فيها، وأول الأدوار مُنوطة بـ”عباس”، وهذا ما بدأه بالفعل ضد غزة من خلال قرار اقتطاع 30% من رواتب موظفيه بالقطاع، وقال الرئيس المصري، خلال لقاء جمعه بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب، في 3 إبريل/ نيسان الجاري: “إنه سيدعم وبشدة كل الجهود التي ستبذل لتنفيذ صفقة القرن”، (فسرها مراقبون بأنها تخص القضية الفلسطينية).
لا يمكن الاستهانة بأهمية وخطورة التحركات الأميركية التي تظهر من خلال اللقاءات التي عقدها الرئيس ترمب مع القادة العرب، وتلك التي سيعقدها الشهر القادم مع الرئيس الفلسطيني، والجولات المكوكية لمبعوثه جيسون غرينبلات، والأهم من ذلك كله القمة الأميركية “الإسرائيلية”، وما سبقها ولحقها من مباحثات مكثفة للتوصل إلى اتفاق أميركي “إسرائيلي”، خصوصًا حول الاستيطان، وضرورة إيجاد صيغة لتنظيمه توحي بـ”لجمه” لكي تكون الطعم الذي يقدم لعباس حتى يوافق على استئناف المفاوضات.
ويرجع مختص في الشأن “الإسرائيلي” قرار الحكومة الفلسطينية في رام الله تقليص رواتب موظفي غزة للامتثال للشرط الثامن الذي اشترطه المبعوث الرئيس الأمريكي جاسيونغرينبلاد على الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال لقائهما بتاريخ 16 مارس الماضي، وفقا لما نشره موقع “تيك ديبكا الاستخباراتي” “الإسرائيلي” بتاريخ 16 مارس الماضي، والذي حمل عنوان “مبعوث ترمب عرض على عباس 9 مطالب أحلاها مُر”.
وجاء نص الشرط الثامن “على السلطة الفلسطينية أن تتوقف عن تحويل أموال لقطاع غزة، حيث يساهم الأمر بتمويل مصروفات حماس، فما نسبته 52% من ميزانية السلطة الفلسطينية يتم تحويله لقطاع غزة”.
حجج غير مقنعة
إن اتخاذ القرار بالخصم من الرواتب، وحتى التطور المحتمل لأن يصل إلى حد إحالة كل موظفي السلطة في غزة للتقاعد، مع أن خصم الـ30% والذي اقتصر على موظفي غزة دون الضفة، يجعل من حجة العجز في الميزانية غير مقنع، يعني أن الراتب المتبقي هو عملياً راتب تقاعدي.
لا بد من ملاحظة السياق الذي يجرى فيه اتخاذ هذا القرار؛ حيث تلا محاولة السلطة إجراء انتخابات محلية، تمت عرقلتها، بحيث اضطرت السلطة لإعلان إجرائها في الضفة فقط، والذي يعني أنه دون أن يتم حدوث اختراق في جدار الانقسام، فإن السلطة تضطر إلى التراجع في اللحظة الأخيرة أو المضي قدماً بإجراء الانتخابات، ليبقى الانقسام إلى الأبد.
كذلك جاء الإجراء بعد القمة العربية في الأردن، وقبل توجه الرئيس محمود عباس لواشنطن والتقائه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، حيث يمثل الموقف الأميركي بارقة الأمل الأخيرة للرئيس عباس، بعد أن أعلن ترمب اعتقاده بإمكانية التوصل للحل خلال ولايته وفي عهده، ومن الطبيعي أن يذهب أبو مازن وقد أغلق بوابة الضعف الذاتي المتمثلة بالانقسام، حتى يظهر للرئيس الأميركي أن الجانب الفلسطيني ليس جاهزاً للسلام، بموقفه المعتدل والقابل بحل الدولتين، بل أيضاً بقدرته على تنفيذ الحل وما يتم الاتفاق عليه، عبر حكومة وحدة وطنية للسلطة.
أزمات مفتعلة
“حماس” رفضت التهديدات، وعدّت أنها “أزمات مفتعلة وبقرار سياسي، وليست لها علاقة بالوضع المالي والاقتصادي؛ وتهدف إلى تعزيز الانقسام وتطبيق خطته المتقاطعة مع خطة الاحتلال لعزل غزة وفصلها عن الوطن، وضرب عوامل صمود وثبات شعبنا ومقاومته الباسلة؛ منحةً وعطيةً للاحتلال الإسرائيلي قبيل لقائه مع الرئيس (دونالد) ترمب في واشنطن، وتمهيداً لفرض مشاريع استسلام جديدة من شأنها تصفية القضية الفلسطينية”.
ورغم ذلك، أعلنت الحركة ترحيبها بقدوم الحكومة لتولي صلاحياتها ومسؤولياتها في قطاع غزة، والموافقة على حل اللجنة الإدارية منذ اللحظة التي تدخل فيها الحكومة القطاع.
المبادرة القطرية
القيادي في حماس خليل الحية كشف مؤخراً عن مبادرة قطرية لتحقيق المصالحة، جرى خلالها مقاربة في العديد من الملفات العالقة، ولم يُكشف عنها عبر وسائل الإعلام، إلا أن عباس أعلن عنها عبر وسائل الإعلام في محاولة لإجهاضها.
وتنص المبادرة القطرية على “تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وإعادة تفعيل المجلس التشريعي الفلسطيني، والاتفاق على برنامج حكومة الوحدة، وحل مشكلة موظفي حركة حماس في غزة”.
وكانت قطر قد اقترحت تشكيل حكومة وحدة لمدة ستة أشهر، وتعهدت فتح صندوق لدفع رواتب موظفي حماس خلال الأشهر الستة، على أن تجرى خلالها انتخابات عامة رئاسية وتشريعية، ومن ثم تشكيل حكومة جديدة تكون مسؤولة عن كل الموظفين، بمن فيهم موظفو حماس، إلا أن عباس رفض أيضاً”.
وقد وافقت “حماس على المبادرة، إلا أن عباس رد عليها بالقول إن برنامج الحكومة هو برنامجه السياسي، ورفض إعادة تفعيل المجلس التشريعي، وقال إن الحكومة ليس لديها المال الكافي لحل مشكلة موظفي حماس.
أسباب الأزمة
من الأهمية بمكان استباق ما ستؤول إليه الأمور من خلال قراءة السلوك السياسي الجديد للرئيس عباس، الذي يفسّره احتمالان:
– الاحتمال الأول: شعوره بنشوة سياسية مع قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترمب، أو بعبارة أخرى استعادة موقعه في الشرعية الأمريكية.
وازدادت هذه النشوة مع زيارته الأخيرة إلى مصر بعد قطيعة سياسية، وزيارة الرئيس المصري وملك الأردن إلى واشنطن، وبعد قمّة البحر الميت التي منحته دفعة بأهمية موقعه ودوره في العملية السياسية المقبلة، فترجم هذا الدور في ممارسة الضغط على حماس؛ في محاولة لإظهار قوته، وإخضاعها لتكون جاهزة للقبول بما يرتّب له الحراك الأمريكي الإقليمي، الذي يقوده مبعوث ترمب للشرق الأوسط، جيسون غرينبلات.
– الاحتمال الثاني: وهو الأخطر، فينطلق من توجّه أبو مازن إلى الحفاظ على الحدّ الأدنى من استقرار السلطة، بعد انخفاض كبير في قيمة المساعدات الخارجية الممنوحة لها، وتوجيه بعض المانحين قنوات الصرف إلى قطاعات أخرى، وذلك من خلال فك الارتباط الإداري والمالي مع غزة، الذي هو مقدمة لفك الارتباط السياسي وعزل القطاع. ويفسّر ذلك شروطه الأخيرة لحماس، التي تنقلنا ضمنًا إلى هذا الاحتمال.
ردود متوقعة
ما سبق، يضع حماس أمام ثلاثة خيارات لمواجهة ردود عباس ضد قطاع غزة، التي ابتدأها بأزمة الرواتب، ثم قطع المخصصات الاجتماعية لمئات الأسر الفقيرة في غزة، التي ينفي المسؤولون عنها علاقتها بالسياق العام القائم، لكن توقيتها يدرجها جبرا ضمن الردود، إضافة إلى توقف إمدادات الوقود بفعل ضريبة السلطة، التي تلوّح بأزمة ثالثة ضمن أوراق الضغط التي يلعب بها الرئيس.
أولا: تراجع تكتيكي تقبل حماس بموجبه شروط أبو مازن، على قاعدة “سحب الذرائع”، وتحشيد الرأي العام والمواقف الفصائلية ضده، لتفويت الفرصة عليه في مخطط الفصل والعزل، الذي من الممكن أن يقود إلى إضعاف الجبهة الداخلية، وتعميق الانقسام.
ثانيا: محاولة الاعتماد على بعض الأطراف الإقليمية التي لها علاقة بالأزمة الفلسطينية، ونذكر منها قطر ومصر، وطلب العودة إلى دائرة المصالحة ضمن رزمة كاملة، ومحاولة سد الذرائع على السلطة بتعويض النقص المالي لديها، أو إيجاد بدائل للخروج من الأزمة الإنسانية الخانقة في قطاع غزة، من بينها فتح خطوط تجارية مع مصر، وهذا ما أشار إليه الدكتور محمود الزهار، رئيس كتلة حماس البرلمانية، في حديث لوكالة “الوطنية، أمس الأول الثلاثاء، حين قال إن حماس ستعمل مع مصر وبعض الدول العربية؛ من أجل فتح معبر رفح؛ لتعويض النقص الموجود في غزة.
ثالثا: الخيار الأكثر كُلفة؛ اعتماد “سيناريو الفوضى” بأن تواجه حماس الأزمة بأزمة مضادة، عبر قطع كل خطوط التواصل والتعامل مع السلطة، وتوجيه رسائل إلى الأطراف الإقليمية بأن الوضع في غزة لم يعد مقبولا، وأن استمراره يترتب عليه مخاطر كبيرة يمكن أن تقود إلى الانفجار الذي يحذّر منه ويخشاه الجميع، وأن تعلن الحركة عدم مقدرتها على إدارة الشأن في غزة، وانسحابها من متابعة المسائل الحياتية، وتحويلها إلى الفصائل أو الأمم المتحدة، أو حتى الجامعة العربية؛ ليقوم الجميع بدوره.
السيناريوهات المتوقعة
• السيناريو الأول: قبول “حماس” بالشروط المطروحة عليها
يقوم هذا السيناريو على قبول “حماس” بما هو مطروح، لأنها تدرك أنها تعاني من عدم قدرتها على حل أو التخفيف الجدّي من أزمات القطاع المتفاقمة، المتمثلة في المعابر والكهرباء والصحة والتعليم والمياه والبطالة والفقر، في ظل قيام السلطة في رام الله بالوفاء بالتزاماتها أو قسم كبير منها.
ويعزز هذا السيناريو أن “حماس” تدرك أن هناك دعمًا عربيًّا وإقليميًّا ودوليًّا لهذا التحرك، حتى إنها غير واثقة تمامًا من دعم قطر وتركيا اللتين تجمعهما مع الأطراف الأخرى مصالح وتقاطعات كثيرة.
ولكن هذا السيناريو مستبعد؛ لأن “حماس” انتخبت قيادة جديدة يرى البعض أنها أكثر تشدداً، ولا يمكن أن تبدأ عهدها بالخضوع وتسليم قطاع غزة.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الاحتلال يستهدف مجموعات شرطية أثناء ملاحقتها عصابات لصوص بغزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام استشهد وأصيب عدد من عناصر الشرطة الفلسطينية، مساء اليوم الجمعة، إثر استهداف طائرات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة غزة...

أجبره الاحتلال على هدم منزله في العيسوية فجعل منه محرابا
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام أجبرت بلدية الاحتلال الإسرائيلي، المقدسي محمود عبد عليان على هدم منزله في حي المدارس بقرية العيسوية بالقدس المحتلة...

المظاهرات تعمّ المدن المغربية للمطالبة برفع الحصار عن غزة
الرباط – المركز الفلسطيني للإعلام طالب آلاف المغاربة، الجمعة، وللأسبوع الـ74 على التوالي برفع الحصار عن غزة وفتح كافة المعابر لدخول المساعدات...

حماس: الاحتلال يسعى لكسر إرادة شعبنا بكل السبل وسط غياب الضمير العالمي
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عبد الرحمن شديد، الجمعة، إن قطاع غزة يواجه اليوم واحدة من أسوأ...

المقاومة تعلن تفجير جرافة وقنبلة برتل لآليات الاحتلال شرق غزة
الخليل- المركز الفلسطيني للإعلام أعلن الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي " سرايا القدس" عن تفجير جرافة عسكرية إسرائيلية وقنبلة من مخلفات الاحتلال...

مظاهرات مليونية في اليمن تضامنًا مع غزة
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام تظاهر مئات الآلاف من اليمنيين، الجمعة، في 14 محافظة بينها العاصمة صنعاء، دعما لقطاع غزة في ظل استمرار الإبادة...

ايرلندا تدعو “إسرائيل” لرفع الحصار عن غزة والسماح بدخول المساعدات
دبلن – المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت ايرلندا من استمرار الكارثة الإنسانية في غزة، وأنه لم تدخل أي مساعدات إنسانية أو تجارية منذ أكثر من ثمانية...