الإثنين 29/أبريل/2024

أحلام التميمي ودلال المغربي.. المقاومة بين زمنين

ساري عرابي

في الأيام ذاتها التي تمرّ فيها الذكرى التاسعة والثلاثون لاستشهاد دلال المغربي؛ يبحث القضاء الأردني في قانونية تسليم الأخت المجاهدة أحلام التميمي للولايات المتحدة الأميركية، بعد طلب من الأخيرة على أساس من معاهدة موقعة بين البلدين تقضي بتسليم “المجرمين الفارين” بين البلدين.

لا تختلف أحلام عن دلال في شيء، سوى أن دلال قد استشهدت، وأحلام أسرت لدى العدو، وحكم عليها بالسجن المؤبد ست عشرة مرة، ثم أفرج عنها في صفقة وفاء الأحرار، مرغمة للعدو ورغمًا عنه، فآذته أحلام مرتين، مرة حينما جاهدت، ومرة حينما خرجت من الأسر، ولم يكن خروجها أي خروج، بل كان مرغمة كما وصفتُ، ذلاً وكرهًا، ونتيجة فعل جهادي صرف!

لقد فعلت أحلام ما فعلته دلال تمامًا، وإن اختلف شيء فشكل العمل وزمانه ومكانه لا طبيعته، وقد ظلّت دلال أيقونة يحتفي بها الفلسطينيون كلهم، ورمزًا من رموز نضالهم طويل، وبالرغم من الخصوصية التي يحظى بها الشهداء، وهي ميزة إضافية لكل مقاوم، تجعله فوق الاختلاف، وفوق كل الافتراقات السياسية والإيديولوجية، وبالرغم من اختلاف الزمن الذي استشهدت فيه دلال، وهو زمن الثورة الفلسطينية، والإجماع الفلسطيني على ثوابت النضال، فإن أحلام أيقونة أخرى للفلسطينيين، وقد أغاظت العدوّ مرتين.

على الأرجح فإن القضاء الأردني سيحكم ببطلان التسليم قانونيًّا، لكن وبصرفالنظر عن المسألة القانونية، فإنه لا يمكن التسليم ابتداء بالتصنيف الذييدرج أحلام في تلك المعاهدة

أحلام التي قدمت إلى الضفة الغربية قبيل انتفاضة الأقصى، والتحقت بكفاح أبناء شعبها سريعًا، وفي العام الأول من تلك الانتفاضة، لا أقول إنها أردنية من أصل فلسطيني، إذ إن حقائق التاريخ والجغرافيا، أكبر من التقسيمات الطارئة، وأكبر من كل المياه الزائفة التي ضخت أسفل جسر العرب عمومًا، وشعب الضفتين خصوصًا، ويكفي أنه في هذه المناسبات كلها؛ ذكرى دلال، والمطالبة بتسليم أحلام، انقضت محكومية البطل أحمد الدقامسة وعاد إلى بيته القابع شرق النهر جيلاً عن جيل!

على الأرجح فإن القضاء الأردني سيحكم ببطلان التسليم قانونيًّا، لكن وبصرف النظر عن المسألة القانونية، فإنه لا يمكن التسليم ابتداء بالتصنيف الذي يدرج أحلام في تلك المعاهدة، فمهما كان الموقف الدستوري من تلك المعاهدة، أو الموقف من تسليم مواطنين -أيًّا كان جرمهم- لدولة أخرى، فإن أحلام ليست مجرمة، ولا ينبغي من جهة موقف عربي أن تدرج في تلك المعاهدة، إذ يفترض أن يُحتفى بها أردنيًّا وفلسطينيًّا وعربيًّا.

الفكرة هنا هي صراع على المفاهيم والقيم، فكما أن مقاومة الشعب الفلسطيني ليست إرهابًا، فإن مقاوميها ليسوا مجرمين، ونحن لا يمكن، ولا من أي وجه أن نسلم بالوصف الأميركي أو الصهيوني لمقاومتنا، أو بتصنيفهم لمقاومينا، فالرفض هنا ليس فقط لتسليمها، ولكن لبحث المسألة أساسًا، إذ من الناحية المبدئية هي مقاوِمة لا مجرمة.

ومن الناحية السياسية جاء فعل أحلام في سياق الصراع العربي الإسرائيلي، وهذه حيثية يمكن للأردن الرسمي أن ينطلق منها لرفض التسليم، مهما كان موقفه مخالفًا لموقف أحلامها ومن يشبهها من هذا الصراع، أو من طبيعة المقاومة التي مارستها أحلام، فالصراع لم ينته، والأردن لم يزل متصلاً به، ويتحمل مسؤولية إزاءه، رغم معاهدة السلام التي تجمعه بالكيان الصهيوني، وما هو بدهي في هذا الجانب أن يرفض تسليم أحلام، لأن أصل المسألة سياسي لا قانوني.

الفكرة هنا هي صراع على المفاهيم والقيم، فكما أن مقاومة الشعب الفلسطينيليست إرهابًا، فإن مقاوميها ليسوا مجرمين، ونحن لا يمكن، ولا من أي وجه أننسلم بالوصف الأميركي أو الصهيوني لمقاومتنا، أو بتصنيفهم لمقاومينا

بل ينبغي ألا تحال المسألة للقضاء، وأن يرفض أدراج أحلام ضمن هذا التصنيف، فإذا صار السلام مع العدو وجهة نظر عربية، فإن مقاومته في أسوأ الأحوال وجهة نظر عربية أخرى، ولكنها في الحقيقة الفعل الأكثر أصالة، والذي لا ينزل عن مرتبة الحق الذي قد يستحيل إلى واجب على الشعب الذي يواجه الاستعمار والغزو والنهب والجريمة الأكبر والأبشع في التاريخ!

صحيح أن ما تغير كثير، لكن واجبنا أن نكافح الرداءة، وانحطاط المفاهيم، ونتائج الهزائم التي تحفر عميقًا في النفوس والضمائر والعقول والسياسات، وأن نلحّ على الأصيل، وما هو واجب، وما ينبغي أن يكون، وهي فرصة أولاً، لرد الاعتبار المتجدد للمقاومين، والدفع نحو سن التشريعيات والقوانين تجعلهم فوق أي تصنيف يمكن أن يسمهم بالإجرام أو الإرهاب، إذ لا يوجد ما يضمن ألا تتكرر هذه المحنة مع مقاوم آخر.

وثانيًا، هي فرصة للاحتفاء بأحلام على النحو الذي تستحق، ويحفظها رمزًا من رموز نضالنا، وأيقونة لشعبنا وقضيتنا.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات